وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عودة السلطان قابوس, الغموض سيد الموقف

السلطان قابوس
القائد العماني السلطان قابوس بن سعيد يلقي كلمة أمام الجلسة الافتتاحية لمجلس عمان في العاصمة مسقط في 15 نوفمبر 2015. AFP PHOTO / STR (Photo by – / AFP)

بعد أن أمضى ثمانية أشهر في مقر إقامته في ألمانيا للخضوع للعلاج الطبي بعد شائعات إصابته بالسرطان، عاد السلطان قابوس إلى السلطنة في 23 مارس 2015. ولطالما ساورت الشكوك العُمانيين حول ما يعانيه السلطان قابوس حقاً ومدى تقدّم حالته الصحية. وحاولت السلطات العُمانية، وبما في ذلك السلطان نفسه، طمأنة الشعب العُماني حول تحسّن حالته الصحية، إلا أن حقيقة قضائه فترة طويلة للغاية خارج البلاد لا تبعث على الطمأنينة على الإطلاق. وأثارت حالة عدم اليقين بشأن حالته الصحية التكهنات بشأن من سيخلف السلطان، في حال وفاته.

وبعد فترة وجيزة من تسرب الأخبار بوصول السلطان إلى مطار مسقط الدولي، أعرب العُمانييون عن سعادتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشوارع أيضاً. وبثت وسائل الإعلام الحكومية لقطات لا نهاية لها للمواطنين الذي نزلوا إلى الشوارع للتعبير عن فرحتهم. وفي الوقت الحاضر، يشعر العُمانييون بالارتياح، إلا أنّ الغموض الذي يلف خليفته لا يزال قائماً، في حين تواجه عُمان العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية.

لا وريث واضح

في حين تم مؤخراً انتقال السلطة في كل من قطر والمملكة العربية السعودية بسلاسة، قد تواجه سلطنة عُمان التي قادها ويقودها السلطان قابوس الذي يبلغ من العمر 73 عاماً وعلى مدى الـ44 عاماً الماضية، انتقالاً للسلطة أكثر اضطراباً.

شهدت الملكيات في المنطقة، والتي تخطت إلى حدٍ كبير ثورات الربيع العربي في بلادها (باستثناء البحرين)، انتقالاً متوقعاً للسلطة بشكلٍ عام. ففي يونيو 2013، سلّم حمد بن خليفة آلثاني، أمير قطر، السلطة إلى ابنه تميم الذي كان قد تم إعداده لقيادة البلاد. كما أن العاهل السعودي الجديد، الملك سلمان بن عبد العزيز، لعب أيضاً دوراً هاماً في الحياة السياسية كولي للعهد؛ ومباشرةً بعد وفاة الملك عبد الله في يناير 2015، تم تعيين سلمان خلفاً له.

إلا أن سلطنة عمان مختلفة. فمنذ أن تولى السلطان قابوس العرش عام 1970، تركز تطور البلاد بصورة محدودة على قابوس نفسه. وقد شغل قابوس على نحو فعال عمله كرئيس للدولة ورئيس للوزراء ووزيراً للدفاع ووزيراً للمالية، ورفض أن يعين حتى رئيساً للوزراء. وعلى عكس حكام مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لم يعين السلطان وليا للعهد، وبالتالي ليس لديه خليفة واضح.

ولم يعرف غالبية العُمانيين أي قائد آخر سوى السلطان قابوس. وينقسم التاريخ إلى فترتين، قبل قابوس وبعد قابوس. ويؤكد الخطاب الرسمي على أنه منذ النهضة في 23 يوليو 1970، عندما أطاح قابوس بوالده سعيد بن تيمور، بات منذ ذلك الحين تاريخ عُمان مرتبط بقابوس لوحده. كما يتم تسمية جميع المؤسسات والمباني والشوارع ذات الأهمية الوطنية تيمناً باسمه، من جامعة السلطان قابوس  إلى شارع السلطان قابوس إلى جامع السلطان قابوس الأكبر. حتى أن اليوم الوطني للسلطنة هو يوم مولد السلطان قابوس.

ولطالما اعتمد قابوس على نخبة رجال الأعمال، بينما عمل على إبعاد أفراد عائلته من المناصب المهمة، وبالتالي منعهم من تحدي سلطته. وفي حين أصبح أعضاء العائلة المالكة نشطاء في عالم الأعمال حيث اكتسب العديد منهم أصولاً مهمة، بينما تولى بعضهم فقط بعض المناصب الحكومية غير الهامة. ونتيجة لذلك، لم يتم إعداد أحد لخلافة السلطان قابوس، والنتيجة هي مستقبل غير واضح.

هناك إجراءات لتعيين خلف لقابوس، إلا أنها غير مجربة. وينص القانون الأساسي لعام 1996 على أن نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان (ص. 1871-1888). وتعالج المادة السادسة من القانون الأساسي حالة شغور الحكم عن طريق تكليف مجلس العائلة الحاكمة (عائلة السعيد) خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنقل إليه ولاية الحكم، فإذا لم يتفق مجلس العائلة الحاكمة على اختيار سلطان للبلاد، يعهد بهذه المهمة لمجلس الدفاع، الذي يقوم بالتعاون مع رئيس مجلس الشورى “المنتخب” ورئيس مجلس الدولة “المعيّن”، بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة. ووفقاً لمارك فاليري، محاضر في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط في جامعة إكستر (المملكة المتحدة)، فإن مدى تعقيد هذه العملية والدور المركزي لدائرة الرجال المشاركين، وجميعهم من خارج العائلة المالكة، يطرح الأسئلة. وبالنظر إلى حقيقة أن مجلس العائلة الحاكمة ربما لم يلتقِ قط وربما لن يتمكن من التوصل إلى قرار، فمن غير المؤكد ما إذا كان الأفراد الذين لا ينتمون إلى عائلة السعيد ويدينون بمراكزهم للسلطان قابوس وحده، سيقبلون مثل هذا القرار الكبير. وفي غياب قابوس، لا يوجد شخصية بارزة من عائلة السعيد تستطيع الإشراف على عملية الخلافة واحتواء أي خلافات.

المسؤولين الذين اكتسبوا شهرة على مر السنين، مثل يوسف بن علوي بن عبد الله (الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية) والسيد خالد بن هلال (وزير ديوان البلاط السلطاني)، من المؤهلين لخلافة قابوس، كما أنهم ليسوا أعضاء من العائلة المالكة.

المرشحين الثلاثة الأكثر احتمالا لخلافة قابوس هم أبناء عمه طارق بن تيمور، الذي كان رئيساً للوزراء لفترة وجيزة في السبعينات. والعميد السابق السيد اسعد بن طارق (مواليد 1954)، الذي تخرج مثل قابوس من أكاديمية ساند هيرست العسكرية الملكية (المملكة المتحدة) والممثل الشخصي للسلطان منذ عام 2002، وقائد قوات السلطان المسلحة. يدير العديد من الشركات، ويقال أن شركته الاستثمارية تُسيطر على أكثر من مليار دولار من الأصول في جميع أنحاء العالم. ابنه تيمور (مواليد عام 1980)، متزوج من سلمى بنت مستهيل بن أحمد المعشني، ابنة خال قابوس، ويعتبر في مقدّمة المرشّحين من جيل عمره للتربّع على رأس الخلافة. أما السيد هيثم بن طارق فهو وزير الثقافة والتراث، وصاحب شركة عقارية، ورئيس اللجنة الرئيسية لـ”الرؤية المستقبلية: عُمان 2040″. و هناك أيضاً، شهاب بن طارق وهو رئيس مجلس البحوث، ومستشار السلطان، وكان قائدًا للبحرية السلطانية العمانية.

وبسبب سياسة السلطان قابوس بإبعاد أفراد عائلته عن السلطة، يُعتبر هؤلاء الرجال ذوي خبرة محدودة وغير معروفين للملأ. وفي جميع الأحوال، يتوجب أن يحظى خليفة قابوس بطريقةٍ ما بشرعية سلفه. وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أنّ السلطان الحالي مسؤول مسؤولية مطلقة عن السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، يُثير مسألة ما إذا كان خلفه سيستمر في التمسك بهذه القوى أيضاً أم سيعمد إلى فصلها. ويقول فاليري، في ضوء المطالب المتكررة للإصلاح والتي فاجأت السلطات منذ عام 2011 وحتى الآن، فإن الشباب العُمانيين لن يمنحوا الحاكم القادم ذات السلطات التي يحظى بها الجيل الأكبر سناً.

الاضطرابات

Residents of Liwa protest against pollution from the nearby Port of Sohar
السكان في اللوا يتظاهرون ضد التلوث من مناء صحار, أغسطس 2013

بدى أن الاحتجاجات تلاشت عام 2011، إلا أن المظاهرات ضد البطالة والفساد وبطىء وتيرة الإصلاحات عادت للظهور مجدداً عامي 2012 و2013 في المناطق حول صحار، شمال السلطنة. ونظم عُمَّال النفط في عدة حقول للنفط في المناطق الداخلية إضراباً في مايو 2012 للمطالبة بتحسين ظروف العمل. وفي أكتوبر 2013، أضرب حوالي 35 ألف معلم لمدة أربعة أسابيع، في حادثة لم يسبق لها مثيل في البلاد. وبالإضافة إلى تلبية جزء من مطالب المضربين، أصدر وزير القوى العاملة قراراً بحظر الإضراب في المؤسسات التي توفر “الخدمات العامة الأساسية” مثل المنشآت النفطية والموانئ والمطارات.

ومن الواضح أن الرد على احتجاجات عام 2011، بما في ذلك توفير آلاف فرص العمل الجديدة وإقالة المسؤولين الفاسدين، لم يكن كافياً لإسكات أو تلبية حاجات العُمانيين.

وفي الوقت نفسه، تواصلت الحملة ضد النشطاء والكتاب والمدونيين. ووفقاً لمركز الخليج لحقوق الإنسان، تواصل السلطات العُمانية، منذ مارس 2015، وبشكلٍ منهجي استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء على الإنترنت، بما في ذلك الحكم عليهم بالسجن بتهم يزعم أنها ملفقة. وفي 18 مارس 2015، حكمت المحكمة الابتدائية في صلالة جنوب عُمان على الكاتب والناشط على الانترنت سعيد الدارودي بالسجن لمدة عام بتهمة ” الإخلال بالنظام العام” و6 أشهر بتهمة “الفتنة والبغضاء”. وفي وقتٍ سابق، كان الدارودي قد اختفى بعد استدعائه من قِبل الشرطة في صلالة، ويُعتقد أنه تم احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي دون السماح له برؤيته أسرته أو توكيل محامٍ. وفي 8 مارس، حكم على الناشط البارز في حقوق الإنسان، سعيد الجداد، بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهم تتعلق بحرية التعبير. اعتقل الجداد في يوليو 2013، على الرغم من أن السلطان أمر قبل ذلك ببضعة أيام الإفراج عن كل من حُكم وسجن لأسبابٍ سياسية.

ومن جهة أخرى، وفيما يتعلق بقانون المواطنة الذي سُنَّ مؤخراً، والذي يمنع المحاكم من سماع الشكاوى المتعلقة بقضايا المواطنة وبدلاً من ذلك تتم إحالتها إلى وزارة الداخلية المسؤولة عن مثل هذه القرارات، فقد أثار المخاوف إذ يعتقد أن القانون يمكن أن يستخدم لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين.

التحديات المُقبلة

سواء توفي السلطان أم لا في أي وقتٍ قريب، لا تزال التحديات قائمة. وكحال دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لا تزال عُمان تعتمد اعتماداً كبيراً على غير المواطنين للتنمية الاقتصادية. وعلى الرغم من أن (أو بسبب) تطور التعليم بسرعة على مدى العقود الأخيرة، تُكافح عُمان حالياً لتوظيف خريجي جامعاتها.من جهة أخرى، أوجدت الحكومة 50 ألف فرصة عمل جديدة بعد احتجاجات عام 2011، إلا أنّ معدل إيجاد فرص العمل هذا غير مستدام، بالنظر إلى القطاع العام المشبع بالفعل. وفي الوقت نفسه، لم يكن لسياسة “تعمين” القوى العاملة أي تأثير يُذكر. وكانت استراتيجية “الرؤيا المستقبلية: عُمان 2020” تهدف إلى توظيف ما نسبته 75% من المواطنين في القطاع الخاص، ولكن بحلول فبراير 2015 لم يشكل العُمانييون سوى ما نسبته 13% فقط من القوى العاملة في القطاع الخاص وفقاً لأرقام المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. كما تم تحديد حصص لتوظيف المواطنين في الشركات، إلا أن قلة التدريب وظروف العمل الأكثر جاذبية في القطاع العام جذبت العُمانيين بعيداً عن الشركات الخاصة. هذا وأدى خلق فرص عمل جديدة في القطاع العام وزيادة الحد الأدنى للأجور للمواطنين إلى حدوث تأثيرات غير مقصودة جعلت العمالة في القطاع الخاص أقل جاذبية.

ووفقاً لمارك فاليري، فإن المشاركة الشخصية لأكثر صناع القرار تأثيراً وأعضاء مجلس الوزراء في مجال الأعمال التجارية غذى التصور الشائع بأن النخبة مشغولة بحماية مصالحها الخاصة بدلاً من إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية مثل سياسة “التعمين”. تلك هي نتيجة تحالف السلطان مع العائلات التجارية الذين يتمتعون بامتياز الوصول إلى عائدات النفط من خلال العقود العامة، مقابل مساعدة السلطان في مساعيه لبناء الأمة. وفي حين لم يشكك السلطان مطلقاً بهذا النظام، إلا أن الدعوات المستمرة للإصلاح تُشير إلى أن العُمانيين يريدون التغيير.

ومنذ منتصف عام 2014، تعرّض الاقتصاد العُماني لضغوطات متزايدة بسبب تراجع أسعار النفط. يُشّكل هذا خطراً لأنه، على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد، لا تزال الهيدروكربونات تنتج 79% من عائدات الحكومة وأكثر من نصف صادرات سلطنة عمان، وفقا لمجلة ميد. ومن المتوقع أن تعاني الحكومة عجزا في الميزانية يصل إلى 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في نهاية عام 2015؛ حيث غيّرت وكالة التصنيف موديز وضع عُمان من مستقر إلى سلبي، وذلك بالاعتماد على انخفاض أسعار النفط، والعجز البارز في الميزانية والذي وصل إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى الرغم من انخفاض عائدات النفط، نشرت سلطنة عُمان في وقتٍ مبكر من عام 2015 ميزانية قياسية قدرها 36,7 مليار دولار لعام 2015. يُحافظ فيها على انفاق اجتماعي عالي والالتزام بالاستثمار في البنية التحتية لتعزيز التنويع وتطوير السياحة، والخدمات اللوجستية، والصناعة، إلا أن الانفاق الاجتماعي المرتفع إلى جانب قيمة فاتورة الدعم الحكومي الضخمة (للوقود وغيرها من الخدمات) والتي تصل إلى حوالي 13% من إجمالي الإنفاق لم يعد أمراً محتملاً. أخذت الحكومة بعين الإعتبار خفض الدعم، إلا أن مجلس الشورى صوت ضد مثل هذه الخطوة، لأن الإقدام عليها قد يخلق اضطرباتٍ شعبية. وتدرس الحكومة فرض الرسوم والضرائب مثل الضريبة على الشركات لزيادة قاعدة إيراداتها. وقد يبدو فرض ضريبة على الدخل الشخصي خطوة بعيدة التطبيق، لأن من شأنها أن تقوّض العلاقة بين الدولة والمواطن التي تمثّل دول الخليج.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles