تحذيرٌ للمواطنين من زيارة تركيا، وانتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الخطب العامة، والضغط على النقاد في وسائل الإعلام السعودية، ما هي إلا دليلٌ على التوتر المتزايد بين المملكة العربية السعودية وتركيا. وتعدّ هذه نتيجةً مباشرة للأزمة الدبلوماسية القطرية التي اندلعت في يونيو 2017.
لم تتوقع المملكة العربية السعودية، بينما كانت تحاول عزل قطر عن بقية المنطقة بسبب “دعمها” المزعوم “للمتطرفين وتمويل الإرهاب،” مواجهة مقاومةٍ من حلفائها منذ فترةٍ طويلة. إلا أن تركيا، التي لطالما جمعتها علاقاتٍ طيبة مع المملكة منذ تأسيسها عام 1932، لم تنضم إلى دول الحصار الـ12 على الدولة الخليجية الصغيرة. في الواقع، اختارت دعم قطر، رافضةً إغلاق قاعدتها الجوية في قطر، أحد مطالب المملكة العربية السعودية وحلفائها لرفع الحصار. آنذاك، قال وزير الدفاع التركي، فكري إيشيك، إن الهدف من وجود القاعدة في قطر تدريب الجنود القطريين وزيادة أمن قطر. وبحسب صحيفة ملليت التركية، أضاف وزير الدفاع أيضاً “لا ينبغي لأحدٍ الإنزعاج” من الوجود التركي في قطر. كما سارع البرلمان التركي إلى التعجيل بنشر القوات التركية في قطر.
ومما أجج الغضب السعودي إرسال تركيا قواتٍ إضافية إلى قطر في ديسمبر 2017، كما وقع البلدان اتفاقاً في مارس 2018 لإنشاء قاعدةٍ بحرية ومركزٍ للتدريب وإرسال 60 ألف جندي إضافي. ورداً على ذلك، وصف ولي العهد السعودي القوي الأمير محمد بن سلمان تركيا بأنها جزء من “مثلث الشر” إلى جانب كلٍ من إيران والجماعات الإسلامية المتشددة.
وقال لنا يحيى العسيري، رئيس المنظمة غير الحكومية القسط لحقوق الإنسان، في فَنَك: “يواصل محمد بن سلمان اتخاذ قراراتٍ كبيرة دون التفكير في المستقبل.” وأضاف “تسرع بالدخول في حربٍ مع اليمن ولا يستطيع إنهاءها، كما شرع بعزل قطر ولكن بأقل النتائج، وها هو الآن يستهدف بلداناً مثل عُمان، والكويت، وتركيا، لعدم مساندته بشكلٍ كافٍ في معركته ضد قطر. كما لا تدعمه الدول الأوروبية وأستراليا، بيد أن بإمكانه إتخاذ قراراتٍ ضد عُمان والكويت وتركيا، ولكن ليس ضد القوى الغربية القوية. النتيجة هي أنه بات معزولاً أكثر فأكثر. ونحن نرى أن منتقدي أردوغان وتركيا في وسائل الإعلام السعودية، التي تعتبر صوت العائلة الحاكمة، يزدادون كل يوم.”
كما يخشى محمد بن سلمان إبرام تحالفٍ بين تركيا وإيران، المنافس التاريخي للسعودية، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الكردية. وفي مقالٍ نشرته صحيفة آسيا تايمز في 31 مارس 2018، كتب خالد بن منير، محلل الشؤون الخارجية، “في حين أن الحكومتين الإيرانية والتركية تعتبر الأكراد كياناً معادياً، تهديدٌ لسيادة إيران وتركيا على حد سواء، وجدتهم المملكة العربية السعودية أداةً رئيسية لممارسة التأثير بين السكان غير العرب في الشرق الأوسط… وبما أن الحكومة العراقية اليوم تقع تحت تأثير إيران، يوفر الأكراد نافذةً لآل سعود لمواجهة النفوذ الإيراني. فقد باتت النية السعودية بمواجهة إيران وتركيا إلى جانب الأكراد في ظل عرض الملك السعودي الوساطة بين بغداد والأكراد العراقيين بعد تفاقم الأزمة بينهما بعد الاستفتاء، واضحةً للغاية.”
كما توسعت العلاقات بين إيران وتركيا إلى زيادة التجارة والتعاون وتبادل المعلومات الاستخبارية. ووفقاً لخالد بن منير، “من أجل الحفاظ على هيمنةٍ استراتيجية على الطيف الشيعي، ستعترف إيران على الفور بالقيادة التركية على العالم السُنّي على حساب المملكة العربية السعودية، خصمها اللدود. ستمنح الحكومة في طهران الأفضلية لقوةٍ شرق أوسيطة أكثر وداً تمتلك وجهات نظرٍ متقاربة حول الأكراد بدلاً من المملكة العربية السعودية التي لا يمكن التنبؤ بها في الأصل… ومن جهةٍ أخرى، سيكون لتركيا مصلحةً إستراتيجية في رؤية الهلال الشيعي يطوق الملكية السعودية.”
تُشير جميع هذه العوامل إلى مستقبلٍ قاتم للعلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية، حيث أن الأخيرة تتخذ خطواتٍ نحو التقارب مع إسرائيل لمواجهة عزلتها المتنامية.
وقال العسيري لفَنَك: “تُظهر السعودية فحسب المزيد والمزيد من الدلائل على رغبتها في زعزعة استقرار المنطقة.” وتابع قوله، “أن تقول لمواطنيها أنه من الأفضل ألا تقضوا العطلة في تركيا ما هو إلا دليلٌ على الإتجاه الذي تسلكه المملكة نحو تركيا. لن يكون لهذا تأثيرٌ كبير، إلا أنه أمر غاية في الأهمية من حيث الرمزية. أعتقد حقاً أن المملكة العربية السعودية تعارض أي مظهرٍ من مظاهر الديمقراطية أو احترام حقوق الإنسان في المنطقة، إذ أن دولاً مثل تركيا والكويت ومصر قبل الإنقلاب [عام 2013] أظهرت بعض التقدم [في هذه المجالات].”