أمرت محكمة جنايات القاهرة بالقبض على خمسة من رجال الأعمال البارزين في 15 سبتمبر 2018 فيما يتعلق بقضية اختلاسٍ يعود تاريخها إلى عام 2012. ومن بين المعتقلين علاء وجمال مبارك، أبناء الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ويعتقد المعلقون أن ظهور جمال المتكرر على الساحة العامة لعب دوراً في الاعتقالات المفاجئة.
تم الإفراج عن المتهمين بكفالة في 20 سبتمبر، وحدد موعد الجلسة الأولى في 20 أكتوبر. واتهم الرجال بانتهاك قواعد سوق الأوراق المالية لتحقيق أرباح غير مشروعة تصل إلى 2 مليار جنيه مصري (111 مليون دولار) من خلال تعاملات أسهم البنك الوطني المصري.
ومن بين المعتقلين الآخرين عمرو القاضي، رئيس إدارة المخاطر في شركة القلعة للاستثمارات المالية؛ وحسن هيكل وياسر الملواني، الرئيسان السابقان لمجلس إدارة المجموعة المالية هيرمس القابضة.
ومن بين المتهمين الآخرين في القضية، أيمن فتحي سليمان، الرئيس السابق للبنك الوطني، وابنه أحمد نعيم بدر، المدير التنفيذي لشركة النعيم القابضة للاستثمار، وحسين الشربيني، المدير التنفيذي للشركة العربية الإفريقية للاستثمار.
منحت المحكمة المدعى عليهم خيار تسوية القضية مالياً وتجنب الحكم بالسجن، وذلك بحسب صحيفة البورصة المحلية المختصة بالأعمال. ويقال إن المتهمين منقسمون حول ما إذا كانوا سيقبلون بالتسوية أم لا. وجاءت هذه الاعتقالات بمثابة مفاجأة ذلك أن تقرير “لجنة خبراء” التي عينتها المحكمة قد أوصى بإسقاط معظم التهم في القضية.
وتكهنت بعض وسائل الإعلام بأن الاعتقالات ترتبط بالظهور المتكرر على الساحة العامة من قبل كل من علاء مبارك (57 عاماً) وجمال مبارك (54 عاماً) منذ أوائل عام 2017. وذكرت صحيفة سيدني هيرالد أن هذا الأمر أثار شائعاتٍ حول احتمال ترشح جمال للانتخابات الرئاسية عام 2018. وعلى الرغم من أن ذلك لم يحدث، واصل الأخوان مبارك العمل على بناء صورة عامة لهما، فعلى سبيل المثال، أصبح علاء أكثر نشاطاً على تويتر ويعلق بانتظام على الأخبار السياسية.
وقال أحد المحللين من المقاهرة لفَنَك شريطة عدم الكشف عن هويته، “بالتأكيد كان اعتقال الأخوين مرتبطٌ بالظهور الكبير لهما على الساحة العامة، وإلى الظهور العام واسع النطاق لأشخاص مقربين من آل مبارك.” وأضاف المحلل أن وجود علاء على وسائل التواصل الاجتماعي “يزعج” القيادة الحالية.
وبارتباطهم بعلاقات وثيقة مع نخبة رجال الأعمال، يرمز أبناء مبارك إلى نظام والدهم الفاسد في نظر الجمهور. فقد اعتُقلوا أول مرة بتهم عدة تتعلق بالفساد والكسب غير المشروع بعد الإطاحة بمبارك في عام 2011. وفي مايو 2014، حكم عليهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة اختلاس أموالٍ عامة بقيمة 125 مليون جنيه (7 ملايين دولار) فيما يعرف بقضية القصور الرئاسية. وتم إطلاق سراح الرجلين في أكتوبر 2015 بعد أن قضت المحكمة بأنهما أمضيا خلف القضبان المدة المحددة.
وفي 22 سبتمبر 2018، رفضت محكمة النقض طلباً من محامي الأخوين مبارك تسوية قضية القصور الرئاسية وإعادة حقوقهم السياسية. وبهذا الصدد قال المحلل، “يتمحور [الاعتقال] حول إرسال رسالة مفادها إما أن تشارك باللعبة وفقاً للقوانين الجديدة أو تبقى خارج اللعبة.”
فقد سبق وتم إرسال هذه الرسالة بطريقة غير مباشرة، ففي مايو، كتب ياسر رزق، رئيس جريدة أخبار اليوم المملوكة للدولة والمقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، مقالة رأي تفيد بأن السيسي سيترشح لولاية ثالثة- بما يخالف الدستور- عام 2022، وحذر جمال من السعي خلف أي طموحاتٍ سياسية.
وفي برنامجٍ حواري، ألقى رزق باللوم على جمال في اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حيث قال إنه لم يعاقب على “جرائمه السياسية،” واتهمه مرةً أخرى بأنه يمتلك طموحاتٍ رئاسية، وزعم أنه يجمعه اتفاقٌ مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. انتقد علاء هذه الاتهامات بشدة على توتير، ووصفها “بالسطحية وفقر في التحليل.”
كان لهذه الاعتقالات رفيعة المستوى تأثيرٌ كبير على سوق الأسهم المصري، الذي سجل أكبر انخفاض منذ يناير 2017 يوم الأحد التالي للاعتقالات، لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ فبراير 2018. فقد تأثرت المجموعة المالية هيرميس والقلعة القابضة بشكلٍ خاص، حيث تراجعت أسهمهم بنسبة 8,6% و6% على التوالي. وفي 19 سبتمبر، تراجع سوق الأسهم بشكلٍ أكبر، ليسجل أكبر انخفاض منذ منتصف عام 2016. يعتقد المحلل أن المتهمين الخمسة أطلق سراحهم بكفالة في اليوم التالي بسبب خسارة سوق الأسهم هذه.
إن مشكلة النظام الحالي مع عودة الشخصيات البارزة من نظام مبارك إلى الساحة العامة لها جذورٌ تاريخية. فقد أخبرنا تيموثي قلدس، الباحث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، في فَنَك إن “السنوات الأخيرة من حكم مبارك شهدت توسع السلطة السياسية لنخبة رجال الأعمال التي كانت مرتبطة بالنظام ولا سيما أبناءه جمال وعلاء… ومن المرجح أن الجيش لم يعجبه ذلك.”
وعلاوة على ذلك، فإن خطط جمال لخلافة والده كرئيس، وتغيير الجمهورية إلى نظام التوريث للأبناء، قوبلت برفضٍ شديد ويعتقد أنها كانت أحد العوامل المؤدية إلى ثورة 25 يناير.
وعلاوةً على ذلك، لم تكن القوات المسلحة، التي كانت منذ الإطاحة بالنظام الملكي عام 1952 لاعباً رئيسياً في السياسة المصرية، راضيةً عن جمال، كونه رجلٌ من خارج المنظومة العسكرية، وعن طموحاته الرئاسية.
من جهته، وصف الباحث جيس فيربوسين، من جامعة لا تروب في أستراليا، بالتفصيل الاستياء المتزايد للجيش نحو نظام مبارك في أطروحته التي نشرها عام 2018 وحملت عنوان ضعف مبارك، مبيناً كيف أن هذا النظام كان يُفضل على نحوٍ متزايد نخبة رجال الأعمال – أي المقربين من جمال وعلاء – وقوات الأمن، بينما يقوم بتهميش القوات المسلحة كقوةٍ سياسية. وكتب قائلاً “بمساعدة جمال مبارك، تربعت نخبة رجال الأعمال في قلب نظام مبارك، حيث التقت مصالحهم المشتركة وأدت إلى ظهور دولة مصر الفاسدة.”
فقد تقلصت الميزانية المخصصة للجيش بشكلٍ كبير في ظل حكم مبارك، من 19,5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1981 إلى 2,1% في عام 2010. ومن ناحيةٍ أخرى، ازداد حجم وميزانية الشرطة وأجهزة المخابرات، إذ كان تمثيل ضباط الشرطة أقوى بكثير في الحزب الوطني الديمقراطي التابع لمبارك من ضباط الجيش. وقال فيربوسن إن مبارك حول مصر فعلياً من “دولةٍ عسكرية إلى دولة بوليسية.”
أدى هذا في نهاية المطاف إلى تخلي الجيش عن مبارك عندما اندلعت الاحتجاجات ضد حكمه في عام 2011، بل شارك الجيش في الإطاحة به. وقال فيربوسن: “كانت فرصةً للتخلص من النظام الذي نسق السقوط المؤسسي للجيش، وذلك عملياً دون إطلاق رصاصةٍ واحدة.”
وتحت قيادة الرجل العسكري القوي، السيسي، استعاد الجيش موقعه المركزي في الدولة. فالعديد من المحافظين الجدد هم من العسكريين، كما ارتفعت واردات الأسلحة بشكلٍ كبير وتوسعت المصالح التجارية للجيش “بشكلٍ هائل،” على حد تعبير المحلل السابق. كما تصدرت مصر عناوين الصحف في السنوات الأخيرة بمشتريات عسكرية كبيرة ومكلفة، مثل الطائرات المقاتلة من طراز رافال من فرنسا والطائرات المقاتلة من طراز ميغ من روسيا.
وبحسب قلدس، “بالتأكيد، هناك الكثير من الأشخاص في الدائرة الداخلية للقيادة الحالية يعارضون محاولة عودة [أبناء مبارك] إلى الساحة العامة كممثلين سياسيين،” مضيفاً “ينبغي دوماً الأخذ بعين الاعتبار أن ادعاءات الفساد ضدهم ذات مصداقية.”
الأمر الأقل وضوحاً هو ما إذا كان أبناء مبارك ورجال الأعمال المقربين منهم يشكلون في الواقع تهديداً للقيادة الحالية. “على الأرجح لا،” هذا ما قاله المحلل، وتابع القول “ما الذي تبقى من جهاز المخابرات الموالي لمبارك؟”. ومع ذلك، يبدو أن هناك تهديداً متصوراً، نشأ عن السيسي الذي بات “مصاباً بجنون العظمة” بشكلٍ متزايد و”لا يثق بأحد بتاتاً” مع انخفاض شعبيته. فقد أظهرت حالاتٌ سابقة أن أي شخص لا يخضع بالكامل لمراقبة السيسى يعتبر تهديداً له، مع ظهور أمثلة واضحة على مرشحي الرئاسة الواعدين أمثال سامي عنان وأحمد شفيق.
ففي ظل هذا المناخ السياسي، باتت أصوات زمرة مبارك غير مرحبٍ بها.