وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الإيرانيون يقودون مساعي التغيير الديني في منطقة الشرق الأوسط

إيرانيون
صورة تم التقاطها يوم ٢٢ فبراير ٢٠٢٠ لشاب إيراني وهو يرتدي كمامة وقفازات واقية ويسير في أحد الشوارع المزدحمة بالعاصمة الإيرانية طهران. المصدر: ATTA KENARE / AFP.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي على مدونته الخاصة مقالةً سلّط فيها الضوء على تغيّر التوجهات الدينية في إيران وقيادة الإيرانيين مساعي الحصول على قدر أكبر من الحريات الدينية الفردية في المنطقة. وقال دورسي إن هذا التغيّر يشكل تحدياً أمام الحكومات الاستبدادية التي توظف الدين لخدمة أهدافها الجيوسياسية.

وبحسب دورسي، فإن استطلاع للرأي أجراه باحثون في جامعتين هولنديتين مؤخراً حول الموقف الإيراني تجاه الدين كشف رفضاً لافتاً لتوجهات الدولة الرامية إلى فرض الالتزام بالتعاليم الدينية المحافظة بالإضافة إلى رفض الدور الذي يلعبه الدين في الحياة العامة.

ورغم أن نتائج استطلاع الرأي تتوافق مع التوجه العام في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن النتائج التي اعتمدت على آراء 50 ألف مشارك، والذين قال أغلبهم إنهم يقطنون في الجمهورية الإسلامية، تشير إلى أن الإيرانيين يقودون المساعي الرامية إلى إحداث تغيير ديني في المنطقة.

ويؤثر هذا التوجه على جهود إيران، بالإضافة إلى منافسيها السعودية، وتركيا، والإمارات، الذين يتنافسون على القوة الدينية الناعمة وزعامة العالم الإسلامية.

من بين المنافسين، فإن الإمارات، التي ينتمي غالبية سكانها إلى جنسيات أخرى، هي الدولة الوحيدة التي بدأت الاعتراف بتغيّر التوجهات والواقع الديمغرافي في المنطقة. فقد ألغت السلطات الحظر المفروض على شرب الكحوليات والعيش المشترك بين غير المتزوجين.

ومع ذلك، فإن تغيّر التوجهات يهدد بتقويض جهود إيران والدول المنافسة لها في الشرق الأوسط، والتي تسعى كل منها إلى تعزيز تفسيراتها للإسلام وفرضها على العالم الإسلامي كسردية رئيسية. وترفض هذه التوجهات العقيدة الدينية التي تتسم بالجمود الفكري، والممارسات الشعائرية والدينية الرسمية، التي تروّج لها الحكومات والسلطات الدينية وتفرضها على الآخرين.

وفي معرض تعليقه على الاستطلاع، قال بويان التميمي عرب، أحد منظمي استطلاع الرأي، في إحدى المقابلات: “لقد بات هناك تساؤل وجودي. تريد الدول أن تكون شيئاً ما لا تريد أن تكونه. والإحباط السياسي تحوّل بخطوات ثابتة إلى إحباطٍ ديني…وابتعد الإيرانيون عن الدين المؤسسي على نطاق غير مسبوق”.

وعلى نفس المنوال، حذر نيس يلدران، مؤرخ الفنون التركي، من أن الفتوى التي أصدرتها مديرية الشؤون الدينية التركية والتي أفتت بأن التميمة الزرقاء المستخدمة لإبعاد “العين الحاسدة” محرمةٌ في الإسلام، أثارت انتقادات تجاه واحدة من أكثر المؤسسات الحكومية حصولاً على تمويلات.

جاءت هذه الفتوى بعد صدور آراء دينية مشابهة تُحرم صبغ شوارب الرجال ولحيتهم، وإطعام الكلاب في المنزل، ورسم الوشم على الجسم، والمشاركة في مسابقة اليانصيب القومية، بالإضافة إلى تصريحات أخرى، اعتُبِرت أنها تتغاضى عن الانتهاكات المرتكبة بحق الأطفال والعنف ضد النساء.

وبحسب استطلاع الرأي الإيراني، الذي تموله جماعات حقوق إنسان إيرانية موجودة في واشنطن، بالإضافة إلى بحث آخر واستطلاعات رأي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن الأمر لا يقتصر على الشباب المسلم وحده، بل هناك فئات عمرية مختلفة أيضاً تساورها شكوك متنامية تجاه السلطات الدينية والدنيوية وتتطلع إلى اختبار مزيد من التجارب الفردية، والروحانية الدينية.

وتتراوح مساعيهم ما بين تغيير سلوكهم الديني الشخصي وإجراء محادثات مع الديانات الأخرى سراً لأن الارتداد عن الدين محظور، وفي بعض الحالات، يعاقب بالقتل من يترك الدين متبنياً مذاهب أخرى كالاأدرية أو الأغنوستية، وتعني عدم اليقين بوجود الله من عدمه، أو الإلحاد.

وإجابةً على استطلاع الرأي الإيراني، قال 80% من المشاركين إنهم يؤمنون بوجود الله لكن عرَّف 32.2% من المشاركين أنفسهم بأنهم شيعة، وهي نسبة أقل بكثير من الأرقام الرسمية المعلنة في إيران ذات الأغلبية الشيعية.

وقال أكثر من ثلث المشاركين إنهم لا ينتمون إلى دين معين، أو ملحدون، أو لا أدريون. وأوضح ما بين 43% إلى 53% من المشاركين، استناداً إلى فئاتهم العمرية، أن آرائهم الدينية تغيّرت بمرور الوقت. وقال 6% منهم إنهم تحولوا إلى توجه ديني آخر.

وقال 68% من المشاركين إنهم يعارضون استخدام التعاليم الدينية في التشريعات القومية. ورفض 70% منهم منح المؤسسات الدينية تمويلاً حكومياً، بينما عارض 56% منهم التعليم الديني الإلزامي في المدارس. واعترف حوالي 60% من المشاركين بأنهم لا يصلّون، وعارض 72% منهم إجبار المرأة على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

وتُظهر إحدى أوراق استطلاع الرأي غير المنشورة أن تغيّر طابع التدين في إيران ينعكس في توقف عدد متزايد من الإيرانيين عن تسمية أبنائهم تيمناً بأسماء شخصيات دينية.

وهاجم مقطع فيديو منشور على موقع يوتيوب، مدته خمس دقائق ومنسوب إلى الحرس الثوري الإيراني، استطلاع الرأي رغم أن منظمو المسح أعلنوا في تقريرهم، بمجرد توزيع الاستبيان، أنه مدعومٌ من جماعة حقوق إنسان منفية.

كتب الصحفي نيكولاس بيلهام، استناداً إلى زيارة قام بها إلى إيران في 2019، حيث اُحتُجز هناك لعدة أسابيع: “قد تكون طهران أقل عواصم الشرق الأوسط تديناً. يسيطر رجال الدين على عناوين الأخبار ويلعبون دور شيوخ الطوائف في المسلسلات، لكنني لم أرهم مطلقاً في الشوارع، باستثناء على اللوحات الإعلانية. على النقيض من غالبية الدول الإسلامية، فإن الأذان يكاد تكون غير مسموع… وشرب الكحول محظور لكن خدمة توصيل النبيذ إلى المنزل أسرع من توصيل البيتزا… يصعب تحديد موقع الدين في هذا البلد ويبدو أن المتدينين حقاً مهمشون كأقلية”.

وتتوافق نتائج استطلاع الرأي الأخير، بالإضافة إلى ملاحظات المحللين والصحفيين مثل بيلهام، مع نتائج استطلاعات الرأي العام العربي المختلفة على مدار السنوات الأخيرة، والتي تبين أن 40% من المستطلعين آراؤهم يُعرّفون الدين بصفته أهم مكون لهوياتهم، لكن 66% منهم يرون أن المؤسسات الدينية تحتاج إلى إصلاح.

وتلمح هذه الاستطلاعات أيضاً إلى أن الرأي العام يدعم إعادة صياغة مفاهيم الفقه الإسلامي للتخلص من بعض المفاهيم التمييزية والبائدة مثل مفهوم الكفر.

وتوضح ردود أفعال الحكومات في إيران، والسعودية وغيرها من الدول في منطقة الشرق الأوسط تجاه تغيّر توجهات الدين والتدين إلى أي مدى يعتبر المسؤولون أن هذا التغيير يشكل تهديداً لهم، وهو غالباً ما يعبرون عنه باعتباره تهديد وجودي.

ومن بين ردود الأفعال الأخيرة، فقد قام محمد مهدي مير باقري، وهو رجل دين شيعي بارز وعضو مجلس خبراء القيادة الذي يعين القائد الأعلى للبلاد، بوصف فيروس كوفيد- 19 في الشهر الماضي باعتباره “فيروس علماني”، وحرب معلنة على “الحضارة الدينية”، و”المؤسسات الدينية”.

وذهبت السعودية إلى أبعد من هذا بتعريف “الدعوة إلى الإلحاد بأي شكل” باعتبارها عملاً إرهابياً في قانونها الخاص بمكافحة الإرهاب. واُتهم المعارض والناشط السعودي رائف بدوي بالارتداد عن الدين، وحُكِم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات وألف جلدة لأنه تساءل لم ينبغي إجبار السعوديين على الالتزام بالإسلام وأكد أن الإيمان لا يستطيع الإجابة على كل الأسئلة.

لاحظ محللون، وكتاب، وصحفيون، ومنظمو استطلاعات الرأي تغيّر التوجهات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال معظم العقد الماضي.

وقال الكاتب الكويتي ساجد العبدلي في 2012: “من المهم الاعتراف بأن الإلحاد موجود في وقتنا هذا ويتزايد انتشاره في مجتمعنا وخاصةً بين الشباب، والأدلة على هذا كثيرة”.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “بعد هذا التاريخ بتسعة أعوام، جادل التميمي عرب بأن استطلاع الرأي الأخير “يُظهر أن هناك أسس اجتماعية” تثير قلق الحكومات الديكتاتورية، التي توظف الدين لخدمة أهدافها السياسية وإحكام قبضتها على السكان، الذين يحاولون الخروج عن سيطرتها”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com في 26 يناير 2021.