كانت الحرب في سوريا، التي دخلت اليوم عامها السادس، حرباً ضروساً ومدمرة، ففي عام 2016، قُدر إجمالي القتلى بـ400 ألف شخص. أما في العراق، فقد دمرت المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” المدن وشرّدت حوالي 3,3 مليون شخص. ومع ذلك، يمكن أن يكون للتدهور البيئي في كلا البلدين تأثيرٌ بعيد المدى، بخلاف الآثار المباشرة لهذه الصراعات.
ففي بلدٍ في حالة حرب، لا يعتبر الحفاظ على البيئة عادةً على رأس قائمة الأولويات، بيد أنه يعدّ من القضايا الرئيسية التي ينبغي معالجتها قبل الشروع بعميلة إعادة الإعمار. فقد ذكر تقريرٌ صادرٌ عن منظمة السلام الهولندية، باكس، تحت عنوان “العيش تحت سماءٍ سوداء،” والذي نُشر قي نوفمبر 2017، تأثر العراق بشدة حتى قبل هجمات [داعش] في عام 2014 بسبب مخلّفات ثلاثة حروب والتغييرات المناخية، مما أدى إلى ضعف الإدارة البيئية وفترات جفاف أكثر تواتراً. وذكر التقرير “منذ ذلك الحين، يمكن أن نضيف إلى ذلك مصافي البترول غير القانونية، والتسربات النفطية والحرائق، فضلاً عن الحطام والغبار وتراجع البُنية التحتية للمياه.”
وفي لقاءٍ لنا في فَنَك مع ويم زويجننبورغ، رئيس مشروع نزع السلاح الإنساني في منظمة باكس، قال لنا “نحن نراقب ما يحصل في العراق منذ سيطرة داعش،” وأضاف “كان هناك الكثير من القتال حول مصافي النفط في المناطق الشمالية؛ حيث لاحظنا تلوثاً شديداً. وعندما بدأ الجيش العراقي بهزيمة داعش، بدأوا بإحراق آبار النفط، وإغراق المناطق بالمياه، وتدمير الآبار وخطوط الأنابيب، وتلويث المياه.”
ووفقاً للتقرير، فإن المناطق الأكثر تضرراً هي جبال حمرين، حيث اشتعلت نيران حقلين نفطيين لمدة عامين، وهما القيارة، حيث تم إخماد آخر النيران في مارس 2017، وحقل بيجي على نهر دجلة الملوث، الذي تعرضت مصفاة تكريره لضررٍ شديد، وأيضاً في مدينة كركوك، حيث تعرضت البنية التحتية النفطية بأكملها تقريباً للهجوم. وبدحر داعش، ساهم التحالف أيضاً في تسرب النفط وتدمير البنية التحتية، إضافةً إلى التلوث الذي أحدثته الجماعة الجهادية. كما تعرضت الأراضي الزراعية ومصادر المياه للخطر نتيجةً لذلك.
كما أشعل داعش أيضاً النيران في مصنع كبريت المشراق، مما أدى إلى انبعاث الغازات السامة والتي أسفر عنها دخول أكثر من ألف شخصٍ إلى المستشفيات، توفي منهم 20 شخصاً في وقتٍ لاحق. وعلاوة على ذلك، تعرضت مواقع أخرى تُستخدم في إنتاج الأسلحة الكيماوية، أو تلك التي أسيئت إدارتها خلال الحرب، لضرباتٍ جوية، مما قد يؤدي إلى تلوثٍ طويل الأمد للهواء بالغازات السامة أو تلوث التربة.
وأضاف زويجننبورغ “في معظم الأماكن المأهولة بالسكان مثل الموصل والفلوجة والرمادي، سيكون هناك مزيجٌ من جميع أنواع النفايات، مما سيؤثر على السكان المعرضين لهذه المخاطر أو على العمال الذين يقومون بإزالة الأنقاض، فضلاً عن وجود مخلفاتٍ عسكرية والدبابات أو المركبات المدمرة التي تحتوي على المواد الكيماوية.” وتابع قوله “ما هو واضحٌ الآن هو أننا بحاجة للبدء بمراقبة الصحة والبيئة لمعرفة ما هو الأثر الفعلي لتتمكن الحكومة من إيجاد حلول. ومن خلال دراسة استقصائية أجريناها من خلال جهات اتصال لنا في الموقع، اكتشفنا أن الناس في المناطق المتضررة بشدة يشعرون بقلقٍ بالغ إزاء تأثير التلوث على الصحة.”
فعلى صعيدٍ آخر، يساعد برنامج الأمم المتحدة للبيئة بلدان مثل العراق على معالجة عواقب النزاعات. ففي سبتمبر الماضي 2017، نشرت المنظمة مذكرة تقنية عن الموصل، تشير إلى أن كمية الحطام الناتج عن النزاع في المدينة يبلغ 11 مليون طن. وقال أولي براون، منسق برنامج الكوارث والصراعات التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، لفَنَك: “يمكن استخدام البيئة كنوع من الأسلحة الحربية في هذا النوع من الإستراتيجية ضمن الصراع من أجل زيادة الأضرار التي تلحق بالسكان المحليين.” وأضاف “انه تكتيك يستخدم منذ آلاف السنين. تتأثر البيئة دوماً بالحرب، ومن وجهة نظرنا تُعقّد الأضرار البيئية الإنتعاش وتزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية. ونرى ذلك بوضوح في العراق وسوريا.”
أما في سوريا، فمن أهم جوانب الأزمة البيئية هي المصافي غير القانونية، إذ أن هناك أكثر من 10 آلاف مصفاة أنشئت في عام 2016، وذلك وفقاً لباكس، في جميع أنحاء البلاد. وقال زويجننبورغ في التقرير “بسبب القصف ونقص الموظفين الذين فروا أو غادروا البلاد، فان المصافي المحترفة خفضت انتاجها بشكلٍ كبير.” وأضاف “وفي الوقت نفسه، لا يزال الطلب على الوقود للحياة اليومية مرتفعاً. وتشجع الجماعات المسلحة، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية، التكرير المؤقت لأن هذه الجماعات تكسب المال عن طريق بيع النفط الخام إلى المصافي غير القانونية، وبعدها تفرض ضرائب على الوقود الذي تنتجه.”
وقد لاحظ براون هذا النوع من السلوك في صراعاتٍ مختلفة، حيث يدفع غياب الحكم وسيادة القانون في هذا الوضع الصعب بالسكان المحليين إلى تطوير آلياتٍ للتكيف على حساب بيئتهم.
وقال في هذا الشأن “الآن، يجب على الحكومة العراقية التفكير بكيفية تنظيف مناطق الصراع وبمكانٍ لوضع الأنقاض، بطريقةٍ لا تخلق المزيد من المشاكل بتلويث مصادر المياه.” وتابع قوله “في مثل هذه الأنواع من حالات ما بعد الصراع، تحرص الحكومات على إعادة الأشخاص إلى ديارهم، والعمل مجدداً، وتسيير أمور الاقتصاد، وتلبية الاحتياجات الإنسانية وإعادة الإعمار، إلا أن الأمر يستحق أيضاً التفكير في هذه المخلفات السامة.”
ولسوء الحظ، غالباً ما تكون البيئة مصدر قلقٍ ثانوي بالنسبة للأشخاص الذين يستردون عافيتهم بعد الحرب. ففي لبنان على سبيل المثال، لا تزال معالجة النفايات مشكلةً منذ حوالي ثلاثة عقود بعد إنتهاء الحرب الأهلية عام 1990. وقال دوغ وير من مشروع المخلفات السامة للحرب لفَنَك: “دول ما بعد الصراع غير ملزمة فعلياً بالإمتثال للتوصيات الدولية المتعلقة بالبيئة.” وأضاف “تحتاج جميع هذه المشكلات البيئية إلى المال لمعالجتها، الأمر الذي قد يكون مكلفاً نوعاً ما.”
وفي الاجتماع الثالث الذي عقدته جمعية الأمم المتحدة للبيئة في الفترة ما بين 4-6 ديسبمر في العاصمة الكينية نيروبي، قدمت الحكومة العراقية مشروع قرارٍ لحماية البيئة من الأعمال الإرهابية بعنوان “السيطرة على التلوث في المناطق المتأثرة بالعمليات الإرهابية والصراعات المسلحة،” والذي يؤكد مجدداً على المبادىء والحقوق البيئية الأساسية، ويصف طبيعة المشكلة، ويقترح كيف يمكن لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والجهات الفاعلة الأخرى أن تساعد في معالجة الضرر الناتج عن مخلفات الحرب السامة ومساعدة الجيل القادم. تم تبنى القرار في 3 ديسمبر 2017، الأمر الذي من شأنه أن يرسل رسالة إيجابية إلى البلدان الأخرى في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع، والتي ستحتاج بالتأكيد إلى مساعدةٍ في المستقبل، مثل سوريا.