وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نعمة ونقمة أن تكون مثليّ الجنس في اسرائيل

Israel's problems with sexual discrimination
حد المشاركين في مسيرة الفخر للمثليين, يتم نقله إلى سيارة الإسعاف بعد تعرضه للطعن علی يد يهودي متشدد, في القدس, إسرائيل, 30 يوليو 2015. Photo Corbis

حانات ونوادي وشواطىء للمثليين رجالاً ونساءً، ومهرجان أفلام مجتمعات السحاق، والمثلية، وازدواجية الميول الجنسية والتحول الجنسي (LGBT)، وحمامات بخار للمثليين، وأماكن مخصصة لإقامة المثليين، وبالتأكيد، مسيرة الفخر للمثليين التي تجذب 100,000 زائرا سنوياً: تل أبيب، مدينة المثليين الأساسية، وبالتالي لا بد أن اسرائيل جنة المثليين جنسياً، ولكن هل هذه هي الحقيقة؟

خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، أحرز تحرر المثليين جنسياً تقدماً هائلاً في اسرائيل. ففي عام 1988، تم تجريم الشذوذ الجنسي من قِبل الكنيست الإسرائيلي. وبعد أربع سنوات، منع البرلمان الاسرائيلي التمييز ضد التوجيه الجنسي في مكان العمل. ومنذ بداية عام 2000، تم الاعتراف بالشركاء من نفس الجنس كآباء بالتبني على الرغم من أنّ القانون الاسرائيلي لا يُشرّع زواج المثليين، إلا أنه يتم الاعتراف بزواج المثليين في الخارج منذ عام 2006. وليس هناك أدنى شك بأن اسرائيل الأكثر تسامحاً مع المثليين جنسياً في الشرق الأوسط، إلا أن رحابة الصدر هذه ليست سمة مشتركة بين جميع أفراد الشعب.

في “الفقاعة” كما هو معروفٌ عن مدينة تل أبيب، تنفصل المدينة عن الصراع والتوترات التي تشهدها باقي المدن. وتعرف تل أبيب، على مستوى العالم، بشواطئها والحياة الليلة، فضلاً عن كونها وجهة مفضلة لدى الشباب والزوار المنفتحين لقضاء العطلات. وعلاوة على ذلك، لطالما اعتبر سكان المدينة بأنهم من ذوي الفكر العلماني نسبياً، مقارنةً مع مناطق أخرى في اسرائيل. وقد جعلت هذه الظروف من تل أبيب مكاناً ليبرالياً حاضناً للمثليين جنسياً. أو كما يصفها شاي دويتش، رئيس قطاع سياحة الشواذ بهيئة “أجودا” الإسرائيلية المعنية بالشواذ من الجنسين والمتحولين جنسياً “من غير المستغرب على الإطلاق أن يقوم زوج من المثليين بتقبيل بعضهما في أحد شوارع تل أبيب. في الحقيقة، نطلق النكات حالياً إذا ما رأينا رجلاً وامرأة يقبلان بعضهما البعض في الشارع، هذا أمرٌ غريب!”

وعلى بُعد 65 كيلومتراً فقط عن قِبلة المثليين هذه، أقلقت جريمة كراهية راحة المثليين في القدس أثناء مسيرة للمثليين في 30 يوليو 2015. فبينما كان آلاف المشاركين يجوبون شوارع المدينة، اقتحم أحد المتشددين اليهود الحشود فجأة وطعن عدة مشاركين. وعلى الرغم من إيقاف الرجل بسرعة وتثبيته بالأرض واعتقاله من قِبل الشرطة، إلا أنه تمكّن من جرح ستة. أحد الضحايا كانت شيرا بنكي، ذات الستة عشر عاماً، والتي تعرضت لإصاباتٍ بالغة أدت إلى مقتلها بعد ذلك بيومين متأثرة بجراحها.

وكان قد تم الإفراج عن الجاني يشاي شليسل، وهو من المستوطنيين المتطرفين، وأخرج من السجن. فقد سبق وأمضى عشر سنواتٍ في السجن بتهمة ارتكاب نفس الجريمة، طعن المشاركين في مسيرة حاشدة للمثليين عام 2005. وعلى الرغم من إدانة الهجوم من قِبل جميع الساسة والزعماء الدينيين تقريباً في جميع أنحاء اسرائيل، إلا أن الحادثة أثارت قضية مدى كون اسرائيل حاضنةً للمثليين على أرض الواقع.

ووفقاً للمسح الاجتماعي الأوروبي، تحتل اسرائيل مرتبة منخفضة على قائمة الدول التي تتسامح مع مجتمعات السحاق، والمثلية، وازدواجية الميول الجنسية والتحول الجنسي (LGBT)، وبدعم مساواة الحقوق للمثليين والمثليات. ومقارنةً بـ17 دولة أوروبية، تمتلك اسرائيل أعلى نسبة من الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من المجموعة التي تعاني من التمييز على أساس التوجيه الجنسي. ووفقاً للمسح، تحتل اسرائيل المرتبة 15 في دعم فكرة أن المثليين والمثليات يملكون الحق بعيش حياتهم بحرية كما يرغبون. وقد أجري الاستطلاع في اسرائيل في عام 2002، و2008، و2010، و2012، والذي ضم 2500 شخص في الفئة العمرية ما بين 15 عاماً فأكثر وشمل جميع شرائح المجتمع.

أحد أكثر الأمثلة تطرفاً لهذا التعصب، عضو الكنيسيت عن البيت اليهودي بتسلئيل سموتريتس، الذي أثار الجدل في أغسطس 2015، عندما وصف مسيرة المثليين في القدس بـ”مسيرة الدنس.” وادعى لاحقاً أن المثليين يُسيطرون على وسائل الإعلام الاسرائيلية إذ أنهم “يحددون لنا جميعاً ما يجب أن نفكر به وما نقوله.”

سياسة “الغسيل الوردي” لإسرائيل

إنّ تصريحات كتصريحات سموتريتس غير مرحب بها في بلادٍ تروج لنفسها، على صعيد العالم، باعتبارها قصر المثليين. وفي أغسطس 2011، ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أنّ وزارة الخارجية تروّج لإسرائيل الحاضنة للمثليين كجزء من حملاتها لمواجهة الصور النمطية السلبية التي يملكها العديد من الليبراليين الأمريكيين والأوروبيين عن البلاد. منتقدي اسرائيل مثل جاسبير بوار، وهي استاذ مشارك متخصصة في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي (الجندر) في جامعة روتجرز في الولايات المتحدة، تستشهد بمقارنة الحكومة الاسرائيلية لحقوق المثليين في اسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة كمثال على “الغسيل الوردي” (pinkwashing): يعتبرالترويج للودية اتجاه المثليين في البلاد في محاولة لتهوين أو تخفيف جوانبه أمر سلبي. وذكرت بوار في صحيفة الجارديان البريطانية أنه “داخل الدوائر المنظمة العالمية للمثليين والمثليات، أن تكون ودوداً مع المثليين يعني أن تكون عصرياً، ومتحرراً من الأحقاد القومية، وبالغ التهذيب، ومن دول العالم الأول، ومن الدول المتقدمة، والأهم من ذلك، ديمقراطي.” ووفقاً لجوزيف مسعد، أستاذ مشارك في قسم السياسات العربية الحديثة والتاريخ الفكري في جامعة كولومبيا، فإن الحكومة الإسرائيلية “تصر على الدعاية والمبالغة باستعراض سجلها الأخير حول حقوق المثليين… لدرء الإدانة الدولية لانتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني.”

ومن ناحية أخرى، تتمثل مهمة منظمة Pinkwatching Israel، وهي منظمة من النشطاء العرب من مجتمعات السحاق، والمثلية، وازدواجية الميول الجنسية والتحول الجنسي (LGBT)، في فضح المحاولات الاسرائيلية لـ”تحويل التصور العام لاسرائيل من دولة مستوطنين يمتازون بالتفرقة العنصرية إلى مسرح متحرر ومحب وغير مؤذٍ للمثليين، من خلال مقاربة هذه الصورة الكاذبة بصورة المجتمعات الفلسطينية والعربية، باعتبارها متخلفة وقمعيّة ومتعصبة.” وفي إحدى حملاتها، طلبت منظمة Pinkwatching Israel من أعضاء مجتمع (LGBT) الدولي مشاركة دوافعهم الشخصية على شبكة الانترنت حول أسباب مقاطعتهم اسرائيل باعتبارها وجهة للمثليين بعبارات مثل: “لن أحتفل في تل أبيب، فلا شيء يجذبني للتجول في دولة الفصل العنصري.”

وعلى الرغم من سخرية الأمر، إلا أن المثليين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة معرضون للهجوم أكثر من غيرهم تحت الحكم الاسرائيلي من نظرائهم ممن يميلون إلى الجنس المغاير. وفي 12 سبتمبر 2014، ذكرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية قصة 43 جندياً من قوات الاحتياط في وحدة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ممن رفضوا الخدمة بسبب “الاضطهاد السياسي” للفلسطينيين. وصرح الجنود أنه في حين يعتبر التنصت ومراقبة المواطنين الاسرائيليين محدود للغاية، إلا أنّ “هذه الحماية غير متاحة للفلسطينيين.” بل على العكس من ذلك، يزعمون أن جهاز الاستخبارات الاسرائيلي يستفيد من المعلومات الدقيقة حول الميول الجنسية للمدنيين الفلسطينيين. وأضاف أحد الجنود الاحتياط في تصريحاته للصحيفة “إذا كنت مثلي الجنس وعلى معرفة شخصية بأحد الأفراد الذين يعرفون شخصاً مطلوباً لنا، ونريد معرفة المزيد عنه، ستجعل اسرائيل حياتك بائسة.”

لربما تعتبر اسرائيل، وستبقى، المكان الأكثر أمناً في الشرق الأوسط بالنسبة للمثليين، وليس هناك مكان آخر في المنطقة يمكن للمثليين جنسياً أن يتمتعوا فيه بنفس الحقوق والحريّات. ولكن القول بأن الود الاسرائيلي اتجاه المثليين، يطابق المعايير الغربية الأوروبية، أو الإخلاص اللاجدل فيه لليبرالية هذه الدول الموالية للمثليين، قد يعتبر مغالاةً لما عليه الأمور على أرض الواقع.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles