مات ناشد
عينت الإمارات العربية المتحدة محمد محمود الخاجة كأول سفير لها في إسرائيل منذ توقيع البلدين على اتفاقات إبراهيم لإقامة علاقاتٍ رسمية بين البلدين في 15 سبتمبر 2020. وعليه، يُمثل الخاجة، البالغ من العمر 40 عاماً، كيف تفضل الإمارات تصوير نفسها: بلدٌ فتيّ وأنيق وحداثي.
وُلد الخاجة ونشأ في أبو ظبي وهو أب لأربعة أطفال، فضلاً عن كونه حاصل على شهادة في العلوم السياسية من جامعة نورث إيسترن في بوسطن وماجستير في إدارة الطاقة من جامعة فيينا للاقتصاد والأعمال.
في عام 2010، تم تعيينه مديراً لمكتب الوزير في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، وبحسب ما ذكرته صحيفة “ذا ناشيونال” اليومية الإماراتية المدعومة من الدولة أن الخاجة شغل عدداً من المناصب الرئيسية في الوزارة، إذ كان عضواً في مجلسي الشؤون السياسية واللجنة الدبلوماسية ورئيس لجنة الميزانية.
وعليه، ستخدم خبرته في الشؤون الخارجية والاقتصاد إسرائيل على أكمل وجه، ذلك أنها عضوٌ في منتدى خط أنابيب الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط. فقد تم تصميم هذا المشروع لنقل الغاز الطبيعي من مجموعة من البلدان في الشرق الأوسط إلى دولٍ أوروبية. وبصفتها مستورداً كبيراً للغاز الطبيعي، انضمت الإمارات إلى المنتدى كمراقب على أمل الاستفادة من التحالف متعدد الأطراف.
ومع ذلك، تكمن قيمة الخاجة الحقيقية في قدرته على تطوير الدعاية الإماراتية المتوافقة، إذ بدأ بالفعل بإضفاء بعض الإيجابية على القرار الإماراتي المثير للجدل لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
فقد سبق وغرّد على تويتر بالقول: ” تشرفت باستقبال 22 ألف متابع خلال 48 ساعة. هذا يبعث برسالة قوية نحو إقامة علاقات اعتيادية على ضوء الاتفاق الإبراهيمي للسلام بين الإمارات وإسرائيل. نحن بحاجة إلى مزيد من الحوار، والمعرفة، والمشاركة. نحن نبني سلاماً دافئاً. شكراً لكم على هذا الترحيب في #تويتر. شبات شالوم.”
ومن الجدير بالذكر أن الرأي العام العربي يعترض بالغالب على إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل إلى أن يتم إيجاد حلٍ عادل للصراع الفلسطيني، بيد أن أبو ظبي وتل أبيب تحاولان التخفيف من الانتقادات من خلال سفيريهما.
من جهته، قال نظير الخاجة، إيتان نائيه، لصحيفة الخليج تايمز مؤخراً إن الإسرائيليين في الإمارات العربية المتحدة سيحتفلون بالعام اليهودي الجديد لأشجار الفاكهة المعروف بالعبرية بـ”تو بشفاط” أو عيد الشجرة، في حين أكد أمير دبي الشيخ محمد بن راشد أن مهمة الخاجة هي تعزيز الصداقة الجديدة لدولة الإمارات مع إسرائيل بما يعزز “السلام والتعايش والتسامح.”
ويعدّ التسامح الديني الموضوع الأساسي لأنشطة القوة الناعمة في الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وعلى نطاق أوسع، يصف البلدان نفسيهما على أنهما منارات نادرة للتقدم في منطقة متخلفة. حتى أن صحيفة جيروزاليم بوست تصف الإمارات وإسرائيل بأنهما “مرتكزات الاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب.”
ومع ذلك، لا يعتبر هذا لسان حال الجميع، إذ تواصل إسرائيل وحلفاؤها الخليجيون الجدد دفع الفلسطينيين للإذعان، بينما يؤدي تدخل الإمارات إلى تفاقم الصراع والمظالم في ليبيا واليمن.
أما الأمر الأقل إثارةً للجدل فهو أن التجارة والسياحة ستشهدان ارتفاعاً حاداً بمجرد انتهاء الوباء واستئناف السفر العالمي بكامل طاقته. فقد أشادت صحيفة جيروزاليم بوست بالخلفية التجارية للسفير الخاجة على أمل أن يتمكن من تعزيز الشراكات الإسرائيلية مع المبتكرين في الإمارات العربية المتحدة.
ويبدو أن هذا هو أحد مهام الخاجة الأساسية، فمن أولى المبادرات التي شاركها على تويتر كانت الشراكة الأكاديمية بين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي ومعهد وايزمان للعلوم، إذ يهدف التعاون إلى تعزيز البحوث المشتركة والتدريب والمؤتمرات وبرامج تبادل الطلاب.
وهنا يجدر القول إن الدبلوماسية الإماراتية أثبتت أن دولةً صغيرة يمكن أن يكون لها تأثيرٌ كبير على الشؤون العالمية، فسفير الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، خير مثالٍ على ذلك. فقد شكل روابط قوية مع الإدارات المتنافسة في البيت الأبيض، بينما كان يمول معظم مراكز الأبحاث الكبرى في واشنطن، ذلك أن هدفه الوحيد يتمثل في المساعدة في تشكيل نظرة أمريكا إلى الشرق الأوسط. واليوم، تعوّل الإمارات العربية المتحدة على الخاجة ليكون له تأثيرٌ مماثل على إسرائيل.
وفي تغريدةٍ للعتيبة قال فيها “سيكون محمد نصيراً رائعاً للاتفاق الإبراهيمي- لعمليات التبادل بين الشعبين، والتجارة والاستثمار، والسلام الإقليمي والاستقرار.”
وعلى صعيدٍ متصل، رحب مسؤولون سابقون في إدارة ترمب، التي توسطت في اتفاقات إبراهيم، بتعيين الخاجة كدليلٍ على ما يعتقدون أنه تتويجٌ لإنجازهم في الشرق الأوسط.
“من الصعب التعبير عن الفرحة التي يمنحها هذا لي وللفريق – بقيادة الرئيس ترمب وجاريد كوشنر – الذي عمل على اتفاقات إبراهيم،” غرد آفي بيركوفيتز، مساعد سابق لترمب، على تويتر.
وصل الخاجة إلى إسرائيل في أول زيارة له في الأول من مارس 2021، حيث قدم أوراق اعتماده إلى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين والتقى برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ومن الجدير بالذكر أن هذه الزيارة تتزامن مع عزم المحكمة الجنائية الدولية البحث في طريقةٍ للتحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد انتقدت إسرائيل المحكمة الجنائية الدولية، مدعيةً أن المحكمة لا اختصاص لها هناك، بينما تعهد رئيس الوزراء “بيبي” بمحاربة “تحريف العدالة،” بالرغم من مواصلته منع وصول اللقاحات إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.
فإسرائيل ملزمةٌ بموجب القانون الدولي بتوفير اللقاح لأولئك الذين يعيشون تحت احتلالها، ومع ذلك، تعهدت بتقديم 5000 لقاح إضافي فحسب للفلسطينيين، وفي الوقت نفسه، ترسل إسرائيل آلاف اللقاحات إلى حلفائها في جميع أنحاء العالم. من جهتها، لم تعلق الإمارات على الجدل القائم وبدلاً من ذلك، يمتدح الخاجة إسرائيل ويعزز صورتها.
وكما قال في تغريدةٍ له “دولة الإمارات ودولة إسرائيل تتصدران العالم في برامج اللقاحات ضد #كوفيد_19. نحن نتعلم من بعضنا البعض ونتشارك هذه المعرفة مع العالم. هذا ما يجلبه السلام. الإمارات وإسرائيل: متحدون في إنقاذ الأرواح وإنهاء كوفيد-19، وعودة فتح اقتصاد بلدينا بأمان.”