وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السودان يوقع اتفاق جوبا لإنهاء الخلافات الداخلية

Sudanese army
عناصر من الجيش السوداني يراقبون تدمير أسلحة جُمعت من مواطنين سودانيين في قاعدة حجر العسل، على بعد 200 كيلومتر شمال العاصمة الخرطوم، في 29 سبتمبر 2020. Photo: ASHRAF SHAZLY

By: Mat Nashed

وقعت الحكومة الانتقالية في السودان اتفاق سلامٍ مع تحالف فضفاض من الجماعات المتمردة من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق في 3 أكتوبر 2020، حيث تم التوصل إلى الاتفاق في جوبا عاصمة جنوب السودان واحتفل به المجتمع الدولي كخطوة محورية في إنهاء صراعاتٍ طويلة الأمد في المحيط السوداني.

ومع ذلك، فإن الخبراء والنشطاء أقل تفاؤلاً، إذ يزعم الكثيرون أن الاتفاق لن يوقف العنف الحضري والعرقي المتصاعد الذي عصف بدارفور منذ سقوط الديكتاتور السابق عمر البشير في أبريل 2019. ومن الجدير بالذكر أن الفصائل في أكبر التحالفات التي وقعت على الاتفاق – والمعروف باسم الجبهة الثورية السودانية- لم يكن لها أي نشاطٍ في دارفور منذ عام 2016.

أكبر فصيلين في الجبهة الثورية السودانية هما حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان بقيادة مني ميناوي، إذ يعدّ الأول جماعةً ذات ميول إسلامية نشطت في تشاد وجنوب السودان، ومؤخراً في جنوب ليبيا. كما أُجبرت الأخيرة على نقل مقاتليها إلى ليبيا في عام 2016 بعد حملةٍ وحشية لمكافحة التمرد في دارفور. تم تنفيذ الهجوم من قبل القوات شبه العسكرية التابعة للدولة والتي تتمتع بسمعةٍ سيئة، قوات الدعم السريع، وهي تجسيدٌ لميليشيات الجنجويد التي قادت عمليات الإبادة الجماعية في دارفور.

وبموجب الإتفاق، سيتم قريباً دمج المقاتلين من الجبهة الثورية السودانية في القوات المسلحة السودانية وقوة الشرطة لمنع زعزعة الاستقرار في دارفور. فالاضطرابات في مالي – التي أشعلها المتمردون الطوارق، بعد عودتهم مكدسين بالأسلحة من ليبيا في عام 2011، حكايةٌ ذات مغزى وعبرة. ولكن في حين أن التعاون بين حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان بقيادة مناوي قد يمنع حدوث رد فعل سلبي في دارفور، إلا أن اتفاق جوبا يخاطر بتقوية شوكة هذه الجماعات وتفاقم الانقسامات في قطاع الأمن السوداني.

ومما يثير القلق أيضاً أن السودان سيضطر إلى حشد ملايين الدولارات لدمج المتمردين في الجيش، إذ يعدّ القول أسهل من الفعل بالنظر إلى أن الخرطوم على حافة الانهيار الاقتصادي. الجاني هنا هو سنواتٌ من سوء الإدارة في ظل حكم الديكتاتور السابق عمر البشير، الذي سلب البلاد من توفير الخدمات الحيوية بينما كان يمول عدداً لا يحصى من الأجهزة الأمنية. واليوم، أدت أزمات إنتشار فايروس كورونا والفيضانات المدمرة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.

حتى أن الضباط العسكريين لم ينجوا من الأزمة المالية، ففي سبتمبر الماضي، اعتذر وزير المالية السوداني للقوات المسلحة السودانية عن التأخير في دفع الرواتب. في ذلك الوقت، تلقت الفروع الأمنية الأخرى مثل قوات الدعم السريع رواتبها بعد أسابيع من استحقاقها. ومع تدهور الاقتصاد، ليس من الواضح كيف تعتزم الحكومة السودانية دفع رواتب آلاف المقاتلين الجدد.

علاوةً على ذلك، لن تحظى الخرطوم بفرصة توفير الموارد المالية دون دعمٍ من الإتحاد الأوروبي، الذي إلى الآن فشل في الوفاء بوعوده بدعم العملية الإنتقالية في السودان بحجة ضرورة رفع العديد من الإعانات الحكومية عن السلع الأساسية كشرطٍ للحصول على الدعم المالي. ومع ذلك، فإن رفع الإعانات الحكومية دون توفير مساعداتٍ مالية للفقراء قد يُشعل فتيل الإضطرابات.

وعلى صعيدٍ متصل، يحتاج السودان أيضاً إلى رفع اسمه من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، فمن وجهة نظر العديد من الخبراء، باتت القائمة باليةً إذ مضى عليها أكثر من 20 عاماً. وبالرغم من ذلك، يمنع هذا السودان من الحصول على قروضٍ دولية أو حتى جذب الاستثمارات الأجنبية.

بالإضافة إلى ذلك استغلت إدارة ترمب القائمة للضغط على رئيس الوزراء السوداني المؤقت، عبد الله حمدوك، للإعتراف بإسرائيل، بيد أن حمدوك صرّح أن من الأفضل ترك قرار الإعتراف بإسرائيل لحكومةٍ سودانية منتخبة.

إلا أنه تم تقويض موقف حمدوك من قبل قائد قوات الدعم السريع ونائب المجلس السيادي محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي،” الذي صرّح في 2 أكتوبر 2020 أن الخرطوم ستُقيم على الأرجح بعض العلاقات مع إسرائيل بعيداً عن التطبيع الكامل من منطلق التضامن مع الفلسطينيين.

على أي حال، يبدو أن اتفاق جوبا محكومٌ عليه بالفشل، كحال التحول الديمقراطي في السودان، ما لم يُؤمن الدعم والتنازلات من المجتمع الدولي. فإلى جانب دمج المتمردين في القوات المسلحة، هناك حاجة إلى المال لتعويض آلاف الأشخاص الذين نزحوا من القتال في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. كما وعد اتفاق جوبا بمنح المزيد من السلطة والموارد للإدارات المحلية في أطراف السودان – وهي مناطق كانت مهملة تقليدياً من قبل الحكومة المركزية.

من جهته حذر كلٌ من إدوارد توماس وأليكس دي وال، الخبيران في الشأن السوداني في معهد ريفت فالي في كينيا وكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية على التوالي، من أنه إذا تخلى المجتمع الدولي عن السودان، فإن الإمارات العربية المتحدة ستملأ هذا الفراغ، ومن شأن ذلك أن يمنح الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، نفوذاً لا مثيل له في الدولة. بالطبع، لم يخفِ محمد بن زايد اعتقاده بأن الديمقراطية لن تنجح في العالم العربي لأنها قد تؤدي إلى انتخاب الإسلاميين، إذ يفضل بدلاً من ذلك ضم زمرة من المستبدين الذين يعملون تحت دائرة نفوذه.

ومن الجدير بالذكر أن أبو ظبي تربطها بالفعل علاقاتٌ قوية بحمديتي، فضلاً عن العلاقات القوية التي تجمع بين جيش تحرير السودان بقيادة مناوي بالإمارات وذلك في أعقاب قتاله كمرتزقة إلى جانب الجنرال المارق خليفة حفتر في ليبيا. وبالتالي، يعدّ حصول السودان على دعمٍ مالي من الإتحاد الأوروبي ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب جوهرياً لكبح نفوذ الإمارات في السودان.

ومع ذلك، يتمثل التحدي الأكثر وضوحاً لاتفاق جوبا بكونه لا يشمل أقوى المجموعات التي لا تزال تسيطر على الأراضي في السودان حيث حاول حمدوك إشراكهم. وبعد فترةٍ وجيزة من اتفاق جوبا، أبرم حمدوك صفقة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مع عبد العزيز الحلو، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، حيث اتفق الرجلان على أن السودان سيفصل الدين عن الدولة وسيحترم تنوع البلاد. ويمهد الاتفاق الطريق أمام مفاوضات مستقبلية بين المجلس السيادي في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال.

على الرغم من التطور الإيجابي، إلا أن حمدوك لا يتمتع بالكثير من القوة لمنع الأجهزة الأمنية من تعذيب المدنيين في أطراف السودان؛ هذا رأي عبد الواحد نور الذي يرأس فصيلاً آخر من جيش تحرير السودان في دارفور. وعلى عكس جماعة مناوي، فإن جيش تحرير السودان/ فصيل عبد الواحد يسيطر فعلياً على مناطق في دارفور، وتحديداً في منطقة جبل مرة.

فقد تعهد جيش تحرير السودان/ فصيل عبد الواحد بعدم التنازل عن أراضيه ما لم يُسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة وتقديم مرتكبي الإبادة الجماعية إلى العدالة. من جهتها، تشارك الجماعات الحقوقية مخاوف مماثلة وتشعر بالقلق بشكلٍ خاص من أن يوناميد، وهي قوة حفظ السلام المكلفة بتحقيق الاستقرار في دارفور، من المقرر أن تغادر البلاد في أواخر عام 2020. وقد يؤدي غياب قوات حفظ السلام إلى تصاعد العنف ضد المدنيين، كما يمكن أن يؤدي إلى ولادة فصائل متمردة جديدة ذلك أن المنطقة تغرق بالأسلحة.

من الواضح أن اتفاق جوبا أبعد ما يكون عن الكمال، فقد غذى الاتفاق بالفعل التوترات الطائفية من خلال تمكين ممثلي الجبهة الثورية السودانية في المناطق التي تشهد نزاعاً على شرعيتها. ومع ذلك، يمنح الاتفاق الزخم للحكومة لإبرام السلام مع الجماعات المسلحة التي تسيطر بالفعل على أراضٍ في البلاد، ومن شأن هذا وحده أن يجبر المجتمع الدولي على مساعدة السودان في تنفيذ شروط اتفاق جوبا لإنهاء النزاعات التي طال أمدها في البلاد.