وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الشعب اليمني يعاني بينما العالم يدير ظهره له

الشعب اليمني
الأطفال اليمنيون يحملون الماء في مركز امدادات في صنعاء, اليمن, 16 أبريل 2015. Photo Corbis

“ليس هناك من ضوء في آخر النفق في اليمن، بل ليس هناك نفق أصلا. فاليمن يعيش في قبر مظلم حفره اليمنيون بمساعدة السعودية.” هكذا وصف المدون هيكل بافانا على صفحته في الفيسبوك. وقد يكون تقييم الوضع في اليمن في شهر تموز من عام 2015 دقيقا رغم مأساوية الوصف.

فقد فشلت محادثات السلام التي عقدت في جنيف في حزيران حتى من قبل أن تبدأ. أما الحكومة اليمنية شبه الشرعية والتي تدعمها الأمم المتحدة في المنفى فقد شاركت في تلك المحادثات لا للتفاوض بل لإجبار المتمردين الحوثيين على الامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يدين الحرب ويطالب “جميع الأطراف اليمنية ولا سيما الحوثيين” بوقف أعمال العنف في البلاد. ولم يحضر الحوثيون تلك المحادثات لأنهم لا يرون أية مصلحة استراتيجية فيها. إلا أنه قد تجر أقدامهم إلى ما هو أبعد باعتبارهم إحدى الأطراف القوية في الصراع الدائر منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

وقد احتل الحوثيون مساحات أكبر في اليمن من تلك التي كانت تحت سيطرتهم قبل بدء قصف قوات التحالف بقيادة السعودية في شهر آذار الماضي؛ كما قصفوا بشكل متواصل قرى ومواقع عسكرية على الحدود مع السعودية. وعلى الرغم من تهديدات حكومة الرياض بارسال قوات برية، لم تطأ أقدام الجنود السعوديين الأراضي اليمنية إلى الآن.

أما وقف إطلاق النار لدواع إنسانية فقد فشل هو الآخر. حيث بدأ تنفيذ وقف إطلاق النار يوم العاشر من تموز وكان من المقرر أن يستمر حتى نهاية شهر رمضان، بيد أنه تم خرقه في صباح اليوم التالي. وتبادل الطرفان اللوم لعدم احترام اتفاقية وقف إطلاق النار، إلا أنه يصعب أن نحدد أي الطرفين على حق دون وجود تقارير دقيقة على أرض الواقع. ويعلق المدون بافانا قائلا: “هلا أوقفنا تلك الهدنة؟ فالأجواء تبدو أكثر هدوءا قبل التوصل إلى الهدنة.”

ولم يتبق لليمنيين الكثير سوى الفكاهة السوداء. فمن ينجو منهم من القذائف السعودية وصواريخ الحوثيين المضادة للطائرات يعاني الأمرين بسبب التشرد أو الانقطاع شبه الدائم للكهرباء والمياه والوقود والأدوية. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية في اليمن بشكل كبير، حيث يعزى ذلك جزئيا إلى الحصار البحري والجوي الذي تفرضه السعودية على اليمن.

وحسب المحلل السياسي عبد الغني العرياني، فإن “السعودية تتحمل مسؤولة جزئية لما يحصل في اليمن. فهي في بداية الحملة العسكرية لم تسمح للناقلات البحرية بدخول الموانئ اليمنية. ثم جاء الحوثيون ليزيدوا الأمر سوءا بقصفهم لمصفاة البترول في الميناء الرئيسي بعدن. إلا أن السعودية توفر الجزء الأكبر من احتياجات اليمن من الوقود مجانا، لذلك من الصعب أن نحكم على السعودية بهذه القساوة “.

وأشيع بأن الحوثيين يفرضون ضريبة حرب على السلع المتداولة. تعليقا على ذلك، يقول العرياني: “هذه ضريبة غير شرعية وابتزاز غير مقبول ووسيلة ملتوية لضمان تمويل المقاتلين. أما مبالغ الضريبة المفروضة يحددها القادة الميدانيين”.

ينظر البعض إلى ضريبة الحرب كدليل على أن الإيرانيين لا يدعمون الحوثيين ماليا، حسب الاعتقاد السائد عند المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج الأخرى. فإيران حتى الآن لم تقدم أي شكل من أشكال المساعدة للحوثيين أو الشعب اليمني عموما.

في الواقع، لم يهب أحد لنجدة الشعب اليمني، حتى أن منظمات الإغاثة رغم محاولاتها لا تستطيع تحسين الوضع بشكل كبير خلال سويعات وقف إطلاق النار ولصعوبة إيصال المساعدات للمحتاجين بدلا من اللجوء إلى السوق السوداء.

ولا يبدو المجتمع الدولي جادا في ممارسة الضغط على المملكة العربية السعودية لانهاء الصراع. حيث يعتقد الكثير من اليمنيين أن النفط بالنسبة للغرب أكثر أهمية من حياة اليمنيين. ومن التناقضات كذلك اعتقاد اليمنيين بأن التدخل الأجنبي في شؤونهم الداخلية في المقام الأول هو سبب كل الفوضى الراهنة في اليمن. ولسان حال اليمنيين يقول “اتركونا وشأننا فنحن أقدر على حل مشاكلنا لوحدنا،” مع أنه من غير المؤكد بأن اليمنيين قادرون على حل تلك المشاكل. فالمسألة ليست مجرد مواجهة مباشرة بين المملكة العربية السعودية واليمن الموحد. ففي داخل اليمن هناك انقسامات عميقة موجودة منذ سنوات، إن لم يكن عشرات السنين.

اليمن أكثر انقسامًا

والبلاد مقسمة بين الشمال والجنوب وبين حزب الإصلاح الاسلامي السني والمؤتمر الشعبي العام الحاكم، إضافة إلى انقسامات داخل تلك الأحزاب أنفسها. وهناك كراهية صريحة بين يمن الجنوب والحوثيين وبين حزب الإصلاح والحوثيين وبين بعض قبائل الشمال القوية والحوثيين.

ولا يتمتع أي من الفصائل المتحاربة بالأغلبية. فهناك الكثير من الأشخاص ممن لديه الكثير من المصالح المتضاربة في اليمن، كما أن هناك أيضا الكثير من السلاح، وهو ما تسبب في الكثير من الأضرار المادية والجسدية والنفسية. ثم جاء التدخل العسكري السعودي ليزيد الأمور سوءا وتعقيدا.

الأحداث الجارية في عدن، خصوصا بعد أن استعاد التحالف بقيادة السعودية مطار عدن والعديد من المناطق التي كان يسيطر عليها الحوثيون- قد تمثل حالة اختبار. ففي الجنوب هناك احتفال على نطاق واسع بهذا التطور، ليس حبا في عودة الرئيس المنفي عبد ربه منصور هادي بل اعتقادا بأن هذا التطور قد يمهد لإنشاء دولة الجنوب.

ولكن هل يريد السعوديون حقا وجود دولة مستقلة في الجنوب أم أنهم يأملون من خلال اعادة السيطرة على عدن بجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات؟ علينا أن نترقب شكل ردة فعل الحوثيين وإذا ما كان تقسيم البلاد – إن قدر لها أن تقسم في النهاية – سينجح في تحقيق الاستقرار.

هناك أسئلة أخرى لم تتم الإجابة عنها بعد. فمن سيدير الجنوب مثلا؟ هل هي حكومة هادي الضعيفة؟ وهل سيقبل الجنوبيون ذلك، وهم الذين طالما نظروا إلى هادي بصفته العدو اللدود بسبب دوره في الحرب الأهلية عام 1994 بين الشمال والجنوب؟ ومما زاد الأمور تعقيدا رفع علم تنظيم القاعدة مؤخرا في شوارع عدن.

وإلى من ستؤول القيادة في الشمال؟ فمن غير المرجح أن يتمكن الحوثيون من إدارة دولة في اليمن. وهل سيقبل خصوم الحوثيين أن تتولى الجماعة القيادة في الشمال؟ وهل سيقبل السعوديون بوجود نظام حكم معاد لهم على الحدود في الجنوب؟ حتى حلفاء الحوثيين من وحدات الجيش اليمني الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ستجد صعوبة في تقبل وجود أية دولة بقيادة الحوثيين.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles