وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

جنوب لبنان: حيرة، وتهجير، وويلات حرب

اشتدّت الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان، وأيّ سوء تقدير مهما كان صغيرًا قد يشعل حربًا إقليميّة أوسع تضع لبنان في الواجهة.

جنوب لبنان
دخان يتصاعد فوق المباني في بلدة بليدا الحدودية بجنوب لبنان بعد القصف الإسرائيلي في 6 كانون الثاني/يناير. وكالة فرانس برس

دانا حوراني

على الرّغم من تأقلم بتول ريحان مع حياتها في بلدة النّميريّة، في جنوب لبنان، بعد نزوحها من بيتها في عيناتا، القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلّة، تثقل الاشتباكات العنيفة بين حزب الله وإسرائيل كاهل هذه الشّابّة البالغة من العمر 31 عامًا ووالديها، إذ لا يفارق بيتهم في الجنوب فكرهم.

قالت بتول لفنك: “من الصّعب البدء من جديد في مكان لا تعرف فيه أحدًا، فيما تجهل متى ستتمكّن من العودة.”

لم يكونوا راغبين في النزوح عن عيناتا في بادئ الأمر، لكنّ غارة جوّيّة إسرائيليّة استهدفت وسط بلدتهم في 13 تشرين الثّاني أجبرتهم على ذلك، فانتقلوا إلى عقار شاغر يملكه أقرباؤهم في النّميريّة، بعيدًا عن القصف. لكنّ ذلك أجبر الأب على ترك مشغل النّجارة، وهو مصدر دخلهم الوحيد.

وأكملت: “أقنعناه بعدم العودة إلى عيناتا، ولحسن حظّنا يساعدنا أقرباؤنا مادّيًّا حتّى الآن.”

منذ 2 كانون الثّاني، نزح 76,018 فردًا، معظمهم من الجنوب، داخل لبنان بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة المستمرّة. ويسبّب هذا النّزوح تحدّيات ماليّة واجتماعيّة وصحّيّة من البطالة إلى ظروف الشّتاء القارص إلى اضطرابات تعليميّة.

أضافت بتول: “نحن شاكرون بأنّنا ما زلنا على قيد الحياة، لكنّ ما نعانيه حتمًا أصعب بكثير ممّا يظنّ النّاس.”

الجبهة الجنوبيّة

في الأشهر الثّلاثة الماضية، اشتدّت الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، وأيّ سوء تقدير مهما كان صغيرًا قد يشعل حربًا إقليميّة أوسع تضع لبنان في الواجهة.

إنّ ازدياد انعدام الأمان في البلدات الحدوديّة أجبر آلاف الأشخاص على اللّجوء إلى مناطق أكثر أمانًا، مثل مدينة صور السّاحليّة، حيث وجد أكثر من 1000 شخص ملجأً في ثلاث مدارس، فيما سكن أكثر من 5000 في شقق خاصّة في كلّ أنحاء المدينة، ويرجّح أنّه يسكن معهم الكثير من الأشخاص غير المصرّح بهم.

كما اتّخذ أكثر من 1200 نازح المعهد التّقنيّ في صور، الّذي يضمّ كلّيّة العلوم للجامعة اللّبنانيّة، ملجأً لهم.

فيما سلّط المسؤولون الضّوء على التّحدّيات الّتي يواجهونها لتأمين الصّرف الصّحّيّ والأدوية، ما أدّى إلى تفشّي الجرب في الملاجئ. وحذّروا من إمكانيّة انتشار الأمراض في ظلّ الظّروف الرّاهنة.

لقد تمكّن بعض الأشخاص من السّكن مع أقربائهم أو في منازل أخرى يملكونها في بيروت.

أمّا لمى* فحالها كحال بتول، هي تبلغ من العمر 26 عامًا، أصلها من بلدة ميس الجبل القريبة من الحدود، ونزحت إلى النّميريّة. إنّها تعيش الآن مع زوجها وطفلها البالغ من العمر سنة واحدة على مرتبة سرير (فَرشة) نحيفة على أرض غرفة نوم صغيرة ضمن شقّة تتشاركها عائلتان ممتدّتان، وهم يصارعون للبقاء على قيد الحياة.

قالت لمى لفنك: “هذا صعب جدًّا، فالرّحيل عن منزلك يعني التّخلّي عن روتينك، ومواجهة خسارات ماليّة، وعاطفيّة، وجسديّة.”

خسرت عائلة لمى الممتدّة محصولها بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة المستمرّة الّتي أعاقت زراعة أرضها، كما أنّ زوجها وهو نجّار، يبحث الآن عن عمل.

أضافت إلى حديثها: “لقد أعطونا صدقة قيمتها 100$ ووفّرت لنا البلديّة جرّة غاز لكنّ ذلك لا يكفي، فعجزنا عن تدفئة مكان عيشنا بشكل كافٍ سبّب لابني المرض. والكثير من الأطفال يمرضون بسبب انعدام التّدفئة المناسبة.”

ما زالت أسرة لمى تصارع للتّأقلم، وتتمسّك بأمل العودة إلى المنزل، لكنّ كلّ يوم من تصاعد الاشتباكات يخمد هذا الأمل.

وختمت: “قد تستمرّ هذه الحرب وقتًا طويلًا، ونحن نفتقد حياتنا بشدّة ونتوق إلى العودة إليها.”

محاولة التّحلّي بالإيجابيّة

انتقلت صفحة إنستغرام الخاصّة بالنّاشطة الإلكترونيّة سارة رمّال البالغة من العمر 21 عامًا، من عرض محتوى الفنّ والموضة إلى عرض تحديثات يوميّة عن جنوب لبنان وغزّة. ولقد نزحت عائلتها من بلدة عديسة إلى مشغلها في بيروت.

أخبرت سارة فنك بأنّ “التّأقلم مع هذا الوضع الجديد يشكّل تحدّيًا، لكنّنا نحاول رؤية الإيجابيّات، فنحن نعيش في الجنّة مقارنة بغزّة.”

فيما وضع عائلتها الماليّ ما زال صامدًا، أصبحت الاضطرابات التّعلّميّة القاعدة الجديدة، إذ تراجعت علامات إحدى أقارب سارة وهي في العادة طالبة ممتازة بسبب تغيّبها عن بعض الصّفوف.

قالت سارة: “هناك محدوديّة في تفهّم الغياب عن الصّفوف. فقريبتي اضطرّت إلى الرّسوب في مقرّراتها لأنّها عجزت عن الحضور فيها كلّها شخصيًّا.”

في الجنوب، كانت سارة تقضي وقتها في الأعمال الفنّيّة، وتصوير الشّرائط المصوّرة القصيرة، وحياكة الفساتين. وعلى الرّغم من أنّها تستمتع بالبقاء في بيروت، تعترف بأنّ الجنوب يشعرها بالانتماء، وذلك لا يمكن استبداله.

أضافت: “لا يمكننا توقّع متى ستنتهي هذه الحرب، لكنّنا متأكّدون من أنّنا سنعيد بناء كلّ شيء حتّى ولو تهدّمت بيوتنا.”

هي حاليًّا توازن دراستها ونضالها الرّقميّ، مسلّطة الضّوء على الاشتباكات الّتي يُصرف عنها النّظر في الجنوب.

وختمت: “من الضّروريّ أن يعرف النّاس أنّ غزّة ليست وحيدة؛ فذلك قد يمنحهم الأمل.”

تتشارك بتول ولمى وسارة أمنية واحدة للسّنة الجديدة: توقّف الهجوم على غزّة ليتمكّنّ من العودة إلى منازلهنّ. فعلى الرّغم من تنوّع تحدّياتهنّ وطرق تأقلمهنّ، إنّهنّ متّفقات على العودة فور انتهاء الحرب. إلّا أنّهنّ ما زلن متوجّسات من تصعيدات محتملة وإمكانيّة التّهجير من جديد.

مستقبل متقلّب

صرّح الامين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في 5 كانون الثّاني أنّ التّوتّرات قد تخمد إذا أوقفت إسرائيل هجماتها على غزّة. جاء هذا التّصريح بعد اغتيال صالح العاروري، نائب زعيم حماس، بواسطة طائرة من دون طيّار في بيروت في 2 كانون الثّاني. وعلى الرّغم من تلميح حزب الله بأنّه منفتح على التّفاوض، لم يعِد بأنّه لن يدخل في حرب على نطاق أوسع.

بحسب الإعلاميّ والمحلّل اللّبنانيّ، علي الأمين، يبدو أنّ حزب اللّه يفضّل تجنّب حرب شاملة مقارنة برئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، الّذي يبدي رغبة فيها.

قال علي الأمين لفنك: “بالنّسبة إليّ يبدو أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة لا تريد حربًا شاملة، وإيران وحزب الله يستفيدان من موقفها.” وأضاف أنّه من غير الممكن حدوث غزو برّيّ إسرائيليّ إلّا في حال اندلاع حرب مفتوحة.

يتوقّع المحلّل أن تكمل إسرائيل هجماتها ضدّ جنوب لبنان، وبحسب تقييمه للخسائر يرى أنّ إعادة الإعمار ستكون أسهل ممّا كانت عليه بعد حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، بما أنّ هذه الأخيرة استهدفت هذه المرّة مقاتلي حزب الله بدلًا من شنّ هجمات عشوائيّة كما تفعل في غزّة.

غير أنّه أشار إلى أنّ مبادرات مساعدة النازحين كانت أكثر كثافة عام 2006 مقارنة باليوم.

شارحًا: “في ما مضى كانت المبادرات أكثر، سواء أمن مصادر حكوميّة أو غير حكوميّة، وكانت دائمة الاستعداد لتوفير الإغاثة والمعونة.”

وضع لا يُحتمل

سلّطت النّاشطة مريم بلال الضّوء على تدنّي مبادرات المساعدات مع امتداد مدّة الحرب على جنوب لبنان، إلّا أنّ مناشدات النّاس اليائسة لم تتوقّف.

أخبرت مريم فنك بأنّ: “مع حلول فصل الشّتاء، يواجه الكثير من النازحين، غالبيّتهم من المزارعين، مشقّات بالغة. فسبل عيشهم محطّمة وما من احتمال للعودة قريبًا.”

ولفتت النّظر إلى التّحدّيات الّتي يواجهها المهجّرون، مثل نقص الموادّ الضّروريّة كالحفّاظات للأطفال، ومنتجات النّظافة الصّحّيّة للنّساء، وعراقيل تمنع الطّلّاب من متابعة دروسهم عبر الإنترنت.

قالت: “على وزارة التّربية أن توفّر الأجهزة اللّوحيّة للطّلّاب على الأقلّ ليتمكّنوا من متابعة دروسهم عبر الإنترنت.”

ولاحظت مريم، أنّ مع اشتداد سوء الظّروف اختار بعض النازحي العودة إلى منازلهم على الرّغم من استمرار الاعتداءات.

أضافت: “الحصول على المساعدة ليس أمرًا مباشرًا وعادلًا، إنّما يعتمد على المعارف. ويجد الكثيرون ذلك لا يُحتمل فيسعون إلى العودة إلى منازلهم على الرّغم من المخاطر.”

أخيرًا، إنّ الوضع في جنوب لبنان مرتبط بشكل كبير بالأحداث الحاصلة في غزّة. ما يعني أنّ سكّان جنوب لبنان سيواجهون على الأرجح خسائر أكثر وآلامًا أكبر إذا لم يتوقّف إطلاق النّار في غزّة على الفور.