بعد خمسة أيامٍ على محاولة الإنقلاب التي هزّت تركيا في 15 يوليو 2016، أدانت غالبية القوى العالمية الحادثة. ومع ذلك، تباطأ العديد في التعبير عن إدانتهم، وعندما فعلوا ذلك، كان رد فعلهم يشوبه غالباً الفتور، مما يُشير إلى تنامي العزلة السياسية للرئيس رجب طيب أردوغان.
ففي ليلة الجمعة، وخلال أول ساعتين على محاولة الإنقلاب، كان من الصعب معرفة اتجاه تطور الأمور. فلم يكن أحدٌ يعرف أين يمكن العثور على أردوغان وأعضاء حكومته، كما كانت وحدات جيش الإنقلابيين المدعومة بطائرات الإف-16 والمروحيات المقاتلة تتقدم دون أي رادعٍ تقريباً في اسطنبول. وعندما ظهر الرئيس أخيراً، كان ذلك عبر تطبيق “فايس تايم” على هاتف الأي فون الخاص بمذيعة أخبار قناة سي أن أن تركيا أثناء بثٍ تلفزيوني مباشر: بدا وحيداً وضعيفاً.
وعلاوة على ذلك، كانت ردود الفعل مربكة، فالتصريحات الأوروبية والأمريكية وصفت الأمر بـ”الحدث الكبير،” ودعت إلى عودة السلام وحذرت مواطنيها بتوخي الحيطة والحذر، غير أنه لم يكن هناك إدانة واضحة للإنقلاب العسكري الذي كان يتم بكل وضوح. فعلى سبيل المثال، رد الفعل الأول عن الحكومة الأمريكية، أشار إلى قيام انتفاضة وليس انقلاباً، وبالتالي تجنبت أي إدانة.
كما أنّ العديد من الشبكات الإخبارية المعروفة بعدائها لتوجه أردوغان الموالي لجماعة الإخوان المسلمين، مثل سكاي نيوز عربية، وسي أن أن، والعربية، ذكروا أن الإنقلاب ناجح. فسكاي نيوز العربية تموّل إلى حدٍ كبير من قِبل الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة، بينما يتم تمويل العربية من المملكة العربية السعودية.
أما وسائل الإعلام المصرية المؤيدية لنظام السيسي السُلطوي، والتي بدورها تناهض حكومة أردوغان، كانت تُشجع نجاح الإنقلاب علناً لدرجة إلى أن الصحف الصادرة يوم السبت حملت عناوين مثل “أردوغان يفر من البلاد،” و”الجيش التركي يعلن تولي السُلطة في أنقرة،” بل حتى أنّ مصر تعمدت عرقلة بيانٍ في مجلس الأمن الدولي يُدين محاولة الإنقلاب، وهي خطوة انتقدتها وزارة الخارجية التركية بشدة في وقتٍ لاحق.
وفي الوقت نفسه، غطت شبكة الجزيرة الإخبارية، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع العائلة المالكة القطرية، وأحد مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة، الأحداث بحذر وأوضحت بصريح العبارة أنها لن تدعم الانقلاب العكسري. موقفٌ مماثل تجلى في الصحف الرئيسية على شبكة الانترنت مثل هافينغتون بوست عربي وعربي 21، التي تبقى أيضاً من المقربين إلى الدائرة القطرية الرسمية.
جاءت أول إدانة صريحة للأحداث الجارية من قطر، التي لا يخفى على أحدٍ العلاقات التي تربطها بتركيا، فقطر تستضيف القاعدة العسكرية التركية الوحيدة في الخارج. فضلاً عن ذلك، فإن الأسرة الحاكمة القطرية وحكومة أردوغان من حزب العدالة والتنمية حلفاء في تعاملهما مع الربيع العربي، وشكلا معاً جبهة موحدة لمعارضة مناهضي سياسات الإخوان المسلمين في كلٍ من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على الأقل قبل اعتلاء الملك السعودي سلمان للعرش في يناير من عام 2015.
وفي وقتٍ متأخر من ليلة الجمعة، أكدّت الحكومة المغربية، التي يتزعم رئيس وزرائها حزباً إسلامياً وبالتالي يتعاطف مع حزب العدالة والتنمية، أنّ المغرب يقف مع المؤسسات الديمقراطية في تركيا. فعلى صعيدٍ متصل، ليس غريباً على المغرب محاولات الجيش المماثلة للاستيلاء على السُلطة.
وعلى نحوٍ استثنائي، امتنعت تونس، التي يضم ائتلافها الحاكم إسلاميين، عن التعليق على الأحداث حتى ظهر يوم السبت. ومع ذلك، فقد سارعت الأحزاب التي تولت السُلطة في تونس بين عامي 2012 و2014 (حزب النهضة الإسلامي وحراك تونس الإرادة العلماني) إلى إدانة محاولة الإنقلاب وإظهار تأيديها لأردوغان.
فقد كان يُنظر إلى تونس بين عامي 2012 و2014 باعتبارها تابعاً للتحالف التركي – القطري، حيث تلقت مئات الملايين من الدولارات على شكل مساعداتٍ وقروضا من حكومة أردوغان. ومع ذلك، تعطلت علاقاتها مع تركيا بعد انتخابات عام 2014، التي فاز بها حزب نداء تونس العلماني، والتعليقات التي أدلى بها وزير خارجيتها في عام 2015 التي اتهم فيها تركيا برعاية الإرهاب.
أما التأييد غير المتوقع فجاء من إيران، بلدٌ على خلافٍ مع تركيا بشأن العراق وسوريا، الذي عُبر عنه بدايةً على موقع تويتر في ليلة الجمعة ومن ثم عبر التصريحات الرسمية الصادرة عن وزير الخارجية ورئيس البلاد.
وروسيا، التي أسقِطت مقاتلتها بنيرانٍ تركية في سوريا عام 2015 مما وضع البلدين على طرفي نقيض، لم تصل إلى حد شجب محاولة الإنقلاب. وذكر تصريح صحفي “أن موسكو “قلقة للغاية” إزاء تطورات الأحداث التركية، حيث أن المعلومات الواردة لم تتح حتى الآن إمكانية لبلورة تحديد واضح لما يحدث في هذا البلد، مع التركيز على ضمان أمن المواطنين الروس.” وعلى الرغم من أن أردوغان أقال رئيس وزرائه المؤيد للتدخل في شؤون دولةٍ أخرى، أحمد داود أوغلو، وطلب من رئيس وزرائه الجديد بن علي يلدرم تطبيع العلاقات مع موسكو في أواخر يونيو 2016، إلا أن العلاقات بين البلدين لا تزال بعيدةً بعض الشيء عن وصفها بالعلاقات الودية.
وفي تلك الليلة، دعت الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، اللذان تعتبران تركيا عضواً مهماً فيهما، إلى الهدوء والاستقرار دون إبداء أي رأي آخر. وحتى منتصف الليل أصدرت ألمانيا أول رسالة واضحة من الغرب، تحث فيها على احترام المؤسسات الديمقراطية في تركيا. تلاه بعد ذلك تصريح رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، فيديريكا موغيريني. وعندها فقط أعربت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وغيرهم من الدول عن دعمهم الكامل لـ”الديمقراطية في تركيا.” فيما انتظرت المملكة العربية السعودية إلى اليوم التالي، عندما استعاد أردوغان السيطرة بشكلٍ واضح، لتعرب عن دعمها. أما اسرائيل، التي استرضاها أردوغان في يونيو 2016 بعد خلافٍ امتد لست سنوات في أعقاب الغارة الاسرائيلية على أسطول الحرية الذي كان يتجه لكسر الحصار عن غزة في عام 2010 وأسفرت عن مقتل تسعة نشطاء أتراك، استغرقها الأمر 15 ساعة للتأكيد على “احترامها للعملية الديمقراطية في تركيا.” وبحلول ذلك الوقت، كان واضحاً فشل الإنقلاب.
وفي غضون ذلك الوقت، كانت المكالمات الهاتفية بين زعماء العالم والقيادة التركية محدودة، تماماً كما كان حال الزيارات الرسمية إلى تركيا وإلى السفارات التركية.
وعلى النقيض من ردود الفعل الحذرة التي رافقت محاولة الانقلاب بين يومي الجمعة والسبت، كان رد الفعل على “رد فعل أردوغان العنيف” اللاحق للإنقلاب أكثر قساوة ومباشرةً في صلب الموضوع. فمع بدء عملية التطهير وتهديد القيادة التركية بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام وسط عنف الجماهير، انتقد الأوروبيون والأمريكيون إجراءات أردوغان بصريح العبارة، وحذروا من أن ذلك سيُعرض طلب تركيا بالإنضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي إلى الخطر. كما ترددت بعض التعليقات المماثلة حول عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي.
رد الفعل المتواني الذي يتسم بالفتور من المجتمع الدولي على محاولة الإنقلاب، ووابل الانتقادات الذي أعقب حملة فرض النظام واسعة النطاق، جعل الرئيس أردوغان وأتباعه مرتابون بشكلٍ كبير من مؤامرة عالمية محتملة ضد نظامه. ومع إقالة عشرات الآلاف من الأفراد من المؤسسات العامة التركية، يبدو أن البلاد باتت أكثر عزلةً من أي وقتٍ مضى.