في منتصف القرن العشرين، كانت مصر مقصداً مفضلاً لدى الشباب الذين يسعون للحصول على التعليم. فقد كان الطلاب يسافرون من عشرات الدول المجاور والدول ذات الأغلبية المسلمة من أجل متابعة تعليمهم العالي في جامعة القاهرة أو الأزهر الشريف، وهي أقدم جامعة في العالم.
ومع ذلك، تغيرت هذه الصورة تماماً منذ الثمانينات. فقد تسبب تزايد عدد السكان والإصلاحات القليلة للنظام التعليمي إلى الوقوع في حالة من الفوضى أدت إلى اكتظاظ المدارس والجامعات بأعداد كبيرة جداً فضلاً عن نقص التمويل، مما أنتج، على المدى الطويل، خريجين يفتقرون إلى متطلبات سوق العمل الحديث.
ولذلك، وفي أعقاب الانتفاضة الشعبية عام 2011 التي أطاحت بالدكتاتور الذي تربع على العرش لفترة طويلة من الزمن، حسني مبارك، كان هناك دعوات على نطاقٍ واسع لإصلاح التعليم لحل العديد من مشاكل الدولة المزدحمة بالفعل بالسكان. وبعد فترة وجيزة من تنحي مبارك من السُلطة، كان هناك دعوات لزيادة ميزانية التعليم، وإصلاح المناهج التي عفا عليها الزمن في المدارس، ورفع أجور المعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات، وتحرير الجامعات من قبضة الأجهزة الأمنية.
وبعد قرابة الخمس سنوات، لم يطرأ سوى القليل من التغيير على النظام التعليمي، الذي لا يزال يعاني على الرغم من بعض المكاسب التي تحققت.
التعليم الابتدائي مجاني وإلزامي في مصر منذ الصف الأول وحتى الصف التاسع، ومن ثم يستطيع الطلاب مواصلة تعليمهم الثانوي للحصول على الشهادة التي تؤهلهم للتعليم الجامعي. يلتحق معظم الطلاب في المدارس الحكومية و23 جامعة حكومية في البلاد، وهي مجانية لجميع الطلاب المصريين. وفي عام 2012، التحق حوالي 13% من الطلاب في الجامعات الخاصة، التي أصبحت مكلفة على نحوٍ متزايد، حيث يُفضل العديد من طلاب الأسر الميسورة الحال الانخراط في أحد الجامعات الـ19 الخاصة في البلاد أو مؤسسات التعليم العالي الخاصة البالغ عددها 81 مؤسسة.
وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية السائدة في البلاد منذ عام 2011، إلا أنه كان هناك زيادة كبيرة، وإن كانت تدريجية، في الإنفاق العام على التعليم. ففي ميزانية عام 2015-2016، ازداد الإنفاق على التعليم بنسبة 75% عن قيّم عام 2011، إلى 99 مليار جنيه مصري (12,3 مليار دولار). وهذا يعني أن الزيادة تبلغ حوالي 11,5% من إجمالي الإنفاق وحوالي 3,5% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يعدّ أقل من معظم الدول العربية المجاورة. ومع ذلك، تذهب معظم هذه الأموال، كرواتب للمعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات المعروفين بانخفاض رواتبهم. بالمتوسط، يبلغ راتب المعلم ما بين 800-1500 جنيه مصري، أي ما يقرب 100 إلى 190 دولاراً.
إصلاح المدارس
لا يزال التعليم في مصر غارقاً بالتلقين، بدلاً من تشجيع التفكير الحر والعلمي. ويُتوقع من الطلاب تلقي وحفظ المعلومات وتذكرها خلال الاختبارات التي تحدد الكُليات المؤهلين لدخولها وفقاً لنتائجهم. وتحتوي بعض الفصول طلاباً تتجاوز أعدادهم في بعض الأحيان الـ70 طالب، مما يجعل من المستحيل على المعلمين تلبية احتياجات جميع الطلاب. فضلاً عن ذلك، تفتقر العديد من المدارس إلى المعدات الأساسية وأجهزة الحاسوب والمختبرات.
وفيما يرتاد أطفال الأسر الميسورة الحال المدارس الخاصة، إلا إن معظم الطلاب، حتى أولئك في المدارس الحكومية المجانية، يضطرون إلى أخذ دروسٍ خصوصية في فترة ما بعد الظهر أو في الفترة المسائية لأن التعليم المتوفر في المدارس ضعيف جداً بحيث أن نجاح الطلاب ليس مضموناً.
أدى ضعف التعليم في المدارس إلى خلق نظام تعليمي غير رسمي موازٍ قائم على الدروس الخصوصية، الذي يستنزف جزءاً كبيراً من الدخل السنوي للأسر. وغالباً ما تجد المقاعد الدراسية فارغة، إذ تُفضل الأسر عوضاً عن ذلك إعطاء أبنائها وبناتها دروساً خصوصية، على أمل أن يتم قبولهم في جامعات أفضل والتحاقهم بالكليات التي يختارونها. ووفقاً لتقرير بي بي سي بالعربية، تنفق الأسر المصرية نحو 20 مليار جنيه مصري سنوياً على الدروس الخصوصية.
وقد أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي التركيز على تحسين التعليم، وأعلنت حكومته السابقة خطة طموحة لتحسين التعليم تمتد حتى عام 2030. ويشمل هذا تقديم وجباتٍ في المدارس الحكومية، والقضاء على الأميّة، وتقليل عدد الطلاب في كل صف، والحد من التسرب من المدارس. كما وعدت الوزارة أيضاً بوضع خطط لإعادة تقييم جميع الكتب والمناهج، وأعلنت أنها بالفعل قد غيّرت 30% من تلك المواد التعليمية للعام الدراسي 2014-2015.
إصلاح الجامعات
بعد ثورة عام 2011، حصد طلاب الجامعات وأعضاء الهيئات التدريسية العديد من المكاسب المتمثلة في تعزيز الديمقراطية في الجامعات وحمايتهم من تدخل الشرطة. فقد أنهى حكم من المحكمة، بعد الإطاحة بحسني مبارك، ثلاثين عاماً من وجود الشرطة في الجامعات المصرية ومنعهم من دخول الحرم الجامعي. وكان هذا موضع ترحيب من قبل معظم الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، إلا أنّ البعض عبر عن آسفه بسبب الفجوة الأمنية التي تركها هذا الأمر، مما أدى إلى زيادة العنف في الجامعات.
أدت أيضاً الاحتجاجات من قِبل كلٍ من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس إلى تغيير الممارسة الشائعة منذ فترةٍ طويلة التي تقتضي تعيين رئيس مصر رؤساء الجامعات وعمداء الكُليات، بعد التشاور مع أمن الدولة ووزارة التعليم. تم استبدال هذا بنظام يتم بموجبه انتخاب القيادات الجامعية. ولكن، كان لهذا النظام عيوبه، تحت طائلة تأثر هذه الانتخابات بالشعبية أو الوعود، بدلاً من أن يتم اختيارهم حسب الجدارة. ومع ذلك، رحب معظم أعضاء هيئة التدريس بالتغيير الذي زاد من استقلال الجامعات.
تغير هذا بعد الإنقلاب العسكري المدعوم شعبياً والذي أطاح بأول رئيس مصري منتخب بحرية، محمد مرسي، في يوليو 2013. فقد شهد تواصل موجات العنف داخل الجامعات، إلى جانب الاحتجاجات شبه اليومية لأنصار الرئيس المخلوع، عودة الشرطة إلى الحرم الجامعي لعرقلة الاحتجاجات ضد النظام، والتي غالباً ما اتسمت بالعنف. ومن ثم، في أواخر يونيو 2014، أصدر الرئيس المعيّن حديثاً، السيسي، مرسوماً رئاسياً يُبطل الانتخابات الجامعية ويعلن العودة إلى التعيينات من قِبل الرئيس والحكومة.
“يشبه هذا السير خطوة إلى الأمام والرجوع خطوطتين إلى الوراء،” قال طالب جامعي في جامعة القاهرة فضّل عدم ذكر اسمه. “حققنا بعض المكاسب في جامعاتنا، إلا أننا رأينا تقريباً تراجعها جميعاً، حيث بتنا نرى اليوم الأمن القومي يتدخل في الجامعة أكثر من أي وقتٍ مضى.”
وفي أواخر عام 2014، شكّل الرئيس المجلس الاستشاري للتعليم والبحث العلمي، المُكلف بالخروج بأساليب شاملة لإصلاح التعليم الجامعي ومعالجة أوجه القصور فيها. أحد أولى الاقتراحات التي قدمّها المجلس قد تؤدي إلى إنهاء حقبة التعليم المجاني. فقد أعلن طارق شوقي، رئيس المجلس، عن نظام مُقترح، يتأهل بموجبه طلاب الجامعات للحصول على إعفاءٍ من الرسوم الدراسية في حال حافظ على متوسط درجات يصل إلى نحو 70%. وفي حال انخفضت الدرجات عن ذلك، يتوجب على الطلاب دفع جزء من الرسوم الدراسية، أما أولئك الذين يرسبون، فعليهم دفع الرسوم الدراسية كاملة في العام التالي.
وفي حين رحب العديد من عمداء الجامعات بالنظام الجديد، إلا أنه تعرض لمعارضة شديدة من قِبل العديد من المجموعات التعليمية، إذ ستكون هذه المرة الأولى التي تُثار فيها الشكوك حول النظام التعليمي المجاني في مصر منذ عام 1962، عندما قدمه للبلاد الرئيس الاشتراكي جمال عبد الناصر.
“ليست مسؤولية الطلاب دفع ثمن فشل النظام التعليمي،” قال كمال مغيث، وهو باحث بالمركز القومي للبحوث التربوية. كما قال أن الإصلاحات المُقترحة فشلت في التعامل مع التعليم كحق من حقوق الإنسان، وأنه لن يكون قائماً على أساس الجدارة لأن عملية القبول بحد ذاتها منحازة.