وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ظاهرة “العطواني”: تصريحٌ بالمثلية أم ثورة ضد العادات الاجتماعية؟

ظاهرة "العطواني"
صورة تم التقاطها من مقطع فيديو على موقع يوتيوب لشابين من أثناء مشاركتهما في حفل زفاف صوره زهير العطواني في العراق. المصدر: العطواني ميديا، يوتيوب.

علي العجيل

ليس سراً أن غالبية شعب العراق كسائر بلاد الشرق الأوسط يعيش منذ القدم وفق قوانين معينة قاسية، لا دستورية بل عرفيّة نشأت منذ زمن بعيد في هذه البلاد وما تزال.

لذا، فأن أي محاولة تمرد – وإن كانت بسيطة – سيتم قمعها من قبل الأهل أولاً مروراً بالمجتمع المحيط ووصولاً إلى القوانين الديكتاتورية.

وهذا ما حدث مع “العطوانيين” بالفعل. فبعد أن بات هؤلاء الشباب نجوماً بسبب مقاطع الفيديو التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت حملات القمع تشن ضدهم. واكتفى البعض بالسخرية فحسب منهم، حيث تم وصفهم بالكائنات الفضائية. أما البعض الآخر، فقد ذهب إلى اتهامهم بأنهم السبب الرئيسي في انتشار فايروس كورونا (حسب تصريح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر).

أصل التسمية

“زهير العطواني” المنحدر أيضاً من مدينة الصدر هو الشخصية المركزية والمحطة الأولى لانطلاق هذه الظاهرة، وهو مصور عراقي نال شعبية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب الأعراس التي يسجلها ويقوم بنشرها، والتي تضم تفاصيل قصيرة من حياة العريس كتصويره أثناء الحلاقة وارتداء بدلة العرس وتصوير أصدقائه قبل وأثناء الحفل، مركّزاً عدسته على أجساد الراقصين، زينة الوجه، وتسريحات شعرهم الغريبة.

تظهر فيديوهات العطواني العريس الذي لا يتجاوز في أغلب الأحيان ١٨ عاماً محاطاً بأصدقاء في مثل عمره، مرتدين ملابس ذات ألوان فاقعة وتسريحات شعر غير مألوفة مع نمط احتفال صاخب وغريب يبدأ بأغنية “صورني يا عطواني” كنشيد رسمي وأساسي لهؤلاء الشباب “العطوانيين”.

أما أكثر ما يلفت الانتباه في حفلات الزفاف هذه، هو عمر العريس الصغير، الأمر الذي يسلط الضوء على ظاهرة الزواج المبكر في العراق، والتي غالباً ما تكون بتوجيه الأهل ودعمهم، رغم كل البؤس والشقاء الذي يعيشون به.

لا يشبهون مدينتهم

حافظت “الثورة”، المدينة ذات الغالبية الشيعية التي أسسها الزعيم عبد الكريم قاسم شرقي بغداد (تيمناً بثورة تموز من العام 1958)، ناقلاً إليها مئات الآلاف من سكنة العشوائيات في منطقة (الميزرة والعاصمة) الواقعة في جانب الكرخ، والتي تحولت إلى “مدينة صدام” مع تسلم صدام حسين رئاسة الجمهورية أواخر السبعينيات، لتصبح في النهاية مدينة الصدر، بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تيمناً بالسيد محمد محمد الصدر والد السيد مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي الذي أنشأ فيها ميليشيا تقاتل الوجود الأميركي باسم جيش المهدي.

والتي تعد منجم للكثير من النجوم الرياضيين والشعراء والمثقفين، كالمغني حاتم العراقي، انسجام الغراوي المدافعة عن حقوق المرأة والطفل، منتظر الزيدي الذي اشتهر برامي الحذاء، والشاعر الشعبي كاظم الكاطع وغيرهم الكثير.

على بساطتها وموروثاتها المجتمعية والدينية، رغم الظروف القاسية والتقلبات السياسية التي مرت بها واستخدام أبناؤها وقوداً لجميع الحروب الداخلية والخارجية التي خاضها العراق منذ عهد صدام حسين مروراً بالحروب الطائفية التي خاضها جيش المهدي بعد تفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء عام 2006، وصولاً إلى الحرب التي خاضها الحشد الشعبي ضد تنظيم الدولة الإسلامية إبان سيطرته على أجزاء كبيرة من المناطق الشمالية والغربية من البلاد.

حتى خروج هذا الجيل المتمرد الذي كسر التابوهات التي وضعتها الأجيال السابقة، ولم يؤمن بالرموز أو الأسماء غير المسموح بانتقادها، ولم يكترث لدوامة الخطاب الطائفي والديني، ولا بنمط الحياة الذي سار عليه آباؤه وأجداده القدامى.

المتنفس الوحيد

مقطع فيديو لحفل زفاف شارك فيه عطوانيون في العراق.

رغم وقوع المدينة ضمن بغداد إدارياً، إلا أن أغلب البغداديين يعاملون سكان مدينة الصدر على أنهم خارج سياق العاصمة، إلى درجة أن شبابها سُمّوا بـ “الألمان” إلى جانب مصطلح “العطوانيين” مع نظرة اشمئزاز وقرف بسبب ملابسهم وتسريحات الشعر الغريبة لمعظمهم، حين يذهبون إلى الأسواق والأماكن العامة في الأعياد والمناسبات، والتي يحاولون من خلالها الاندماج مع المجتمع البغدادي.

كما أن نسبة كبيرة من “العطوانيين”(الذين يشكلون أكثر من 40% من نسبة سكان المدينة) هم من فئة المراهقين الذين لم تتح لهم فرصة الحصول على تعليم جيد نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشوها على مر السنين، وتحديداً أيام الحصار الذي فُرض على العراق في تسعينيات القرن الماضي وتبعات الغزو الأميركي للعراق بعد ذلك.

أغلب هؤلاء الشباب هم عمال نظافة أو بائعو خردة وعبوات غاز، يقضون جل يومهم في أعمالهم البسيطة
التي تؤّمن لهم قوتهم اليوميّ، فيما يقضون وقتاً بسيطاً في المقاهي الشعبية التي تقع داخل المدينة، لا وقت عندهم للتنزه أو اللهو ولا الاستمتاع بحياتهم.

يعيش “العطوانيين” كأغلب سكان هذه المدينة قمة البؤس والشقاء، لذلك عند أي مناسبة، وبسبب العزلة المجبرين على عيشها، يرقصون ويغنون في أيام العيد والمناسبات وفي المنتزهات العامة، بطريقتهم الخاصة، والتي رغم أنها غريبة على الآخرين لا تمس خصوصيتهم ولا تنال من كرامتهم أبداً.

يتلبسون المثلية (الذكورية حصراً)

يتم اتهام “العطوانيين” بأنهم مثليون جنسيون، بسبب مظهرهم الخارجي وزينتهم غير المألوفة وتصفيفات شعورهم التي تبدو للمجتمع العراقي أنثوية بعض الشيء.

وهذه التهمة خطيرة في مدينة محافظة كمدينة الصدر، فالأشخاص من المثليين والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً، يواجهون تحديات قانونية واجتماعية من المغايرين جنسياً من قتل وتنمر وحرمان من بعض الوظائف في الدولة العراقية، كما حدث مع بعض المثليين في فترات مختلفة منذ عام 2003 وحتى اليوم.

في الوقت الذي لا يستطيع أهالي القتيل فيه المطالبة بإجراءات معاقبتهم حتى، خشية من المجموعات والفصائل المسلحة، التي تتبنى غالباً أكثر من 80% من عمليات القتل، ومن تقاليد المجتمع العراقي الرافض للمثلية.

لكن، ما عدا مشاهد لبعض النساء المُسنات كأم العريس مثلاً أو جدته، لا وجود للنساء في حفلات” العطوانيون”، في إشارة صريحة إلى أنها – وإن كانت ثورة على العادات والتقاليد المجتمعية- ذكورية، لا دور ولا حق مشاركة للإناث فيها، ولا حتى للعروس المسكينة فهي لم تظهر إلا نادراً في الحفلات المصورة خاصتهم.

رغم أن السلاح الثقيل والخفيف كان وما زال حاضراً بقوة في جميع المناسبات، كدليل على الرجولة ربما إلى جانب المساحيق التي تعطي البشرة لوناً زهرياً.

ثورة تشرين

الاحتجاجات الأخيرة ساعدت كثيراً في التعرف على شباب من مناطق أخرى وقلصت الفجوة بين شباب مدينة الصدر وشباب مدن بغداد الأخرى، وفي بداية ثورة تشرين، كان هؤلاء “العطوانيين” الصغار الذين لطالما تم نبذهم وعزلهم عن بقية مناطق العاصمة بغداد من قبل المجموعات المسلحة المسيطرة على المنطقة، في طليعة المتظاهرين المتحمّسين في احتجاجات 2019 ضد الأحزاب السياسية الحاكمة.

قدم هؤلاء الشباب في تلك الأيام أجمل صور البطولة، من مساعدات في نقل الجرحى، وتنظيم مظاهرات، وتقديم المساعدات الطبية وغيرها الكثير. وقد سقط كثيرون منهم قتلى برصاص الميليشيات والقوات الأمنية، التي وزعت قناصيها على مداخل المدينة ومخارجها، وحاصرتهم في الساحات والأسواق الشعبية، حتى بات السواد يكسو مدينتهم.

وباتت صورهم البريئة التي نراها في حفلات الزفاف بتلك الوجوه الشابة المبتسمة والمتبرّجة والملابس الملونة وقصات الشعر الطفولية تزين البيوت المكتظة والشوارع الفقيرة وأضرحة المقابر.

لم يعش هؤلاء “العطوانيين” الصغار – منذ مجيئهم إلى هذه الدنيا – يوماً واحداً جميلاً، فحاولوا بشتى الوسائل البحث عن بقعة فرح صغيرة.

تمردوا على العادات أولاً، ثم على الدين المسيس الكاذب، فالفكر والمعتقدات الخاطئة، وعندما جاءت الثورة وجدوا فيها استكمالاً لثورتهم الخاصة التي خاضوها ضد العادات والتقاليد البالية، وضد السلطات التقليدية التي لم تساعدهم يوماً على الخروج من واقعهم المر، بل زادت الطين غصة، ولم يخرج منها سوى القمع والتخلف والوعود الكاذبة والرصاص.

 

المصادر:

– “يرقصون بجنون” أعراس العطواني لتخفيف قسوة الذكورية في العراق.

المصدر:

https://daraj.com/71772/

– صَوّرني يا عطواني: اضطراب في الهوية الاجتماعية والجنسية في “مدينة الصدر” ببغداد؟

المصدر:

https://7al.net/2021/01/26/%D8%B5%D9%88%D8%B1%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%A7-%D8%B9%D8%B7%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D8%B6%D8%B7%D8%B1%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC/
7aladmin/slide/

– مدينة الصدر- الثورة… قصة مكان عراقي بتحولات عديدة.

المصدر:

https://www.independentarabia.com/node/87131/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%A8%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D8%AF%
D8%A9

مدينة الصدر.

المصدر:
https://raseef22.net/article/1078984-%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D9%86%D8%B4%D8%A3%D8%AA-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%87%D8%A7%D9%85%D8%B4-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF