اليوم، تُعيد الإمارات العربية المتحدة، التي كانت يوماً ما تعتمد على القوة الناعمة، تشكيل الشرق الأوسط وما حوله. فولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، الذي يُشار إليه عادةً بالأحرف الأولى من اسمه، مبز، من يضع جدول الأعمال.
وعلى الرغم من كون محمد بن زايد المسؤول عن اتخاذ القرارات منذ سنوات، إلا أنه كان يخطو خطواته بحذرٍ شديد كي لا يزعج الرئيس الصوري لدولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة أبو ظبي، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. ومع ذلك، تغير نهج محمد بن زايد الحذر بعد أشهرٍ فحسب من تعرّض آل نهيان لسكتةٍ دماغية في يناير 2014.
ومنذ ذلك الحين، رفّع محمد بن زايد أفراد من عائلته ودائرته المقربين ليحتلوا مناصب اقتصادية وأمنية رئيسية، ليبسطوا سيطرتهم الكاملة بشكلٍ فعّالٍ على البلاد ورؤيتها للمنطقة.
تتمثل مخاوف محمد بن زايد الرئيسية بالحدّ من تأثير إيران والقضاء على جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي صنفتها الإمارات العربية المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية في نوفمبر 2014.
وعلى صعيدٍ متصل، يرتبط الموقف الإماراتي المعادي تجاه قطر ارتباطًا وثيقًا بالهدف الثاني لمحمد بن زايد. وبحسب مهران كامرافا، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورجتاون في قطر، فإن كلا البلدين ضد منح الحريات السياسية والمدنية لمواطنيها، بيد أن قطر تتعاون مع الإسلاميين وتدعمهم، بينما اختارت دولة الإمارات اتخاذ إجراءاتٍ صارمة ضد المتعاطفين مع الإخوان.
أدى هذا الاختلاف إلى ظهور منافسة شديدة بين البلدين، الأمر الذي أثار استياء أميركا. فقد اشتعل التوتر بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة بعد أن قال مسؤولون في الاستخبارات الأمريكية إن دولة الإمارات العربية المتحدة اخترقت الموقع الإلكتروني للحكومة القطرية ليبدو وكأن قطر تشيد بإيران وحزب الله وحماس وإسرائيل. وفرت هذه الخطوة ذريعةً لدولة الإمارات العربية المتحدة لحشد حلفائها في المملكة العربية السعودية ومصر والبحرين لحصار قطر “لتأييدها” علناً أعداء مجلس التعاون الخليجي الرئيسيين.
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض أقحِم في لعب دور الوسيط، بشكلٍ غير مريح، بين حلفائه الخليجيين، إلا أن المصالح الأمريكية والإماراتية ظلت منسجمةً بشكلٍ وثيق عندما يتعلق الأمر بمعظم القضايا الأخرى في المنطقة. ومع ذلك، تخضع هذه العلاقة للاختبار اليوم في ظل السياسة الخارجية المستقلة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ليبيا أيضاً مجرد واحدةٍ من أسباب الخلافات. فقد دعمت الإمارات العربية المتحدة الرجل القوي خليفة حفتر، الذي أعلن جهاراً عن نيته تطهير ليبيا من الإسلاميين. ففي ظل إدارة أوباما، اعتقد المسؤولون الأمريكيون أن سياسات الإمارات العربية المتحدة تقوض جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة في هذا البلد الممزق. وقال مسؤولٌ أميركي سابق رفيع المستوى لصحيفة واشنطن بوست: “إن خطر إنشاء قدرة عسكرية مستقلة هو أن تخلق قدرة عسكرية مستقلة.” وأضاف “من الرائع أن يكون لنا شريكٌ في الإمارات العربية المتحدة، إلا أنه لا تتوافق آراؤنا دوماً.”
أما فيما يتعلق بقضايا أخرى، فكلا البلدين يجمعهما انسجام كامل. فعلى سبيل المثال، الإمارات العربية المتحدة حليفٌ أساسي في التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة والذي تقوده السعودية في اليمن. هدف التحالف هو طرد المتمردين الحوثيين، الذين يتلقون الدعم بشكلٍ متزايد من إيران، من العاصمة اليمنية صنعاء وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً.
وعلاوةً على ذلك، تتعاون الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة أيضاً في شنّ حملةٍ لمكافحة التمرد ضد تنظيم القاعدة في جنوب اليمن. فقد كشف تحقيق أجرته وكالة أسوشيتيد برس عام 2017 أن الإمارات كانت تحتجز المشتبه بهم في سجونٍ سرية حيث يتفشى التعذيب وسوء المعاملة. وقال أحد شهود العيان لـوكالة أسوشيتيد برس إنه يُقال أن القوات الأمريكية كانت موجودةً في واحدٍ على الأقل من هذه المرافق.
ويشير رايان غودمان، وهو مسؤولٌ سابق في البنتاغون ويدرّس القانون اليوم في جامعة نيويورك، إلى أن الولايات المتحدة قد تكون متواطئة في جرائم حربٍ بسبب تعاونها الوثيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن.
فقد كتب غودمان وأليكس مورهد، أستاذ القانون في جامعة كولومبيا: “ينبغي أن يكون الكشف عن إساءة معاملة المعتقلين في الإمارات العربية المتحدة مثيراً للقلق بالنسبة للولايات المتحدة والمؤيدين الدوليين الآخرين على وجه الخصوص.” وأضافا، “كما أنه يزيد من المخاطر القانونية على الحكومات، ومسؤوليها شخصياً، ويورط الولايات المتحدة في مجموعة من الممارسات الضارة وغير المنتجة التي تهدد بإبعاد السكان اليمنيين المحليين.”
كما تدعم الإمارات العربية المتحدة الانفصاليين الجنوبيين في اليمن الذين يشتبكون مع القوات المدعومة من السعودية، كما دعمت في السابق مقاتلين ضد حزب الإصلاح، وهو فرع الإخوان المسلمين في اليمن واللاعب الرئيسي الآخر في حرب السعودية ضد الحوثيين.
وعلى الرغم من تزايد المصالح المتضاربة مع الولايات المتحدة، يؤكد المسؤولون الإماراتيون أن بلادهم تشكل قوةً للاستقرار في الشرق الأوسط. فهذا هو الخط الذي رسمه سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي أصبح مقرباً من صنّاع السياسة الأمريكيين في إدارة ترمب، بمن فيهم صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر.
وقال العتيبة لصحيفة الواشنطن بوست: “الأمر يتعلق بالجغرافيا والتهديدات التي نشأنا عليها منذ اليوم الأول،” مدافعاً عن الأجندة العدوانية لدولة الإمارات والقدرات العسكرية الناشئة في المنطقة.
امتدت حملة الإمارات العربية المتحدة ضد التوسع الإيراني الملموس والإسلاميين السياسيين إلى القرن الإفريقي، حيث تتنافس الإمارات العربية المتحدة أمام قطر على العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والتجارية. فقد تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من تحقيق نفوذٍ كبير في جيبوتي، وجمهورية أرض الصومال المعلنة ذاتياً، بالإضافة إلى منطقة بونت لاند الصومالية. ومع ذلك، بات يبدو إصلاح علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة مع جيبوتي أمراً متعذراً بعد إلغاء الأخيرة عقداً لمدة 30 عاماً كانت قد أبرمته مع شركة شحنٍ في دبي في فبراير 2018. وكان من المفترض أن يسمح العقد للشركة بإدارة منشأة حاويات رئيسية تقع على طول البحر الأحمر وخليج عدن.
وإلى جانب المصالح التجارية التي تسعى إليها في القرن الإفريقي، تقوم الإمارات أيضاً بإنشاء قواعد عسكرية لمساعدتها في عملياتها في اليمن وموازنة التوسع الإيراني. ولكن تُخاطر هذه المشاركة المتنامية بتعميق الانقسامات القائمة وإشعال الصراعات في المنطقة. ويحذر تيموثي ويليامز، المحلل في مركز الفكر البريطاني المعني بالقضايا الأمنية- المعهد الملكي للخدمات المتحدة- ومقره لندن، بالتحديد من أن التعاون العسكري بين الإمارات وإريتريا يمكن أن يفسد العلاقة الهشة بالفعل بين إثيوبيا والسودان. ولا يبدو أن ذلك يهم الإماراتيين، المعنيون بشكلٍ أكبر بالتفوق على نفوذ قطر وإيران بأي ثمن.