في 19 مارس 2015، وبعد حوالي ثلاث أيام من الإعلان عن فوز حزب الليكود برئاسة بنيامين نتياهو في الإنتخابت الإسرائيلية رفع الرئيس الأمريكي هاتفه وأجرى محادثة مع رئيس الوزراء الجديد القديم. تأخر أوباما في الإتصال بنتياهو لتهنئته رسمياً على نتائج الإنتخابات، وللتعبير عن إمتعاض الإدارة الأمريكية من وجود هذه الشخصية السياسية على سدة الحكم في إسرائيل، والتي باتت مكروهة لدى غالبية صناع القرار الأمريكي. وبدون أدنى شك شكلت نتائج الإنتخابات صدمة للمتابع للشأن الإسرائيلي خاصة وأن غالبية استطلاعات الرأي أفضت بأن المعسكر الصهيوني برئاسة إسحاق هيرتصواغ وتسيبي ليفني سوف يفوز بالانتخابات على الاقل بفارق ضعيف.
نتياهو دخل الإنتخابات بأسمه قبل حزبه. فضلاً عن ذلك، فقد استطاع أن يحرك عنصر الخوف لدى المجتمع الإسرائيلي في نفس يوم الإنتخابات حينما صرح بأن اليسار والعرب يصوتون بقوة وسوف يدمروا نسيج دولة إسرائيل، وطلب من مناصريه ترك كل شيء والتوجه للتصويت لصالحه.
وقبل الانتخابات، فجر نتياهو قنبلة مدوية عندما صرح برفض قيام دولة فلسطينية طالما هو في الحكم. وبذلك تخلى عن الموقف الرسمي له في خطابه في بار ايلان عام 2009، حيث أعرب عن دعمه قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح. قبل ذلك كان قد أجتمع مع قادة المستوطنين وقال لهم إن لم يصوتوا له، فيجب عليهم تحضير أنفسهم لمغادرة المستوطنات.
سياسة نتياهو انصبت على تحريك المجتمع نحو اليمين والتشدد وبعد ذلك رفع مستوى الخوف لديهم من العرب والفلسطينيين. هذه السياسة كان لها صدى مباشر على نتائج الإنتخابات الإسرائيلية.
نتياهو حدد وجهته السياسية أثناء خطاب الفوز وشدد على نيته تشكيل حكومة يمينية قوية، وهو يقصد هنا مع الاحزاب اليمينية القومية واليمينية الدينية.
المواقف السياسية التي اتخذها كان لها صدى صوت قوي في رام الله، حيث كان الوضع هناك أشبه بحالة عزاء أصابت جميع متخذي القرار الفلسطيني بعد سماع نتائج الإنتخابات والفوز الكاسح لنتياهو. الرئيس الفلسطيني تحمل في السنوات الاخيرة الكثير من المضايقات من قبل نتياهو، لا تبدأ فقط بإغلاق الأفق السياسي وفشل المفاوضات، مرورا بالاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولا تنتهي بحجب أموال الضرائب الفلسطينية لدى إسرائيل مما شكل عبء كبير على كاهل ميزانية السلطة الوطنية في دفع مرتبات الموظفين لدى السلطة.
نتياهو يدرك بأنه السيد القوى في المنطقة ويريد أن يفرض رؤيته وسياساته بغض النظر إن كان هناك توافق أو عدم توافق مع نظرائه وأصدقائه الأمريكين والأوروبيين. فهو يتكلم من منطلق القوة التي لا ترى ضرورة لإعطاء الطرف الاضعف (الفلسطيني) أي شيء من أجل انهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وينظر الى ايجاد حل من منطلق السلام الاقتصادي فقط.
هذه السياسة الإسرائيلية التي باتت تعرف “بالمتعجرفة” غير مقبولة عند العديد من صناع القرار في أمريكا وأوروبا، ولكن لغاية اليوم لم تمارس ضده أي نوع من الضغوط الحقيقية من أجل تعديلها. حالة عدم الرضا تجاه سياسات نتياهو من قبل عدد من الدول الاوروبية باتت ملحوظة وتم التعبير عنها بموجة الإعترافات البرلمانية في عدد من الدول الأوروبية. الجديد في الأمر هو ما تناقلته وسائل الاعلام بأن واشنطن تدرس تغير سياستها تجاه إسرائيل فيما يتعلق بإستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن للاعتراف الدولي بدولة فلسطين، بعدما أغلق نتياهو أفق الحل السلمي برفضه قيام دولة فلسطينية. “علينا إعادة تقييم موقفنا بهذا الشأن، وهذا ما سنفعله” صرّح أوباما في مؤتمر صحفي في 24 مارس.
من المعروف بأن المواجهة بين اوباما ونتياهو مستمرة منذ ستة سنوات، ولكنها وصلت ذروتها في 3 مارس بالقاء نتياهو خطاب في الكونجرس الأمريكي على الرغم من رفض الرئيس الامريكي لهذا الامر بسبب اعتباره تسويق لحملته الانتخابية.
الموقف الفلسطيني الرسمي ازاء نتائج الانتخابات الإسرائيلية اتسم بالبرود. القيادة الفلسطينية ابتعدت عن جوهر الرد الحقيقي للموقف الإسرائيلي المتعنت والرافض للسلام ولحل الدولتين.
رفض نتياهو لقيام دولة فلسطينية تراجع عنه مجدداً بعد عدد من التصريحات اللاذعة له من قبل بعض دول المجتمع الدولي، ولكنه ربط موافقته على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح بعدد من الشروط التعجيزية الاضافية، منها الإعتراف بيهودية دولة إسرائيل و رفض المصالحة الفلسطينية والتي تعتبر في حد ذاتها وصفة للإقتتال الفلسطيني الداخلي. ومنذ سنوات تخلق إسرائيل حقائق جديدة يومياً على الأرض تجعل من إمكانية حل الدولتين غير قابل للتطبيق. هذه المعادلة أضرت بالمستقبل الفلسطيني وسط سلبية متناهية من قبل القيادة الفلسطينية الرسمية.
مما لا شك فيه أن الأشهر القادمة ستشكل مفترق طرق مهم لقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس سوف تجد نفسها تحت ضغوط في غاية الصعوبة بسبب نيتها التوجه الى محكمة الجنايات الدولية واتهام إسرائيل بعدد من القضايا الدولية ومنها ارتكاب جرائم حرب، وارتكاب جرائم ضد الانسانية، حيث ستشكل قضية الحرب الاخيرة على غزة والاستمرار في بناء المستوطنات تربه خصبة لإزعاج إسرائيل دوليا.
من ناحيتها سوف ترفع الحكومة الإسرائيلية من وسائل الضغط على القيادة الفلسطينية سواء بالاستمرار في حجز أموال الضرائب الفلسطينية، أو بتقييد حركة المسؤولين الفلسطينيين. وفي النهاية، سيجد القادة الفلسطينيين أنفسهم بين نارين، إما الرضوخ للمطالب الفلسطينية بالذهاب الى محكمة الجنايات الدولية، وإما الرضوخ الى المطالب الإسرائيلية بعدم الذهاب الى الجنائية الدولية، وبالتالي سيكون على عباس الاستعداد لمواجهة الجماهير الغاضبة.