عقدت مصر أول “مؤتمرٍ وطني للشباب” في شهر أكتوبر 2016 في شرم الشيخ، بعيداً عن اضطرابات القاهرة المحتملة، بحضور 3 آلاف شاب والعديد من المسؤولين السياسيين والدينيين رفيعي المستوى، بما في ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي.
فقد كان المؤتمر جزءاً من “عام الشباب” في مصر، الذي أعلنه السيسي بداية عام 2016، بهدف إشراك الشباب في الحياة العامة وتمكينهم.
آنذاك، وعد السيسي بتخصيص 200 مليار جنيه (11,7 مليار دولار) على شكل قروضٍ للشباب ومشاريع الإسكان الاجتماعي. وفي ضوء ذلك، كان من المفترض تشكيل لجانٍ لمراجعة وتطوير المناهج التعليمية في البلاد. لم تظهر بعد أي نتائج ملموسة لهذه التدابير.
تتجلى مشكلة مشاركة الشباب في مصر في الانتخابات البرلمانية لعام 2015، حيث كان الإقبال ضعيفاً بشكلٍ عام (26,5% و30% في المرحلتين الأولى والثانية على التوالي)، فيما كانت نسب مشاركة الشباب من الفئة العمرية ما بين 18 إلى 30 عاماً أقل (21% و18%)، وذلك وفقاً للمركز المصري لبحوث الرأي العام، بصيرة.
فقد كُتب الكثير عن مشاعر الحرمان في مصر، المنبثقةُ على سبيل المثال من ارتفاع مستويات البطالة بشكلٍ كبير بين الشباب، إذ أن ما نسبته 27% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 دون عمل، وذلك وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري (CAPMAS).
ويُظهر استطلاعٌ آخر للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري (CAPMAS) أجريّ عام 2013 أنّ أكبر فئة عُمرية من المهاجرين المصرين في الوقت الراهن هي من تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 29 عاماً، مما يشكل تقريباً رُبع إجمالي من يغادرون البلاد، إذ يُعتبر تحسين مستوى المعيشة على رأس قائمة أسباب الهجرة. تتجه الغالبية العظمى من المهاجرين إلى دول الخليج أو ليبيا، وغالباً ما يعودون بعد بضع سنوات. كما أظهرت الدراسة أيضاً أن حوالي 70% من المهاجرين يرسلون الأموال لأسرهم في مصر، التي تنفقها بشكلٍ أساسي لتغطية الاحتياجات اليومية مثل المواد الغذائية والملابس، والفواتير الطبية والتعليمية.
كما أقرّ مدير الإعلامات ورسام الكاركتير، حامد أسامة (30 عاماً)، بالتحديات التي تواجه الشباب في مصر، حيث ذكر البطالة والبيروقراطية باعتبارها الأكثر إلحاحاً.
فقد أخبرنا انه يعمل في القطاع الخاص دون عقدٍ أو أي منافع اجتماعية وبراتبٍ منخفض، وهو بالكاد ما يكفي لتغطية النفقات الشهرية مثل الإيجار، ناهيك عن إعالة الأسرة.
وإلى جانب زوجته، أنشأ مجلة فكاهية خاصةً به أسماها “لميس” إلا أنه واجه عملية طويلة وشاقة من خلال بيروقراطية الدولة لتسجيل شكرته الخاصة.
كما أخبرنا أسامة في نوفمبر 2016 في لقاءٍ معه أن الزواج في مصر أحد التعقيدات التي يواجهها الشباب. فوفقاً للتقاليد، على الرجل شراء شقة ليعيش فيها الزوجان. أسامة، المتزوج من ثلاث سنوات، لم يستطع تحمّل مصاريف شراء شقة، إلا أنه كان محظوظاً لإيجاد وسيلة للتحايل على التقاليد واستئجار مكانٍ للسكن.
ومع ذلك، لا يعد هذا خياراً وارداً بالنسبة للشباب المصريين من أسرٍ أكثر تقليدية، إذ يخلق هذا جماعاتٍ من الشباب التواقين إلى المضي قدماً بحياتهم، إلا أنهم لا يتمكنون من ذلك بسبب الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية.
يُفكر أسامة دوماً بـ”اتخاذ خطواتٍ،” ويقصد بذلك تكوين أسرة، إلا أنّ الغموض في العمل، إذ يمكن أن يُفصل من عمله في أي وقتٍ، تقلقه.
كما لا يعتقد أن مؤتمر الشباب سيغير شيئاً، فهو “لم يسمع بأي حلول.”
ويقول “يشبه هذا الكلام القديم الذي سمعناه طوال حياتنا.”
ويُضيف “قبل خمس سنواتٍ كنت متفائلاً، معتقداً أن بالإمكان تحقيق ما تريد إذا ما آمنت به. ولكن مع مرور الوقت، يزداد التشاؤم.”
قلقٌ آخر يرافق الشباب هو حملة الحكومة على المعارضين السياسيين، وهم في الغالب من الشباب المصريين الذين لا زالوا يعقدون آمالاً كبيرة على ثورة 25 يناير 2011.
فقد قاطعت عدة أحزاب سياسية، مثل حزب الدستور، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، المؤتمر. وقد صرّح اتحاد شباب الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أن لديه “تحفظات قوية بشأن ما أطلق عليه [عام الشباب]، الذي شهد اعتقال عشرات الشباب بتهم الاحتجاج والتعبير عن آرائهم.”
وإلى جانب ذلك، تم إطلاق عريضة على الإنترنت للشباب للتعبير عن رفضهم للمؤتمر. وقال منظمو العريضة أن سلسلة من الأحداث لمعالجة قضايا الشباب لم تؤدي إلى أي تغيير، مما يجعل العملية برمتها باطلة.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلن مجموعة من الشباب المصريين بما في ذلك نشطاء بارزين، مثل الأديبة والروائية والمحللة السياسية أهداف سويف، عن مؤتمرهم الخاص الافتراضي للشباب على موقع تويتر، مستخدمين وسم #Where_Have_All_the_Young_Ones_Gone؟ # الشباب_فين. وأعربوا عن انتقادهم للنظام على عددٍ من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك العدد الكبير من الشباب في السجون، وأولئك الذين يحاولون مغادرة مصر من خلال الهجرة غير الشرعية، ونقص السكر في الآونة الأخيرة في البلاد. كما تصدر وسم #WhyWeShouldHaveAnotherRevolution ليه_ثوره_من_تاني أيضاً قائمة التداول.
كما كتب الناشط السياسي وائل سكندر على صفحته على تويتر “بوجود حوالي 60 ألف في السجون، غالبيتهم من الشباب، يعتبر مؤتمر السيسي للشباب مهزلة.”
كما نشرت سويف مجموعة من الصور لشباب أصيبوا أو قتلوا خلال السنوات الماضية على أيدي السلطات أو يقبعون حالياً خلف القضبان.
من جهةٍ أخرى، رحبت أحزاب أخرى، مؤيدة للنظام، مثل حزب الوفد وحزب المصريين الأحرار بالمؤتمر.
وتُشير الأرقام أن المصريين بسيطي الحال باتوا يتجهون على نحوٍ متزايد إلى الهجرة غير الشرعية. ففي سبتمبر الماضي، غرق قاربٌ يحمل 600 مهاجر في الساحل الشمالي في مصر بالقرب من ساحل رشيد. ومن بين الـ42 جثة التي تم انتشالها والـ400 شخص الذين فقدوا، كانت غالبيتهم من الشباب المصريين. ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة (IOM)، وصل 1815 مصري إلى إيطاليا عن طريق البحر ما بين يناير ومايو 2016، بزيادة كبيرة من 238 مهاجراً في الفترة نفسها من العام السابق. ومن الجدير ذكره أن غالبية المهاجرين ممن هم أقل من 18 عاماً.
وأشارت المنظمة الدولية للهجرة أنّ الدافع الرئيسي للهجرة غير الشرعية بالنسبة للمصريين هو عدم وجود فرص عمل. وفي بيان صحفي، قال رئيس مكتب المنظمة الدولية للهجرة في مصر، عمرو طه: “النمو الاقتصادي في مصر غير كافٍ لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة مما دفع الشباب إلى البحث عن فرصٍ للعمل في الخارج. كما أن ارتفاع معدلات المواليد، أكثر من أربعة في المناطق الريفية، سيؤدى إلى زيادة فى أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل لسنوات عديدة قادمة.” فقد ازداد عدد سكان مصر مليون نسمة في ستة أشهر عام 2016، ليصلوا إلى 96 مليون نسمة.
ولا يبدو أن هذا الواقع قد وصل إلى مسامع ذوي المناصب الحكومية رفيعة المستوى. فقد رد وزير القوى العاملة، محمد سعفان، على مأساة رشيد بقوله أن “مصر تمتلك العديد من الوظائف في القطاع الخاص وأن البلاد بحاجة للشعب لبنائها عوضاً عن الهجرة.”
ونفى أيضاً المتحدث السابق باسم مجلس الوزراء، حسام قاويش، أن تكون الظروف الاقتصادية ما يدفع الناس إلى الهجرة، مشيراً إلى المبالغ الطائلة من الأموال التي يتم دفعها للمهربين للمضي قدماً بالرحلة نحو أوروبا.
وخلال كلمةٍ له في المؤتمر، عبر الرئيس السيسي عن مشاعر مماثلة، قائلاً أنه يرغب في تحسين التعليم إن أمكنه ذلك، إلا أن المصريين لن يكونوا قادرين على دفع ثمنه.
وأضاف أن الحكومة تفتقر إلى الموارد اللازمة لوضع التعليم العالي على جدول الأعمال، كما أنها تواجه قضايا أكثر إلحاحاً مثل ارتفاع معدلات البطالة، والأحياء الفقيرة والنمو السكاني. وأشارت كلماته أن تحسين نظام التعليم لا يُنظر إليه باعتباره مفتاحاً لحل هذه القضايا.
كما يعكس هذا نهج الحكومة في مؤتمر للشباب، الذي تم تنظيمه لإظهار أن النظام يأخذ قضايا الشباب على محمل الجد، لكنه فشل في تزويد النقاد بالأجوبة المناسبة، وتحول إلى الإنكار أو تحميل المسؤولية للآخرين بدلاً من ذلك. وإلى أن يتم تعديل هذا الموقف، لن يُغير مؤتمر الشباب مشاعر الحرمان التي يعاني منها الشباب المصري.