تتبارز قطر مع منافسيها الخليجيين لتكون عملاق عالم الرياضة، منفقةً مليارات الدولارات على رعاية الأندية الشعبية واستضافة البطولات الكبرى. وحتى الآن، حازت الإمارة الصغيرة على الجائزة الكبرى. فعلى الرغم من كونها اليوم دولةً منبوذة في مجلس التعاون الخليجي، بسبب دعمها المزعوم للإرهاب، إلا أن قطر تستعد لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022، الذي من المفترض أن يُعليّ من مكانة البلاد على الصعيد العالمي.
إلا أنّ إنجاز هذه المهمة له ثمنه. فلا يقتصر الأمر فحسب على إنفاق قطر 200 مليار دولار على البنية التحتية والخدمات اللازمة للبطولة، بل إن مئات العمال الوافدين العاملين في مواقع البناء يموتون كل عام جرّاء الإرتفاع الكبير في درجات الحرارة، وذلك وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش. كما يعوّق أيضاً الحصار الأقليمي على قطر، والذي فرضته كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين، والذي بدأ في يونيو 2017 ولا توجد أي مؤشراتٍ على رفعه قريباً، قدرة البلاد على استيراد المواد واللوازم الضرورية.
فكأس العالم له من الأهمية ما دفع بالقائد العام لشرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، إعلان إلى أن الحصار سينتهي إذا ما تخلت قطر عن إقامة الحدث. وبطبيعة الحال، لا يملك الفريق خلفان، كلمة الفصل عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة، بيد أن كلماته تؤكد على الأهمية التي تعلقها كبار الشخصيات الخليجية على الحدث.
فقد كتب الصحفي جيمس دورسي لموقع فير أوبزيرفير، وهي منظمة إعلامية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، أن الإمارات لن تتوقف عن محاولة تجريد قطر من كأس العالم. وكثيراً ما أشارت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مزاعم سابقة بالفساد في عرض قطر لاستضافة كأس العالم. وفي نهاية المطاف، فُندت هذه المزاعم بعد أن نشر الإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) تقرير مايكل غارسيا، الرئيس السابق للجنة التحقيقات بملف الفساد، في العام الماضي بالكامل.
ومع ذلك، أثيرت الشكوك مرةً أخرى عندما سرّب الاستشاريون في مؤسسة كورنرستون العالمية تقريراً لهيئة الإذاعة البريطانية، قيّم تأثير الحصار. وذكرت هيئة الاذاعة البريطانية إن التقرير ذكر شكوك دبلوماسيين غربيين حول قدرة قطر استضافة البطولة كما هو مقرر في ظل الأزمة السياسية الحالية.
وادعى مؤسس مؤسسة كورنرستون العالمية، غانم نسيبة، أن أياً من الدول المشاركة في الحصار موّلت التقرير. وقال لصحيفة ذي تيليغراف، “أعدّ التقرير بشكلٍ موضوعي من قِبل أشخاص تواجدوا في قطر وتحدثوا إلى الأشخاص على أرض الواقع هناك.” وأضاف “لا يوجد أي دافع سياسي لذلك.”
ومع ذلك، من الواضح أن الخلاف الدبلوماسي يضرّ بعالم الرياضة في قطر بطرقٍ أخرى. فقد تم حظر قناة بي إن (beIN) المملوكة للدولة، والتي تعد واحدة من أكبر شبكات التلفزيون الرياضية في العالم، لمدة ستة أسابيع أمام المشتركين في الإمارات العربية المتحدة بعد بدء المشاحنة في يونيو الماضي. كما أغلقت المملكة العربية السعودية متاجر أولئك الذين يبيعون اشتراكات شبكة بي إن سبورت.
كما هدد الحصار مكانة قطر باعتبارها واحدةً من أكبر مزودي الشرق الأوسط بالألعاب الرياضية رفيعة المستوى. وإلى جانب ذلك، رفضت دول الحصار دخول طواقم قناة بي إن سبورت إلى أرضيها، مما منع الشبكة من أداء دورها كمضيفٍ عالمي لأحداث مثل ألعاب الاتحاد الآسيوي. وخلال ذلك الحدث، رفض اللاعبون والمدربون من الدول المنافسة التحدث مع صحفيي الشبكة.
وإذا ما استمر هذا الاتجاه، يمكن أن تفقد شبكة بي أن الآلاف من المشتركين المتعصبين. وفي الوقت نفسه، تحاول دولة الإمارات العربية المتحدة تحويل نفسها إلى ملاذٍ رياضي، إذ كشفت دراسة نشرت في عام 2015 من قبل شركة ديلويت، وهي شركة محاسبة واستشارات متعددة الجنسيات، أن مليون متفرج يشاهدون الرياضة سنوياً في دبي وحدها، أي أكثر من 30% من السكان.
بل ما يُثير الإعجاب أكثر، وفقاً للدراسة نفسها، هو أن المدينة توّلد حوالي 407 ملايين دولار من صفقات الرعاية والإيرادات السياحية المرتبطة بالأحداث الرياضية التي تستضيفها. ويأتي ما لا يقل عن 250 مليون دولار من هذا المبلغ من الأحداث الرياضية السبعة الكبرى التي تستضيفها كل عام. منها على سبيل المثال، كرنفال كأس العالم في دبي – وهو سباقٌ للخيول يستضيف بعض أكثر المنافسين شهرةً في العالم – ويعدّ من بين أكثر الأحداث الرياضية المُعلن عنها.
كما تتباهى أبوظبي بمجال الرياضات البارزة منذ إطلاق حملةٍ في عام 2014 تهدف إلى جعلها عاصمةً رياضية عالمية. ففي السنوات الثلاث الماضية، دعت الفرق الدولية إلى استخدام مرافقها واستضافت منافساتٍ عالمية. وتشتمل قائمة الأحداث الرياضية القادمة على استضافة كأس أمم آسيا لكرة القدم في عام 2018 والأولمبياد الخاص في عام 2019.
وبدرجةٍ أقل، تتمتع مملكة البحرين الصغيرة أيضاً بمهشدٍ رياضي مرموق بفضل جائزة البحرين الكبرى لسباق الفورمولا واحد. وعلى الرغم من أن استضافة هذا الحدث مكلف بشكلٍ استثنائي، إذ يقال إن تكلفته تصل إلى 40 مليون دولار، ترى فيه الأسرة الحاكمة باعتباره فرصةً لترويج البلاد إلى العالم. ومع ذلك، قد يكون رد الفعل القمعي على الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد منذ عام 2011 أضر بصورة البلد بما لا يمكن إصلاحه.
ومرةً أخرى، لم يُثني ذلك لا محبي الفورميلا واحد ورعاتها، ولا حتى عشاق سباقات السيارات، عن مشاهدة وحضور جائزة البحرين الكبرى في السنوات الأخيرة. كما تعاونت البحرين مع دولة الإمارات العربية المتحدة في الماضي لمقاطعة المنافسات الرياضية التي أقيمت في قطر. ففي عام 2015، رفض البلدان المشاركة في بطولة العالم لكرة اليد، منوهين إلى خلافٍ دبلوماسي سابق في ذلك الوقت.
وبعد عامين، كان لدى مشجعي الرياضة في البحرين والإمارات العربية المتحدة سبباً للاحتفال، فقد تأهل فريق الدراجات من كلا البلدين وشاركا في سباق طواف العالم للدراجات المرموق الذي أقيم عام 2017.
فقد عقد سباقٌ في البحرين، حيث ضم فريق البحرين ميريدا للدراجات الهوائية، الذي يأمل الأمير ناصر بن خليفه بتطويره ليصبح أحد أفضل فرق الدرجات الهوائية في العالم. كما يمتلك فريق الإمارات أيضاً طموحاتٍ كبيرة، وذلك بعد أن وقع كل من بطل أوروبا الكسندر كريستوف والبطل الإيطالي فابيو أرو عقداً مع الفريق. وقال المدير العام للفريق، كارلو ساروني، لمجلة سيكلينغ نيوز، إن هدفهم يتمثل بالفوز بالجائزة الكبرى وأن يصبح واحداً من أفضل الفرق بحلول عام 2020.
بيد أن طريق الهيمنة الرياضية لم يكن سلساً بالنسبة للمملكة العربية السعودية. ففي أواخر عام 2017، اندلع الجدل حول بطولة كأس الملك سلمان للشطرنج في المملكة المحافظة للغاية، التي كانت الدولة الوحيدة التي عرضت استضافة هذا الحدث. فقد حرم اللاعبون الإسرائيليون من الحصول على تأشيرة، في حين قاطعت بطلة منافسات النساء آنا موزيتشوك، البطولة بسبب المعاملة المهينة للمرأة في المملكة.
وكتبت في منشورٍ لها على الفيسبوك أنها لا تستطيع التنازل عن مبادئها من أجل الحصول على فرصةٍ لكسب الكثير من المال. بل قد تجبر هذه الفضيحة الاتحاد الدولي للشطرنج، على إلغاء عقد الثلاث سنوات الذي أبرمته مع المملكة العربية السعودية. كما انسحب أيضاً اللاعبون القطريون بعد أن قيل لهم أنه ليس بمقدورهم رفع علم بلادهم في البطولة.
تلتزم كلٌ من المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة بعزل الإمارة الصغيرة بكل سبيلٍ يمكن تخيله. إلا أن دورسي يعتقد أن الجهود الرامية إلى تقويض صناعة الرياضة في قطر قد تعود بنتائج عكسية. وإذا ما افترضنا المضي قدماً بمنافسات كأس العالم لكرة القدم في قطر عام 2022، قد يُمنع الملايين من مشجعي كرة القدم من العالم العربي من قبل حكوماتهم من الحضور. وإذا ما حدث ذلك، سيكون القطريون من يضحك أخيراً.