دانا حوراني
كانت بدايات سكارلت سكاراب، البطلة الخارقة المصريّة الأولى لمارفل، في الحلقة السّادسة من سلسلة “فارس القمر”. شخصيّة ليلى الفولي، الّتي أدّت دورها الممثّلة المصريّة الفلسطينيّة مي قلماوي، مؤرّخة تميل إلى جمع تحف مصريّة نادرة.
وفي الحلقة الأخيرة من السّلسلة، تظهر سكارلت سكاراب، البطلة الخارقة المصريّة السّمراء الأولى لمارفل، ذات الشّعر المجعّد، بحلّة الإلهة المصريّة إيزيس الكاملة مع الأجنحة والسّيوف.
أمّا تحوُّل ليلى إلى سكارلت، فقد حدث عندما قرّر المخرج محمّد دياب أنْ عليها لعب شخصيّة “تاورت” لمارفل، وهي إلهة النّساء والأطفال المصريّة.
أشارت سارة غوهر مؤخّرًا، المنتجة الاستشاريّة لـ”فارس القمر”، إلى أنّ فريق الإنتاج كان يبحث عن تمثيل حقيقي للبطل الخارق العربيّ يعكس أدق الجوانب الجسدية.
“أنا فتاة مصريّة، وأتمتّع بشعر مجعّد”، قالت غوهر في مقابلة مع مارفل. “لا يمكنني أن أقول لكم كم فتاة أعرفها، قضت سنين تحرق شعرها بالمكواة والعمليّات الكيميائيّة، آملة تمليسه، وذلك لأنّنا لا نشهد على أدوار كافية لذوي الشعر المجعّد على شاشات العرض. وهكذا من شعرها المجعّد، إلى قصّتها، وحتّى إلى قوّتها، كانت هذه كلّها أمورًا مهمّة جدًّا أردنا إدخالها في شخصيّتها.”
على الرّغم من أنّ سكارلت سكاراب خطت خطوة نحو الأفضل في مجال تمثيل النّساء الشّرق أوسطيّات في الإعلام الغربيّ، يشير المراقبون إلى أنّ شركات الإنتاج الغربيّة ما زالت تتأثّر بالنظرة التقليدية الى الشرق الأوسط والمرتبطة بعوامل اجتماعية وسياسية.
صورة مشوّهة
بذلت هوليوود، في العقد الأخير، جهدًا جماعيًّا لإظهار جماعات كثيرة كانت مهمّشة في الماضي بطريقة أشمل. غير أنّه وفي رأي المنتجة اللّبنانيّة ياسمين الجردي ما زالت هوليوود تُظهرُ النّساء الشّرق أوسطيّات بصورة سلبيّة ، بحسب أفكار نمطيّة شائعة وبطريقة تفتقدُ الى التّنوّع.
“غالبًا ما تُصوَّر النّساء الشّرق أوسطيّات بتطرّف متناقض. فهنّ إمّا مقموعات ومجبرات على ارتداء الحجاب، إمّا شخصيّات ذات طابع جنسيّ، كراقصات شرقيّات نادرات”، قالت الجردي لفناك.
النّساء المسلمات، وهنّ واحدة من جماعات دينيّة متعدّدة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، مُمثَّلات تمثيلًا غير متكافئ. وأبعد من ذلك، تعطى النّساء مرارًا دور الضّحيّة، وتضيف “تنتظر تدخّل مخلّص من العرق الأبيض”.
فعلى سبيل المثال، في سلسلة نيتفليكس “إليت” Elite، تخلع البطلة ناديا المحجّبة ، والّتي تعيش في ظلّ والدين فلسطينيّين متشدّدين، حجابها لتفوز بقلب رجل، ما يعني ضمنًا أنّ النّساء المسلمات يعشن منذ الولادة في كنف أُسَر قامعة.
كذلك، تقول الجردي إنّ عبارة “الشّرق أوسطيّ” في مجال صناعة الأفلام، شامل وواسع النّطاق. وتؤكّد أنّ منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا تتضمّنان بلادًا تمثّل معتقدات دينيّة، وحضارات، وطوائف، وثقافات، ولغات، متعدّدة ومتنوّعة.
وتشرح الجردي “النّساء العربيّات المسيحيّات مثلًا، غير ممثّلات أبدًا تقريبًا. وأكثر من ذلك، يفشل الغرب بالتّمييز بين ثقافات الشّرق الأوسط وثقافات الخليج العربيّ. ونتيجة لذلك، يعتبر المشاهدون الغربيّون أنّ الشّرق الأوسط مكان متجانس يضمّ جماعة إثنيّة واحدة”.
الاستشراق وسياسة الولايات الأميركيّة المتّحدة
صاغ إدوارد سعيد، وهو عالم في نظريّة ما بعد الاستعمار، مصطلح “الاستشراق“. ويشير هذا المصطلح إلى نظرة الغرب الاستعماريّ للعرب كهمجيّين، غير متحضّرين، غير عاديّين، وربّما خطيرين.
يُعتبَر الغرب أعلى مرتبة من حيث الثّقافة والأعراف الاجتماعيّة، فيما يُصنّف الشّرق بدائيًّا وفي أدنى درجة. بعد هجمات 9 أيلول على مركز التّجارة العالميّ في نيويورك، ازداد التّباين بين مفهومَي “همجيّين” و”متحضّرين” وصار شائعًا في إعلام الولايات المتّحدة الأميركية، بحسب الجردي.
وقالت “بعد الهجمات حلّ جوّ من الكراهيّة ضدّ المسلمين العرب، كان على دراية به قطاع صناعة التّرفيه. ونتيجة لذلك، استغلّ هذا القطاع التّرويج لتيّار ضدّ الإسلام، بصناعة المزيد من الأفلام والبرامج التّلفزيونيّة الّتي تُظهِر العرب كمتطرّفين، تستدعي محاربتهم أبطالًا جبّارين من العرق الأبيض.”
أحد الأمثلة على ذلك، هو فيلم “القنّاص الأميركيّ” لكلينت إيستوود، عام 2014. وفيه يظهر البطل، كريس كايل، في دور قنّاص رهيب يبحث عن أعدائه المتمرّدين العراقيّين الّذين يشير إليهم بـ”الإرهابيّين”.
أمّا النّساء فتتراوح أدوارهنّ بين إرهابيّات، وضحايا مقموعات، وغاويات شهوانيّات. في السّلسلة الأميركيّة “الحارس الشّخصيّ” مثلًا، شخصيّة ناديا علي الّتي أدّت دورها أنجلي موهندرايس، هي امرأة مسلمة خنوع متذلّلة، متورّطة مع زوجها في تفجير إرهابيّ. وفي فيلم “اللّيالي العربيّة” عام 1942، تظهر النّساء غالبًا كراقصات شرقيّات غير عاديّات، يقتصر وجودهنّ على التّرويح عن الرّجال، مشكّلات بذلك النّقيض الوحيد لصورة المرأة المسلمة المضطهدة.
التّداعيات النّفسيّة والاجتماعيّة
بحسب الجردي، يشكّل استهلاك المشاهدين غير الفاعل، السّائد في عصر وسائل الإعلام الرّقميّة والبثّ الرّقميّ، خطرًا على المجتمعات كما على الأفراد.
ومع أنّ التّأثيرات مختلفة، تحافظ المنتجة على رأيها في أنّ استمرار بثّ الرّسائل السّلبيّة والتّنميط قد يؤدّيان إلى استعارة المشاهدين هذه الصّور والتّمثّل بها.
وتقول “يمكن لمعايير الجمال الغربيّ الشّائعة ومعاييره الثّقافيّة على حساب معاييرنا، أنّ تؤثّر سلبًا على احترام الذّات لدى المرأة مثلًا بشكل كبير. نبدأ بمقارنة مظهرنا وتصرّفاتنا بالممثّلات، وقد نصل إلى تصديق فكرة أنّنا مخطئات في عدم التّمثّل بهنّ.”
وتضيف الجردي، قد تبدأ النّساء المسلمات بخاصّة، تصديق الصور النّمطية الغربيّة السّلبيّة والتّخلّي عن معتقداتهنّ الدّينيّة، خوفًا من أن يُحكَم عليهنّ.
وتضيف أيضًا، أنّه على الرّغم من إمكانيّة كون الحجاب رمزًا للقوّة، ما زال الإعلام الغربيّ في الغالبِ خجولًا في إظهار الإسلام بطريقة إيجابيّة.
كما يمكن أن تمتدّ أهمية التمثيل إلى أبعد من العرق والدّين إلى أدقّ التّفاصيل ، مثل إظهار سمات شرق أوسطيّة لم تكن هوليوود قد عدّلتها من قبل.
صرّح محمّد دياب، مخرج “فارس القمر” المصريّ، على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أنّ ابنته الّتي تبلغ من العمر 4 سنوات، لم تشاهد أبدًا فيلمًا فيه شخصيّة ذات شعر مجعّد كشعرها لذلك صارت تفضّل الشّعر الأملس.
تؤكّد الجردي على ضرورة توظيف نساء في فريق الإنتاج منذ البداية للحرص على تصوير المرأة بطريقة عادلة وحقيقيّة. ونتيجة لذلك، توفّر الأفلام القصيرة والمستقلّة للنّساء الشّرق أوسطيّات، فرصًا إضافيّة للعمل كمنتجات ومخرجات، وتعطيهنّ الحرّيّة الإبداعيّة في ما يتعلّق بتصوير شعبهنّ بدقّة.
أخيرًا تقول الجردي “كصانعي أفلام عرب، وظيفتنا ضمانة إخبار قصص شعبنا بصدق وأصالة. وعلى النّساء بشكل خاصّ، الاتّحاد معًا في قطاع يحكمه الرّجال، للحرص على إيصال أصواتهنّ وتجاربهنّ برأفة وتعاطف.”