وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المناورات السياسية تقوّض محادثات السلام الليبية

Libya peace talks
ليبيون يرددون هتافات خلال مظاهرة في ساحة الشهداء في طرابلس في 24 أغسطس 2020 بسبب ضعف الخدمات العامة. Photo: AFP

By: Mat Nashed

اتفقت الإدارات الليبية المتنافسة على تعيين سياسيين في مناصب رئيسية في الحكومة المقبلة على أساس التمثيل الإقليمي ونظام الحصص (الكوتا)، حيث تم التوصل إلى توافقٍ في مدينة بوزنيقة في المغرب بعد أسبوعين فحسب من إعلان الجانبين وقفاً مفاجئاً لإطلاق النار في 22 أغسطس 2020.

ضمت المحادثات في المغرب خمسة ممثلين عن حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس وخمسة آخرين من مجلس النواب ومقره مدينة طبرق الشرقية، حيث اتفق الممثلون من كلا الكيانين السياسيين على الاجتماع مرة أخرى في نهاية سبتمبر 2020 “لضمان تنفيذ وتفعيل” الاتفاقية.

تمحورت أكثر القضايا الخلافية بين الجانبين حول من منهما سيرأس البنك المركزي الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط والقوات المسلحة، إذ يعدّ الكيانان الأولان سالفا الذكر المؤسستان الوحيدتان العاملتان في ليبيا والمسؤولتان عن توليد وتوزيع ثروات البلاد، في حين تبرز أهمية القوات المسلحة في التخلص من الميليشيات والعصابات الإجرامية التي حكمت ليبيا منذ الإطاحة بالديكتاتور السابق معمر القذافي ومقتله عام 2011.

كما جرت محادثات موازية تدعمها الأمم المتحدة في مونترو بسويسرا بين السابع والتاسع من سبتمبر الجاري، والتي أسفرت عن قائمة من التوصيات للمساعدة في توحيد البلاد. فقد تمثل أحد إجماع الآراء على ضرورة تقليص المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني من تسعة إلى ثلاثة أعضاء، إلى جانب ضرورة تعاون مجلس النواب والمجلس الرئاسي في ترشيح الأفراد لمناصب المؤسسات السيادية. وفي حال تم تنفيذ هذه الإجراءات، يمكن أن تنتهي الأزمة السياسية وتتوحد البلاد.

ومن الجدير بالذكر أن الجنرال المارق خليفة حفتر، قائد القوات المسلحة الليبية المزعومة، كان قد سبق وقوّض محاولاتٍ سابقة لإيجاد حلٍ سياسي وهو ما يُفسر استبعاده من محادثات المغرب وسويسرا. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الجنرال المارق كان قد تعرض لسلسةٍ من الهزائم المذلة هذا العام مما أضر بنفوذه محلياً وعلى الصعيد العالمي وعلى وجه الخصوص، دفعت محاولة حفتر الفاشلة للاستيلاء على العاصمة طرابلس اثنين من داعميه الأجانب- الإمارات ومصر – إلى تهميشه مؤقتاً لصالح رئيس البرلمان عقيلة صالح.

لكن مع تقدم المحادثات في المدن الأجنبية، تستمر المظالم في التصاعد في ليبيا بسبب تدهور مستويات المعيشة والفساد، بل إن انقطاع التيار الكهربائي المتواصل ونقص الوقود والأزمة المصرفية هو إلى حدٍ كبير نتيجة اختلاس الدولة والحصار النفطي الذي فرضته قوات حفتر منذ يناير. فقد أجبرت هذه القضايا العديد من الليبيين على التظاهر في طرابلس بعد وقف إطلاق النار، حيث فرضت حكومة الوفاق الوطني إغلاقاً شاملاً بزعم الحد من انتشار فيروس كورونا، الذي كان يُنظر إليه إلى حدٍ كبير باعتباره ذريعة لكبح جماح الاحتجاجات مما أدى إلى تفاقم الغضب.

وعليه، ردت الجماعات المسلحة المساندة لحكومة الوفاق الوطني على هذا الغضب الشعبي بإطلاق الرصاص الحي واختطاف المحتجين، إذ دفع العنف الذي اندلع في طرابلس السراج إلى إيقاف وزير الداخلية فتحي باشاغا عن العمل، إلا أن باشاغا، الذي يعتبر شخصيةً مؤثرة من مدينة مصراتة الساحلية، استأنف عودته إلى منصبه في الرابع من سبتمبر 2020. وبعد أيامٍ فحسب، أعلن السراج في خطاب تلفزيوني مسجل مسبقاً أنه سيستقيل في نهاية أكتوبر لإفساح المجال أمام حكومة جديدة لتقاسم السلطة.

وتعليقاً على الأخبار، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تدخل عسكرياً لحماية حكومة الوفاق الوطني من قوات حفتر في وقتٍ سابق من هذا العام، عن قلقه بشأن مستقبل حكومة الوفاق الوطني، كما قال مسؤول تركي لرويترز إن أنقرة تفضل بقاء السراج في منصبه.

وأوضح المسؤول التركي: “إذا لم يستمر السراج في منصبه، فهناك بعض الأسماء التي تشارك في العمليات ويمكنها دفع حكومة الوفاق الوطني إلى الأمام. هذه، بالطبع، قضايا ليبيا الخاصة، لكن تركيا قد تقدم بعض الدعم.”

في حين قال الخبير في الشأن الليبي عماد بادي، وهو زميل أقدم في المجلس الأطلسي، لوكالة بلومبرج إن إعلان السراج “يفتح حكومة الوفاق الوطني داخلياً أمام الخصومات حول من سيتولى السلطة ومن سيمثل غرب ليبيا في محادثات جنيف.”

في غضون ذلك، حاول حفتر الاحتفاظ ببعض النفوذ في الشرق وسط احتجاجاتٍ على تدهور مستويات المعيشة في بنغازي، حيث ادعى خلال الاحتجاجات أنه لن يسمح للإسلاميين أو أعضاء جماعة الإخوان المسلمين – وهي التسمية التي يستخدمها كثيراً للتشهير بمنافسيه – باختطاف مظالم الناس. فقد كانت الاضطرابات موجهة في الغالب ضد السياسيين، مما دفع رئيس وزراء الحكومة الشرقية، عبد الله الثني، إلى تقديم استقالته إلى مجلس النواب في 14 سبتمبر 2020.

وبعد أيام، توصل نجل حفتر إلى اتفاقٍ مع نائب رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق في سوتشي بروسيا، حيث اتفق الطرفان على استئناف تصدير النفط لمدة شهر. واعتبر معسكر حفتر الاتفاق بمثابة تسوية غاية في الأهمية، لكن بالنسبة لمؤيدي حكومة الوفاق الوطني، تساءل الكثيرون عما يحققه الاتفاق سوى دفع رواتب قوات حفتر وتجديد أهمية الجنرال.

أما الأمر الأكثر إثارة للقلق فهو أن الاتفاقية تجاوزت السراج، الذي غالباً ما يكون على خلافٍ مع معيتيق. وكما هو متوقع، لم يصادق السراج على الاتفاقية، كما قال شهود عيان أيضاً إن أقارب متمردي حكومة الوفاق أجبروا معيتيق على إلغاء مؤتمر صحفي في مسقط رأسه مدينة مصراتة.

من جهتها، قالت المؤسسة الوطنية للنفط إنها لن تدعم أي اتفاقٍ ما لم يسحب حفتر قواته من الحقول النفطية. في البداية، لم يلتفت حفتر ولا معيتيق إلى مطالب المؤسسة الوطنية للنفط، بل اكتفى كلٌ منهما بالقول إن توزيع الثروة النفطية سيكون تحت إشراف لجنة مستقلة تتشاور بين الإدارات المتنافسة من أجل دفع الرواتب ومعالجة الدين العام المتصاعد.

وعلى الرغم من الاعتراض الأولي للمؤسسة الوطنية للنفط، إلا أنها أعلنت في 18 سبتمبر 2020 أن المنشآت النفطية المؤمنة هي الوحيدة التي ستستأنف عملياتها. وأضافت في بيان على صفحتها على فيسبوك السبت الماضي، استمرار حالة القوة القاهرة في حقول النفط التي تتواجد فيها قوات حفتر – بما في ذلك مرتزقة تابعون لشركة الأمن الروسية الخاصة فاغنر.

كلّف الحصار النفطي ليبيا حوالي 9 مليارات دولار من الإيرادات المفقودة هذا العام وحده، مما دفع بعثة الأمم المتحدة في ليبيا للتعبير عن “الحاجة الملحة لرفع الحصار النفطي” والعودة إلى “عملية سياسية شاملة،” إلا أن جمع اللاعبين في ليبيا على طاولة حوارٍ واحد قولٌ أسهل من الفعل.