بعد ست سنواتٍ من الحرب الأهلية في البلاد، تعتبر الحياة في سوريا متناقضة، فقد باتت بعض أحياء المدن أنقاضاً، بينما تعكس المقاهي والمطاعم والنوادي الليلية وحتى مجموعات البيع على الإنترنت مظهراً من مظاهر الحياة الطبيعية.
ففي أماكن مثل دمشق وغرب حلب، أشار النظام السوري إلى استمرار الحياة الليلة كدليلٍ على “العمل المعتاد،” على الرغم من أنّ الهجمات الأخيرة والقتال في المناطق التي يُسيطر عليها النظام في دمشق قد يُضعف هذا الإدعاء.
وفي سبتمبر 2016، ووسط القتال والقصف العنيف للقوات السورية والروسية على مناطق شرق حلب التي كان يسيطر عليها الثوار آنذاك، نشرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، المملوكة للحكومة، شريط فيديوعلى موقع تويتر يظهر مجموعة من محبي الحفلات يتراقصون على أنغام الموسيقى الصاخبة في أحد الملاهي الليلية. رافق نشر الفيديو وسم: #حلب، التي يطلق عليها اليوم “المدينة الأكثر خطورة في العالم،” لا تزال تفتخر بالحياة الليلية المزدهرة، كما يظهر جلياً في إحدى الحفلات الصيفية في # سوريا.
وعلى الرغم من أن الوسم تسبب بسخرية وغضب بعض الجهات، واصلت وكالة الأنباء الحكومية ووزارة السياحة نشر صورٍ لسوريين منخرطين فيما يبدو بأنشطةٍ طبيعية تظهرها الصور وأشرطة الفيديو المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي. كما يُظهر شريط فيديو جوي بعنوان “حلب، إرادة الحياة،” مشاهد لما تبدو عليه الحياة اليومية في شوارع المدينة والحدائق الخضراء والقلعة القديمة في المناطق التي لم يمسها القصف. كما أظهر مقطع فيديو آخر لـ(سانا) على تويتر مجموعة من الأشخاص يقومون بالتمارين الرياضية في حديقة تشرين في دمشق، والمنتجعات الشاطئية في طرطوس، ورحلات التنزه سيراً على الأقدام حول محافظة السويداء، بالقرب من الحدود مع الأردن.
وفي دمشق، تصوّر المواقع الإلكترونية السياحية العدد المتزايد للنوادي الليلية في المدينة. فقد أكدت شبكة بلدي الإخبارية المعارضة هذا الأمر، إلا أنها اشتكت في يوليو 2016 من أنّ المباني التاريخية في المدينة القديمة قد تحولت من مواقع ثقافية إلى “ملاهي ليلية وأوكار للبغاء.” وأضاف الموقع الإخباري أنّ هذه الأماكن يرتادها إلى حدٍ كبير أبناء ضباط الجيش وأعضاء الميليشيات الأجنبية، وأنه بينما بالكاد يستطيع الأشخاص العاديون شراء الخبز، “تقوم قوات الأمن والميليشيات بشراء المشروبات الفاخرة بمئات الدولارات.” ومع ذلك، تتضمن قائمة زبائن الحانات الجديدة الطلاب وغيرهم من الشباب ممن يبحثون عن مهربٍ من المشاكل الدائرة حولهم.
وفي مقالٍ مصوّر نشرته رويترز عن مشهد تنامي الملاهي الليلية في دمشق، قالت النادلة دينا دقاق (21 عاماً)، أن “الناس تعبوا من الحرب ويريدون فقط أن يعشيوا حياةً طبيعية، لذا يخرجون ويختلطون بالآخرين.” وكحال دقاق، فإن عدداً متزايداً من الموظفين- والزبائن على حد سواء- في الأماكن الجديدة هم من النساء، ذلك أن العديد من الشباب فروا خارج البلاد هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية.
ومع ذلك، فدمشق ليست بمأمن من العنف، كما يتبيّن من الهجمات الأخيرة التي ضربت المدينة واستهدفت قصر العدل في وسط المدينة ومطعماً شعبياً في منطقة الربوة، مما أسفر عن مقتل 31 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات. ومن المرجح أن يحث العنف المتجدد البعض على البقاء في منازلهم، كما أن معظم السوريين لا يستطيعون تحمّل هذا النوع من المصاريف على أي حال. ففي جميع أنحاء البلاد، يشعر السكان بالآثار المالية المترتبة على الحرب، إذ إنهار الإقتصاد وارتفعت أسعار جميع السلع بدءاً من الخبز وصولاً إلى أسعار الشقق.
فقد خلص تقريرٌ صادرٌ عن صندوق النقد الدولي حول الوضع الاقتصادي للبلاد، والذي صدر في يونيو 2016، إلى أنّ “النزاع أعاد البلاد عقوداً إلى الوراء من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.” وأشار التقرير إلى أنّ إجمالي الناتج المحلى للبلاد أقل من نصف ما كان عليه قبل بدء الحرب، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم ومعاناة السكان من “إنتشار البطالة والتشرد ونقص الغذاء والدواء وتدمير الخدمات العامة والبنى التحتية.” كما تبيّن أن أكثر من ثلثي السكان الباقين في البلاد يعيشون في فقرٍ مدقع ويحاولون الحصول على الضروريات الأساسية للحياة.
ووفقاً للموقع الإلكتروني المستقل، عنب بلدي، فإن النساء في حي الوعر المحاصر في حمص، حيث بدأت مؤخراً عمليات الإجلاء، واللواتي اعتدن على الجلوس معاً صباحاً لاحتساء القهوة، يجتمعن اليوم في الشوارع أثناء بحثهنّ عن حطب للمواقد، ذلك أن مشتقات النفط والغاز لم تعد خياراً متاحاً. وحتى في دمشق، يعاني السكان للتأقلم مع الإرتفاع الكبير في الأسعار التي قفزت منذ بداية الحرب. ويُقدر موقع عنب بلدي أن الإيجارات إرتفعت بنسبة 300% من عام 2010 إلى عام 2016، نتيجةً لانخفاض قيمة الليرة السورية وتدفق النازحين الذين فروا إلى المدينة هرباً من القتال في مناطقهم. فقد أدت العقوبات وتدمير الكثير من البنى التحتية في البلاد إلى خفض الصادرات والواردات لتصبح اليوم تمثل جزءاً بسيطاً من مستواها قبل الحرب. وعلاوة على ذلك، فقد سيطرت الجماعات المسلحة على الأراضي الزراعية لاستخدامها كورقة مساومة. ومع ضعف محصول القمح العام الماضي، ارتفع سعر المواد الغذائية ارتفاعاً حاداً.
ووجد تقريرٌ صادرٌ عن ريتش، وهي مبادرة مشتركة بين منظمتين غير حكوميتين وبرنامجٍ للأمم المتحدة، أنّ متوسط سعر الخبز في شمال سوريا ارتفع بنسبة 38% بين شهري يناير وأغسطس 2016. وعلى مدى العامين الماضيين، رصدت مراقبة ظروف السوق “إرتفاع أسعار المواد الغذائية، في غالبية الأشهر، وإرتفاع أسعار الصرف، فضلاً عن إرتفاع تكلفة المعيشة بشكلٍ متزايد على الأسر السورية.” وأشار التقرير أيضاً إلى أن سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يحصلون على بعض الإعانات على السلع الأساسية، ولكن منذ عام 2014، خفضّت الحكومة الإعانات على الخبز والأرز والسكر والماء وأغلقت المخابز الحكومية في مناطق المعارضة. وفي الوقت نفسه، ازدهرت سوقٌ سوداء، تبيع السلع الفاخرة مثل الحلويات المستوردة والسجائر.
أما في المناطق القليلة التي يتمتع فيها السكان بإمكانية الوصول إلى الإنترنت بشكلٍ متواصل، نشأت الأسواق عبر الإنترنت لشراء وبيع السلع مثل الملابس والأثاث من خلال مجموعات الفيسبوك. توفر هذه المنتديات على الانترنت راحة من العديد من نقاط التفتيش التي يواجهها الزبائن أثناء تنقلهم عند التسوق حالياً، إلى جانب كونها منفذاً للبائعين غير القادرين على تحمل التكاليف المالية للمحلات التجارية.