“أعذريني عن الفوضى،” هذا ما قاله عمر القطان أثناء جولة مراسلة Fanack في موقع بناء المتحف. لا زال هناك الكثير للقيام به، إذ لا يوجد حتى الآن مجموعة فنية، إلا أن منظر المتحف الفلسطيني الواقع في مدينة بيرزيت، وهي قرية في النصف الشمالي من الضفة الغربية الذي تحتله إسرائيل، وإطلالته، رائعة. يتناسب شكل المبنى المثلثي الشكل، الذي سُيفتتح في 18 مايو 2016 أمام الزوار، على نحوٍ ملفتٍ للنظر مع محيطه على قمة التلة، ففي الأيام الصافية، يمكن للمرء رؤية البحر الأبيض المتوسط بالقرب من تل أبيب. كما تعكس حديقة المتحف التقاليد الفلسطينية القديمة لزراعة النباتات والأشجار على المصاطب، فقد تم بالفعل زراعة أكثر من مائة شجرة زيتون. حتى وإن كان المتحف لا يحتوي بعد على مجموعات فنية، إلا أن المبنى نفسه جديرٌ بالزيارة.
وأوضح القطان أن المعرض الأول سيُفتتح في شهر أكتوبر. ومن الجدير بالذكر أن عمر القطان، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 51 عاماً، يعيش في بريطانيا ونشأ في لبنان، يشغل منصب رئيس فريق عمل المتحف الفلسطيني، حيث يمضي ما تبقى من وقته في صناعة وإنتاج الأفلام، ورئاسة المؤسسات الثقافية، فضلاً عن عمله في الشركة الهندسية المملوكة لعائلته ومقرها الكويت.
وأثناء تجولنا في المبنى، أخبرنا القطان عن خطة للتعاون مع متاحف أخرى في فلسطين وفي جميع أنحاء العالم. تتمحور الفكرة حول البدء بمعارض مؤقتة لقطع مستعارة، ليبدأ المتحف فيما بعد جمع مجموعته الخاصة، بشكلٍ تدريجي، من التحف والصور والمنحوتات واللوحات وأشرطة الفيديو. كل ما له علاقة بتاريخ فلسطين مرحبٌ به، ولربما يتضمن هذا معرضاً للصور العائلية وأشرطة فيديو حفلات الزفاف.
كلّف المتحف 28 مليون دولار، تم تمويلها بالكامل من القطاع الخاص، معظمهم من الفلسطينيين الأثرياء ولكن أيضاً من مانحين من الدول العربية الأخرى. وبسبب تشتت الشعب الفلسطيني، إذ لا يقتصر الأمر فقط على الفجوة الجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة بل أيضاً اللاجئين المشتتين في البلدان المجاورة وجميع أنحاء العالم، لن يقتصر المتحف فقط على المبنى القائم في بيرزيت. ووفقاً للقطان، تتمثل الفكرة في أنّ يكون المتحف “مركزاً له أفرع،” أو بالأحرى شبكة وليس مجرد مبنى، من أجل خدمة جميع المجتمعات الفلسطينية. هذا وسيُفتتح أول معرض للمتحف خارج فلسطين حول التطريز الفلسطيني في سياقه التاريخي في 25 مايو 2016 في بيروت. كما يأمل القطان تأسيس فرع للمتحف في قطاع غزة.
تبلورت الفكرة الأساسية لتدشين المتحف في عام 1997، إلا أن الانتفاضة الثانية، التي استمرت منذ عام 2000 إلى عام 2005، شكلّت عائقاً كبيراً. وفي عام 2008، تمت إعادة إحياء الخطة، التي نتج عنها المبنى الذي شارف على الانتهاء في بيرزيت. خضعت فكرة المتحف، كما يقول القطان، للكثير من النقاش “أراد الجيل الأكبر سناً أن يكون متحفاً عن النكبة،” وهي الهجرة الجماعية لأكثر من 700,000 فلسطيني الذين فروا أو طردوا من منازلهم فيما يُعرف الآن بإسرائيل في الحرب العربية الاسرئيلية عام 1948. وأضاف “إلا أنّ الجيل الأصغر- حيث كنت آنذاك أصغر سناً- أراد أن يكون المفهوم ذي نطاقٍ أوسع. ألا ننظر فقط إلى الوراء ونعيد إحياء الماضي، بل أن نقدّر الحياة والثقافة الفلسطينية.” نجح جيل الشباب بكسب النقاش، ولكن بطبيعة الحال، وكما يقول القطان، من الممكن بكل تأكيد أن يستضيف المتحف معرضاً حول النكبة.
سيُقام مثل هذا المعرض في القاعة الرئيسية للمتحف أو “المكعب الأبيض،” الذي يغطي مساحة 500 متر مكعب، والتي يمكن تقسيمها إلى غرف أصغر باستخدام الجدران المتحركة. وفي نهاية المطاف، سيوظف المتحف، أو يؤمل بأن يوظف، حوالي 42 شخصاً، كما سيكون هناك غرفة للتخزين يتم التحكم في درجات حرارتها ودائرة للمحفوظات، وبالتالي، سيكون المتحف أحدث منشأة لحفظ الفن في فلسطين. ويأمل القطان بمد جسور التعاون مع جامعة بيرزيت، المجاورة للمتحف. فعلى سبيل المثال، لا يحتاج طلاب جامعة بيرزيت سوى المشي لبضع مئاتٍ من الأمتار فقط لزيارة المتحف، كما يمكنهم استخدام ساحة المبنى للتعليم أو لتقديم عروضهم، بينما يمكن للمتحف الاستفادة من المرافق البحثية في الجامعة.
يمتلك القطان خططاً طموحة، فالمبنى مصمم بحيث يمكن توسعته ليتخطى حجمه الحالي مرتين ونصف. ومع ذلك، هناك العديد من العقبات، فعلى سبيل المثال، يعاني المتحف حالياً من نقص التمويل، إذ أن الوضع الكارثي الراهن في الشرق الأوسط يفاقم الأمر. ووفقاً للقطان، سيكون من الصعب أيضاً الحصول على القطع الفنية من الدول العربية الأخرى، ففي نهاية المطاف، ستصل هذه القطع إلى بيرزيت عبر مطار بن غوريون في إسرائيل، لذا يعتمد اقتناؤها على العطف الاسرائيلي.
وبالرغم من ذلك، يعتقد القطان أن المتحف سيقرّب الفلسطينيين من بعضهم البعض، على الرغم من تشتتهم اليوم، جغرافياً وسياسياً. ولعدم وجود أي ارتباط بأي من الفصائل السياسية الفلسطينية، التي تشتعل دوماً بصراعٍ مرير مع بعضها البعض، فإن قرارات المتحف مستقلة. “بالنسبة لي شخصياً، كفلسطيني، أعتبر المتحف تقديراً واحتفالاً بثقافتنا. تُراثنا غنيّ جداً.” ويأمل القطان أيضاً أن يزور الإسرائيليون المتحف. حسب القانون الاسرائيلي فان الاسرائيليين ممنوعون من دخول المنطقة (أ) حيث يقع المتحف. “ولكنهم سيرغبون بزيارة المتحف بكل تأكيد،” حسب القطان.
سيتم الافتتاح الكبير للمبنى في 18 مايو 2016 من قِبل مسؤولين فلسطينيين، يرافقه فعاليات مساء، وأيضاً، في نفس اليوم، سيتم إطلاق منصة المتحف الفلسطيني على شبكة الانترنت. في الأشهر الأولى، سينشغل المتحف بتدريب وتثقيف الموظفين، إلى أن يتم الانتهاء من تحضيرات المعرض الأول المقرر في شهر أكتوبر. ومع ذلك، يأمل القطان أن يجلب المتحف، في الوقت الحالي، الزوار الراغبين في الاستمتاع بجمال تصميم المبنى. ويقول القطان، أنه لم يكن من البديهي أن يبرز مشروع كهذا في خضم الاحتلال الاسرائيلي المتعمق والمتواصل، فضلاً عن الإحباط المتزايد الذي يعاني منه الشباب الفلسطيني، “خاصة بالنسبة لجيل الشباب، فمن الضروري أن يمتلكوا ما يفخروا به.”