وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تداعيات الأزمة السودانية على دول الجوار الجغرافي

خلقت الأزمة السودانية تأثير الدومينو على المستوى الإقليمي، مع تخوف دول الجوار من العواقب الوخيمة ما لم يتم حل الأزمة بشكل عاجل وفوري.

تداعيات الأزمة السودانية
صورة تم التقاطها يوم 4 مايو 2023 لموظفين يعملون في مكتب منظمة الهجرة الدولية بميتيما وهم يقومون بتسجيل اللاجئين الذين عبروا الحدود من السودان إلى إثيوبيا. المصدر: Amanuel Sileshi / AFP.

خالد محمود

تتحول الأزمة السودانية الراهنة بصورةٍ تدريجية إلى قنبلةٍ إقليمية موقوتة توشك على الانفجار. وتتحسب الدول السبعة المجاورة للسودان من المشكلات العسكرية والأمنية والاقتصادية المترتبة على النزاع الدائر في هذا البلد المنكوب.

وتشمل السيناريوهات المترتبة على هذا النزاع تصاعد المخاوف من مشاكل اللاجئين، وعمليات التهريب، وانتشار الجماعات المسلحة سواء الإجرامية أو المتطرفة.

ومع دخول الأزمة السودانية شهرها الثاني دون توقف، لا أحد بإمكانه ضمان مستقبل الدولة السودانية. ويبدو أن طرفي النزاع، وهما الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، سيواصلان خوض المعركة إلى نهايتها، دون اكتراث بكلفتها الاقتصادية والبشرية.

هواجس بالجملة

مسؤولون عرب ومصريون أعربوا لفنك عن مخاوفهم من التداعيات الإقليمية الخطيرة للحرب الدائرة في السودان. وإلى جانب جنوب السودان وكينيا، تنخرط جيبوتي في وساطةٍ ثلاثية تحت عباءة منظمة الإيغاد لحل الوضع الكارثي.

وقال وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف لفنك: “هناك إمكانية لنجاح وساطة الإيغاد”، إذا تم إبرام هدنة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

في المقابل، يرى مصدر مسؤول بالجامعة العربية، أن التناقضات العربية في ملف السودان تحول دون وجود موقف عربي واضح بشأن تحديد المسؤول عن إشعال الحرب وتحميله المسؤولية.

وقال المصدر الذي طلب عدم تعريفه لفنك: “العنصر المسكوت عنه فى هذه الأزمة هو تحديد المسؤول عنها وهل الجيش السوداني يواجه تمردا من قبل بعض قواته أم لا”. وأضاف: “الأزمة ليست معرّفة هكذا عربيا أو دوليا، بل إن التعريف السائد هو أنها صراع بين جنرالين، هما قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات التدخل السريع محمد حمدان دقلو المقلب بحميدتي. الدولة الوحيدة التي تعرّف الصراع على نحو صحيح هي مصر، لكنها لا تعبر عنه بشكل واضح”.

وبحسب نفس المصدر، فإن الجامعة العربية “لم تواجه هذا الوضع مثلا في اليمن أو ليبيا. في الحالة السودانية، لا تريد الدول العربية اتخاذ موقف ولا تنظر لهذا الصراع بوصفه تمردا من قوى مسلحة، بل تضعه في إطار الصراع على السلطة”.

في هذا الإطار، يبدو منطقيا تعويل دوائر عربية على دور الاتحاد الإفريقي، باعتبار أن لهذا الأخير ارتباطاً أكبر بالسودان ولخبرته الوافرة في التعامل مع مثل هذا النوع من النزاعات. ومع ذلك، لا يبدو الاتحاد الإفريقي أيضا قادرا على التدخل، في ظل اقتناع كلّ طرف بقدرته على الحل العسكري في وقتٍ سريع.

إطالة أمد الحرب قد تدفع باتجاه إبرام هدنة إذا ما أدرك البرهان وحميدتي عدم قدرتهما على الحسم. يأتي ذلك في الوقت الذي اعتبر فيه الباحث المصري عمرو عبد العاطي النزاع “حرباً ضد المنطق”، لأن هذا النزاع يجري في منطقةٍ باتت تشهد مؤخراً مصالحات وتسويات متعددة لإنهاء الحروب الداخلية والإقليمية.

عدوى الحرب

يرتبط السودان بجوار إقليمي معقد، أو ما يمكن اعتباره بتأثير الدومينو الإقليمي. وتتخوف دول الجوار السوداني من تعرّضها لانعكاساتٍ خطيرة ما لم يتم حل الأزمة بشكل عاجل وفوري.

الدبلوماسي المصري وعضو مجلس الشيوخ المصري عمرو حلمي يعتقد أن ما يشهده السودان قد لا يبقى بداخله. وبحسب حلمي، فإن تبعات النزاع ستصيب الغالبية العظمى من الدول التي لها حدود مباشرة مع السودان. ويشمل ذلك تفاقم تدفق اللاجئين، وتصاعد الإرهاب والأصولية والتطرف، وتزايد الصراعات الإثنية والعرقية.

ويرى الدبلوماسي المصري أن فرص المعاناة من تبعات النزاع ستزداد في الدول التي لا تزال تشهد حالة من عدم الاستقرار الداخلي، لا سيّما إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا.

وطبقا للمفوضية القومية للحدود السودانية، فإن لدى السودان 47 معبرا حدوديا مع دول الجوار، من خلال حدود يزيد طولها عن ثمانية آلاف كيلو متر.

ويرجح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مرسين التركية تونج دميرطاش أن تتسبّب الأزمة السودانية في موجات لجوء باتجاه مصر. وبحسب دميرطاش، فإن الاقتصاد المصري سيعاني من موجات اللجوء السودانية. ويرى الخبير التركي أن ليبيا سيكون لها نصيبٌ من أي موجات لجوء محتملة من السودان، مشدّداً على أن موجات اللجوء قد تشكل تهديدا لاستقرار تشاد أيضا.

ورغم ادعاء الناطق باسم الرئاسة المصرية أن لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة مسموعة وتؤخذ في الاعتبار لتسوية الصراعات الدولية، فقد استمرت الحرب السودانية من دون توقف. يأتي ذلك وسط تساؤلات حول قدرة مصر على التدخل، على غرار ما تفعله بشأن احتواء انفجار الوضع في قطاع غزّة.

وعلى هامش استقباله لوفدٍ من مجلس النواب الأمريكي، أكّد السيسي بذل القاهرة لأقصى جهد لدفع مسار الحوار السياسي السلمي في السودان ووقف إطلاق النار وحماية المدنيين من التداعيات الإنسانية للنزاع.

لكن الدور المصرى الناجح إلى حد كبير في غزة، يواجه الآن صعوبات بالجملة في السودان. ولعل أبرز تلك الصعوبات هو محاولة حميدتي تصوير القاهرة على أنها حليف للبرهان.

وفي تكرارٍ لرواية قوات الدعم السريع عن تعرضها لغارات شنتها مقاتلات أجنبية، زعم حميدتي أن قواته تعرضت لقصف من الطيران المصري.

وبرغم امتلاك كل عناصر الوجاهة في وساطتها لحل الأزمة الدائرة في السودان، ثمة معوّقات أبرزها تحاشي مصر التورّط ليصبح دورها مفقودا هناك.

ويلقي الخلاف التاريخي على حلايب وشلاتين بظلاله على الموقف المصري من النزاع الدائر في السودان. وكما هو معروف، فإن موقف البرهان تجاه هذه القضية كان متأرجحاً. ففي الوقت الذي جزم فيه بسودانية حلايب، فإنه شدّد على ضرورة ألا يكون هذا الملف شوكة في العلاقات الثنائية مع مصر.

لكن القاهرة، التي تتأهب للتعايش مع أزمة لاجئين فارين من الحرب السودانية على أراضيها، تعتبر أن هذا الملف بات “ترفا سياسيا في الوقت الحالي”، وفقا لمراقبين محليين تحدثوا إلى فنك.

شكاوى مصرية

تداعيات الأزمة السودانية
صورة مركبة لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان “يسار” وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”. المصدر: ASHRAF SHAZLY / AFP.

في مكالمة هاتفية مع القائم بأعمال وزير خارجية جنوب السودان دينغ داو دينغ، اشتكى وزير الخارجية المصري سامح شكري من كون مصر وجنوب السودان أكثر الدول تأثراً بالنزاع الجاري في السودان.

وبحسب ما كتبه عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية، فإن “الصراع السوداني سيكون في مصلحة إثيوبيا، لأنه سيحد كثيرا من المطالبات السودانية المستمرة بالتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم لإدارة وتشغيل سد النهضة”.

وترى الباحثة المصرية أمانى الطويل أن عدم الاستقرار في السودان مهددٌ كبير للقوة المصرية الشاملة، سيّما وأنه يرفع من مستوى التهديدات المائية والأمنية والاقتصادية.

في المقابل، قال الصحفي الإثيوبي إبراهيم أنور لفنك إن الوضع الحالي في السودان قد يضر بالمنطقة ككل وليس أحد ببعيد عنها. وأضاف أنور: “الوضع الحالي قد يتأزم أكثر من سابقه. ومع تواصل الصراع، قد نشاهد نزوحاً لدول الجوار. التحركات الإفريقية ضعيفة حتى الآن، والغربية تسعى لإجلاء رعاياها فقط لا غير ولا يهمهم المواطن السوداني الذي يعاني”.

وتوقع أنور أن تتحرك إثيوبيا لتلعب دوراً كبيراً في استضافة جلسات حوار، باعتبارها الأقرب للملف كما حدث في السابق. وفي هذا السياق، قال الصحفي الإثيوبي: “ارتباط إثيوبيا بالسودان وبالعديد من الملفات يجعلها متأثرة بصورة مباشرة بالصراع السوداني. وأي حراك وتطور قد يضر بها”. وكما هو معروف، فقد استضافات أديس أبابا الحوار بين المجلس العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير في 2020. وكانت نتائج ذلك الحوار إيجابية حينها.

تردٍّ إقليمي

السفير والمبعوث الأمريكي الخاص لدى ليبيا ريتشارد نورلاند أكد أن تردي الوضع الأمني الإقليمي – ومنه ما يحدث في السودان – يعطي أهمية لتشكيل جيش موحد بقيادة مدنية يكون قادراً على حماية السيادة والاستقرار الليبيين.

ودفعت حالة النزوح والتهجير القسري الجماعي للسكان المدنيين إلى إغلاق الحدود البرية بين ليبيا والسودان، بعدما حذر مجلس النواب الليبي، مما وصفه بتأثيرات كبيرة.

وينظر الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر للمسألة من زاوية ما تقوم جماعة الإخوان المسلمين من محاولات للتمسك بوجودها على الساحة العربية.

وقال مسؤولٌ عسكري بارز في قوات حفتر لفنك إن محاولات الإخوان للعودة لأماكنهم في تونس والسودان بدعم خارجي لن تتوقف. وحسب المسؤول، فإنه تم استقطاب حميدتي لأنه أحد الاحتمالات.

وأضاف: “السودان كان داعما كبيرا للإخوان في ليبيا حتى وصولهم إلى السلطة. كما كان داعما لهم في مصر. وبالتالي، فإن أي نجاح لهم في العودة لأي بقعة سيمثل نكسة للإسلام المعتدل الحقيقي وعودة مشروع أمريكا -أوباما، الذي افتقد القدرة على الاستمرار بعد مرحلة التمكين والسيطرة عبر ما يعرف بثورات الربيع العربي”.

وسعى البعض لتوريط المؤسسة الوطنية للنفط عبر اتهامها بدعم أحد أطراف الصراع في السودان عن طريق مصفاة السرير النفطية. بيد أن هذه المؤسسة نفت المزاعم، وأكدت أن لتلك المصفاة قدرة تكريرية محدودة.

وفي ظل التوازن العسكري بين الطرفين، فإن إطالة أمد الحرب بات السيناريو الأرجح. وعلى ذلك، خرج أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، ليؤكد أنّ بعض الدول العربية مهددة بفعل ما يجري في السودان. وفي هذا السياق، لفت أبو الغيط إلى ما تعيشه منطقة الساحل في غرب إفريقيا من حالة فقرٍ مدقع، وهو ما يجعلها من المناطق المصدّرة للجماعات الإرهابية والمرتزقة والأشخاص المستعدين للهجرة غير الشرعية.

ويعتبر الخوف من تدفق ملايين النازحين مع استمرار القتال، أهم ما يشغل بال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي. ويتحسّب ديبي للتداعيات الإنسانية المحتملة، تماماً كغيره من بقية رؤساء المنطقة.

وبحسب ما كتبه فولاهامني آينا، الزميل المشارك في معهد رويال يونايتد سيرفسز لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، فإن إغلاق الحدود مع السودان قد لا يمنع من تحرك ما وصفته “عش الدبابير في المنطقة الكبرى”. وعلى ذلك، يرى آينا أن هناك احتمالاً قوياً بأن يكون للحرب تأثير الدومينو عبر حوض تشاد والساحل المضطرب بالفعل.