جاستن صالحاني
أعادت فرنسا انتخاب الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون يوم 24 إبريل لفترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات حتى يستأنف خلالها سياسته الخارجية، ويوسع نفوذ فرنسا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويقول الخبراء إن بإمكان ماكرون فعل المزيد لدعم الجهات الديمقراطية في المنطقة مع هذا التفويض الجديد من الفرنسيين.
وكان ماكرون قد أعلن في البداية اعتزامه التركيز على ملف حقوق الإنسان في سياسة بلاده تجاه المنطقة. لكنه سرعان ما نكث بوعده ضاربَا به عرض الحائط، فكثّف تعاونه مع الديكتاتوريات والمستبدين. فخلال فترته الرئاسية الأولى، سعت فرنسا لبيع الأسلحة إلى السعودية وعقدت صفقة أسلحة بمقدار 18 مليار دولار مع الإمارات، والدولتان الخليجيتان متورطتان في اتهامات متكررة بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في اليمن. كما وصف ماكرون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالديكتاتور في البداية قبل أن يمنحه وسام جوقة الشرف، أرفع وسام فرنسي.
وقال الدكتور حميد بوزارسلان عميد كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية لفنك: “لفرنسا حضور مهم في مصر لأسباب تاريخية. ونرى أوضاع حقوق الإنسان هناك في حالة مأساوية”.
وسوف تتجلى هذه الحالة لماكرون بوضوح بعد وصول الناشط المصري الفلسطيني رامي شعث إلى فرنسا عقب قضائه 900 يوم في الحبس الاحتياطي وإجباره على التنازل عن جنسيته المصرية حتى يُطلق سراحه ويلحق بزوجته الى فرنسا.
ورغم أن سياسة ماكرون في الشرق الأوسط غير صائبة، فإن بوزارسلان يرى أنه ليس خطأه وحده، بل يشاركه فيه حلفاؤه الأوروبيون الذين قد يساعدونه على دعم الحركات البديلة أو الديمقراطية أو الثورية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقال بوزارسلان: “تناقضات ماكرون ليست مقتصرة على شخصه أو سياسة فرنسا فقط، بل تشمل الاتحاد الأوروبي كذلك، فليس لسياسته تأثير على الشرق الأوسط، فهو بلا سياسة خارجية رغم أنه قوة اقتصادية في غاية الأهمية”.
ولم تكن تطلعات ماكرون للمنطقة تلقى ترحيبًا كبيرًا من المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في وقتها، ويبدو أن ذلك مستمر مع خليفتها أولاف شولتز. كما اضطُر ماكرون إلى مواكبة تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بقيادة بوريس جونسون، فضلًا عن الاضطراب العالمي الذي سببته إدارة ترامب، لسنوات عديدة.
ورغم هذه التحديات، تمكّن ماكرون من تحقيق تقدم ملحوظ في عدة ملفات في الشرق الأوسط. فقد كان أول رئيس فرنسي يعترف بأن ماضي بلاده الاستعماري جريمة ضد الإنسانية، ويجري تحقيقًا في تاريخ بلاده في الجزائر، بما في ذلك الحرب الجزائرية، رغم وصف النقاد التقرير الصادر عنه بأنه “لتبرئة فرنسا“.
وقال بوزارسلان: “لقد ذهب ماكرون في ما خصّ فرنسا، وتحديدًا تاريخها الاستعماري، أبعد من أي رئيس سابق.
كما أِظهر ماكرون إمكانية قيادة التدخل الإنساني في سوريا، والتصدي لإفلات نظام الرئيس السوري بشار الأسد من العقاب لاستخدامه الأسلحة الكيميائية” بحسب هيومن رايتس ووتش.
وبدت تطلعاته تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البداية تقدمية، وهادفة إلى توثيق روابط ملموسة، لا سيما مع الدول التي كانت جزءًا من إمبراطورية فرنسا العالمية، لكنه تراجع إلى السياسة المألوفة مع مضي فترته الرئاسية.
وقال الدكتور زياد ماجد، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية في باريس، في حوار سابق مع فنك قبيل جولة الإعادة إن فرنسا “رجعت إلى الأسلوب التقليدي تجاه الشرق الأوسط الذي يفضّل الاستقرار على مواكبة الديناميكيات السياسية والاجتماعية ودراسة تطلعات المجتمعات التي يعبّر عنها الفاعلون السياسيون المعارضون”.
في هذا الصدد، بإمكان ماكرون فعل الكثير لإظهار حسن النية تجاه المنطقة وملف حقوق الإنسان فيها. وأحد الأمثلة التي ساقها بوزارسلان هنا كان “اليمن”، إذ شن التحالف الذي تقوده السعودية أكثر من 800 غارة جوية منذ مارس 2015، وفقاً لمنظمة يمنية لحقوق الإنسان. كما ذكرت صحيفة الغارديان في ديسمبر 2021 أن السعودية ضغطت على المسؤولين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتصويت ضد تمديد مشروع تحقيق مستقل في جرائم حرب محتملة في اليمن.
وقال بوزارسلان: “لم تدن فرنسا التدخل السعودي والإماراتي في اليمن، لكن بالنظر إلى مكانتها الرمزية فبإمكانها فعل الكثير للمنطقة، وعلاوة على ذلك، إذا دعت الاتحاد الأوروبي لمشاركتها”.
ومن المستبعد أن تتغير سياسة ماكرون أو أساليبه تجاه المنطقة مع بداية فترته الثانية. لكن إذا كان تعامله مع الديكتاتوريات والمجموعات المعادية للديموقراطية قد يفيد فرنسا على المدى القصير، فإنه سيستحوذ على تطلعات شعوب المنطقة وآمالها إذا أقنع الجهات الإقليمية باحترام حقوق الإنسان. وقد يكون عليه من جهة أخرى الاستعانة بشركاء أوروبيين لتحقيق أهدافه.
وقال بوزارسلان: “في دولة صغيرة كفرنسا ذات قوة متوسطة، لا يمكن أن تكون سياستك الخارجية مستقلة وناجعة تمامًا سواء تجاه الشرق الأوسط أو أي منطقة أخرى. عليها الاصطفاف مع السياسة الخارجية الأمريكية أو أن تكون للاتحاد الأوروبي رؤيته الخاصة”.
ومما لا شك فيه أن رؤية ماكرون أقرب إلى بايدن منها إلى ترامب، لكنه قد يستفيد من الحلفاء الأوروبيين لتحقيق تطلعاته الإقليمية. أما شعوب الشرق الأوسط فواجبه تجاههم أن يستخدم سلطته للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية بدل توثيق روابطه مع الديكتاتوريات.