من المرجح أن تصبح عملية إعادة إعمار الموصل، الطويلة الأمد والتي ستكلّف مليارات الدولارات، وغيرها من المدن التي دمرت في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” ميداناً آخر تتنافس فيه القوى الإقليمية والعالمية على النفوذ في السنوات المقبلة، كما ستحدد ما إذا كان السلام سيعم على العراق.
فقد أعلنت القوات العراقية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة النصر على داعش في الموصل في 9 يوليو 2017، بعد معركةٍ طويلة استمرت ثمانية أشهر تركت مناطق واسعة من المدينة في حالة خراب. وقال المتحدث باسم البنتاغون، جيف ديفيس، في مؤتمر صحافي في واشنطن في أعقاب الانتصار للصحفيين أنه منذ عام 2014 استعاد التحالف 70% من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق و50% من الأراضي في سوريا. هذا ويتواصل القتال في مدينة الرقة في شرق سوريا. ومع ذلك، فإن إعادة المناطق التي كان يُسيطر عليها تنظيم داعش إلى حالتها السابقة التي كانت عليها مسألةٌ مختلفة تماماً، ومكلفة.
وحتى قبل هزيمة داعش في الموصل، كشفت الحكومة العراقية عن خطةٍ لإعادة إعمار المناطق المحررة تستمر لمدة عشر سنوات وبتكلفة 100 مليار دولار، والتي ستبدأ في العام المقبل، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح من أين ستأتي الأموال لتنفيذ الخطة. وقدر مسؤولون عراقيون مجموع الأضرار التي لحقت بالموصل بـ50 مليار دولار.
وتُقدر الأمم المتحدة أن إعادة الإعمار ستكلف، على المدى القصير، مليار دولارٍ على الأقل. وقالت ليز غراندي، ممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، أن الأمر سيكلف حوالي 470 مليون دولار لترميم البنية التحتية الأساسية بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس والمنازل في الأحياء التي تعاني من أشد الأضرار في غرب الموصل. وهناك حاجة إلى ما لا يقل عن 237 مليون دولار أخرى للأحياء الأقل تضرراً في غرب الموصل و370 مليون دولار أخرى لإعادة الإعمار في شرق الموصل.
وقالت غراندي أن صندوق الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في العراق قد تلقى حوالي 420 مليون دولار من المجتمع الدولي على مدى العامين الماضيين، وبدأ العمل بالفعل على مشاريع تشمل إصلاح محطات معالجة المياه والمحطات الكهربائية والمدارس ومرافق الرعاية الصحية، غير أن المبلغ الذي وفره الصندوق لا يستطيع تغطية تكلفة العمل المطلوب.
وقد ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية، التي شاركت بنشاط في جهود إعادة الإعمار في العراق منذ غزوها البلاد في عام 2003، بنحو 265 مليون دولار لجهود تحقيق الاستقرار خلال العامين الماضيين. كما أشار مسؤولون صينيون إلى نية الصين الإنخراط بدورٍ فعّال في إعادة الإعمار. وفي رسالةٍ إلى الرئيس العراقي فؤاد معصوم، تعهد الرئيس الصيني شى جين بينغ بتقديم 80 مليون يوان، أي حوالي 11,9 مليون دولار لاعادة الإعمار.
ولم تتعهد دول الخليج الغنية حتى الآن بأي مبالغ ولو بسيط لإعادة الإعمار، على الرغم من ان الكويت كانت قد أعلنت عن خططٍ لعقد مؤتمرٍ حول إعادة إعمار المناطق التي تم تحريرها من تنظيم داعش في العراق، بهدف جمع الأموال. كما بدأت قوى إقليمية أخرى، بما فيها تركيا وإيران، بالفعل، تقديم مقترحات للحكومة العراقية.
وذكرت وكالة الانباء الايرانية ان السفير الايراني في بغداد، ايرج مسجدي، التقى مع سليم الجبوري، رئيس البرلمان العراقي، “وبحثا سبل تمهيد الطريق لمشاركة ايران في إعادة إعمار العراق في مرحلة ما بعد داعش.” وأضاف التقرير أن “القطاعين الحكومي والخاص الإيراني في البلاد مستعدان للوقوف إلى جانب الشعب العراقي بنفس الطريقة التي قاما بها لمكافحة الإرهاب، ومساعدة البلاد على إعادة الإعمار،” على الرغم من عدم ذكر أي مبالغ للمساعدات.
وبحسب معهد الشرق الاوسط الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، ذكرت وكالة أنباء فارس التابعة لحرس الثورة الاسلامية الايراني، أنه يجب على إيران أن “تشارك بفعالية في إعادة إعمار الموصل وغيرها من المدن العراقية التي مزقتها الحرب وتصدير الخدمات التكنولوجية والهندسية الايرانية، وغيرها من السلع اللازمة في العراق… ومع وجود دبلوماسية اقتصادية نشطة مع العراق، لا ينبغي على الحكومة أن تسمح باستغلال هذه الفرصة الاقتصادية، بعد هزيمة داعش، من قبل دولٍ مثل أمريكا والسعودية التي لعبت دوراً في خلق داعش، أو تركيا، التي أطالت أمد الأزمة في العراق.”
وكتب عادل البديوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، والمحلل السياسي خير الدين المخزومي، في مقالٍ لمنصة الإعلام المستقل، OpenDemocracy، أن العراق يمكن أن يصبح موقعاً لمعركةٍ سياسية بين إيران والجهات الفاعلة الأجنبية بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران وتركيا.
وذكر المقال “مع تحرير الموصل، قد تستنتج إيران أنها لم تعد تستفيد من أي وجودٍ أمريكي في العراق. تمتلك إيران مجموعة واسعة من الوسائل لممارسة الضغط على صناع القرار السياسي الرئيسيين في العراق، وخاصة من خلال جهاتها الفاعلة غير الحكومية.” وأضاف “أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، تمتلك البلاد وسائلها الخاصة لإبعاد العراق من التحالف بشكلٍ وثيقٍ جداً مع إيران. ويمكن للمملكة أن تُحجم بشكلٍ سلبي عن دعم إعادة إعمار المناطق المحررة، أو أن تدعم بنشاط المجموعات والأحزاب التي تنوي زعزعة السلام وإعاقة العملية السياسية في العراق.”
فإيران تنشط بالفعل في عملية إعادة الإعمار في سوريا، حيث دعمت حزب الله الشيعي اللبناني الذي يدعم نظام بشار الأسد. وفي حلب، التي عانت من أضرار كارثية في خضم القتال بين القوات الموالية للحكومة والمتمردين، أنشأت إيران سلطةً خاصة لإعادة الإعمار، التي روجت لخططٍ لتجديد المدارس وغيرها من المرافق المدمرة في جميع أنحاء المحافظة.
وبغض النظر عن من سيمول جهود إعادة الإعمار في الموصل والمناطق الأخرى التي كانت تخضع لسيطرة داعش سابقاً، فمن المرجح أن يعوق الفساد وعدم الكفاءة والمشاكل الأمنية المحتملة، عملية إعادة الإعمار.
وكشف تقرير المفتش العام حول أكثر من 60 مليار دولار أمريكي أنفقتها الولايات المتحدة على مشاريع إعادة الإعمار في العراق من عام 2003 إلى عام 2013، عن العديد من حالات توقف المشاريع، والفساد، وعدم الكفاءة، وضعف التنسيق بين الولايات المتحدة والمسؤولين العراقيين. فعلى سبيل المثال، وجدت عملية تدقيق الحسابات لمرفقين للتخزين والتوزيع يديرهما أحد المقاولين بعض الأمثلة “الفظيعة على وجه الخصوص” للمغالاة في الفواتير من جانب المقاولين الفرعيين، إذ تم على سبيل المثال تحرير فاتورة بقيمة 900 دولار لمفتاح تحكم قيمته الأصلية 7 دولارات و3 آلاف دولار لقاطع التيار الكهربائي قيمته الأصلية 94 دولاراً.
وفي حالاتٍ أخرى، تخلفت مشاريع مهمة عن الجدول الزمني المحدد أو تخطت الميزانية، مثل مستشفى البصرة للأطفال في جنوب العراق، الذي اكتمل بعد أربع سنواتٍ من الموعد المحدد وانتهى الأمر بتكلفة 165 مليون دولار بدلاً من 50 مليون دولار المتوقعة أصلاً.
كما كانت جهود إعادة الإعمار الأخيرة في المناطق الأخرى المحررة من أيدي داعش في عام 2015 و2016 بطيئة الوتيرة. ففي الفالوجة، بقيت العديد من الأحياء غير قابلة للسكن بعد عامٍ من استعادة المدينة. وقال رئيس المجلس البلدي للمدينة لوكالة انباء اسوشييتد برس أنه في الوقت الذي بدأت فيه منظمات الإغاثة الدولية في إعادة بناء شبكات الكهرباء والمياه، لم تقدم الحكومة المركزية سوى القليل من الأموال لإعادة إعمار المنطقة.
وفى الموصل، يشعر البعض بالقلق من المماطلة في عملية إعادة الإعمار اذا ما تركت الأمور للحكومة العراقية. وقال الناشط في المجتمع المدني ماجد الحسيني للمونيتور، أنه على الرغم من مخاطر المشاركة الدولية، فإن عدم تأدية المنظمات الأجنبية دوراً قيادياً في إعادة الإعمار، “ستعيد الصراعات السياسية عمليات القتل إلى الشوارع.”
وأضاف “تتمركز الميليشيات الشيعية في المدينة، الأمر الذي تعتبره الأغلبية السُنية استفزازاً… كما يركز الأكراد أنظارهم على المناطق المتنازع عليها، [و] هناك صراعاتٌ بين السياسيين السُنة تخدم مصالحهم الشخصية.”