وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاقتصاد الجزائري يواصل شق طريقه بصعوبة في إطار جهود التنويع

Algeria-Algiers
سيارات تسير في احد شوارع العاصمة الجزائر، الجزائر. Photo AFP

تستمر صدمة أسعار النفط منذ عام 2014 بتحدي استقرار الاقتصاد الكلي في الجزائر في عام 2018، حيث لا تزال ميزانية الدولة والميزان التجاري متأثران بشدة باعتماد البلاد على صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي. وعلى الرغم من أن سعر السوق للهيدروكربونات آخذٌ في الارتفاع منذ ديسمبر 2017، حيث وصل سعر برميل النفط إلى 67 دولاراً في أوائل أبريل، إلا أن الاقتصاد الجزائري لا يزال شديد التقلب.

ومنذ عام 2016، نفذت الحكومة الجزائرية برنامجاً محدوداً للتقشف في محاولةٍ للحد من عجز الموازنة وكذلك تراجع احتياطيات العملات الأجنبية، التي انخفضت من 195 مليار دولار في عام 2014 إلى 97 مليار دولار في ديسمبر 2017. وبعد فرض حظرٍ على استيراد 851 سلعة غير أساسية عام 2016، انخفض العجز التجاري الجزائري إلى 410 ملايين دولار في يناير 2018، مقارنةً بـ1,1 مليار دولار في يناير 2017. كما تنوي الحكومة خفض فاتورة الواردات إلى 30 مليار دولار في عام 2018، مقارنةً بـ 46,7 مليار دولار في عام 2016.

وعلى الرغم من نجاح هذه التدابير في إبطاء تراجع احتياطيات العملة الأجنبية في الجزائر، إلا أنها تسببت في نقص السلع الاستهلاكية ورفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الحليب ومنتجات الألبان، مما غذى الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية.

وبالرغم من ذلك، أبقت الحكومة على برنامج التقشف وترفض باستمرار تبني سياسة ليبرالية جديدة أكثر صرامة، ذلك أن النخبة الحاكمة في الجزائر لها تاريخٌ بمعاداة التدخل الأجنبي في السياسة الداخلية والاقتصاد. وبالتالي، لجأت الحكومة إلى البنك المركزي، الذي يغمر البلاد “بأموال سهلة” لتغطية عجز الميزانية بدلاً من الاقتراض الخارجي، وهي استراتيجية انتقدها صندوق النقد الدولي ومن المتوقع أن تغذي معدلات التضخم.

وفي الوقت نفسه، ترسل الفصائل السياسية المتنافسة في الجزائر رسائل متضاربة حول كيفية تعامل الحكومة مع الأزمة الحالية. ففي حين يشجع رئيس الوزراء أحمد أويحيى، زعيم ثاني أكبر حزب في الجزائر، التجمع الوطني الديمقراطي، نهج تقشفٍ أكثر صرامة وتخفيض دعم الغذاء والوقود وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، لا تزال جبهة التحرير الوطني، بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تعادي مثل هذه التصرفات.

فقد توصل أويحيى إلى اتفاقٍ مع اتحاد نقابات العمَّال، الذي تسيطر عليه الدولة، الاتحاد العام للعمَّال الجزائرين، ومنتدى رجال الأعمال في الجزائر، الذي يتمتع بالقوة، حول برنامج خصخصة الشركات العامة في ديسمبر 2017، إلا أنه اضطر إلى التراجع بعد تدخل الرئيس الحالي لجبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، ورفضه أي محاولة لبيع الأصول العامة. وبعد أن عقد ولد عباس اجتماعاً مع الاتحاد العام للعمَّال الجزائرين ومنتدى رجال الأعمال في الجزائر في أوائل يناير، وبخه بوتفليقة علناً بسبب خططه للخصخصة.

وعلى الرغم من أن المفاوضات بشأن تحرير قطاع الهيدروكربونات لا تزال مستمرة، حيث تعتزم الجزائر جذب الاستثمارات الأجنبية من أجل توسيع إنتاجها الهيدروكربوني.

Algeria Economy Update 1024 AR 408x1024 1
المصادر: World Bank Dara, IMF, IndexMundi, countryeconomy.com, atlas.media.mit.edu.اضغط للتكبير. @Fanack ©Fanack CC BY 4.0

إلا أنه من غير المحتمل أن يتمكن المستثمرون غير الجزائريين من الحصول على حصة الأغلبية في الشركات العاملة في البلاد. فقانون المالية لعام 2009 يسمح للمستثمرين الأجانب فقط بالسيطرة على ما يصل إلى 49% من أي مشروعٍ صناعي، في محاولة للحفاظ على السيادة الوطنية على الاقتصاد.

وفي الوقت نفسه، لا تزال لعبة الشد والجذب حول الاستراتيجية الاقتصادية للبلاد تُلقي بظلالها على التعيينات الحكومية. ففي شهر مارس، سرت شائعاتٌ حول إقالة أويحيى المحتملة، وسط خلافاتٍ مزعومة بينه وبين عشيرة بوتفليقة حول تعامل الحكومة مع الأزمة. وفي 4 أبريل، أعلن بوتفليقه عن تعديلٍ حكومي محدود، حيث استبدل 4 وزراء في حكومة أويحيى، إلا أنه لم تتم إقالة أويحيى نفسه.
أحد أولئك الذين غادروا الحكومة كان محمد بن مرادي، وزير التجارة، وهو منصبٌ رئيسي لبرنامج التقشف. ولا يزال سبب إقالته غير واضح ولكن قد يكون مرتبطاً بعزمه إلغاء حظر الاستيراد جزئياً أو دعوته الأخيرة لخفض قيمة الدينار، وفقاً لموقع TSA Algérie الإخباري. ويبقى تخفيض قيمة الدينار خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه من قِبل شخصيات النظام المرموقة وحتى البنك المركزي. فقد وعد الأخير مراراً وتكراراً بالحفاظ على استقرار سعر الصرف، حيث أن أي تخفيض إضافي للقيمة سيزيد من التضخم والاضطرابات الاجتماعية.

كما أشار التعيين المفاجىء لمحجوب بدة وزيراً للعلاقات مع البرلمان إلى وجود صراعٍ داخلي على السلطة. فقد انضم بدايةً إلى مجلس الوزراء في ربيع عام 2017، عندما قام بوتفليقة بتعديلٍ حكومي كبير. إلا أنه تمت إقالة بدة إلى جانب عبد المجيد تبون، رئيس الوزراء الجديد آنذاك، بعد 80 يوماً فقط على توليه منصبه. ويُشير تعيين بدة إلى أن لعبة الشد والجذب حول السياسات الاقتصادية في البلاد بعيدة كل البعد عن النهاية وتُفاقم حالة عدم اليقين بشأن الاستراتيجية العامة للحكومة في الأشهر المقبلة.

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها عام 2019، ومواصلة تحدي الاضطرابات الاجتماعية، لا سيما في قطاعي الصحة العامة والتعليم، لجدول الأعمال الحكومية، يضطر الجناح المؤيد للتقشف في النظام إلى تقديم تنازلات.

وعلاوة على ذلك، فشلت الجهود الرامية إلى تنويع الاقتصاد بعد صدمة أسعار النفط عام 2014 إلى حدٍ كبير. فعلى الرغم من إطلاق العديد من المشاريع الصناعية مثل المصانع ومحطات التجميع في السنوات الأخيرة، إلا أن تأثيرها على خفض العجز التجاري واستبدال الواردات من الإنتاج المحلي لا يزال منخفضاً. ومعظم هذه المصانع هي مشاريع مشتركة بين شركات جزائرية وأجنبية مثل مصنع النسيج الجزائري- التركي (Tayal- SPA)، حيث أعلن عن بناء مصنع ضخم للنسيج في المنطقة الصناعية بسيدي خطاب. ومن المقرر أن يبدأ مصنع تجميع الألواح الشمسية في مدينة ورقلة الإنتاج في يوليو 2018، في حين أعلنت شركة دولسيسول الإسبانية عن استثمارٍ كبير في مصنع لتصنيع المخبوزات في غرب الجزائر.

ومن المقرر أن تؤدي هذه المشاريع إلى خلق فرص عملٍ وتقليص فاتورة الواردات وتعزيز الصادرات، ولكن في كثير من الحالات تظل آمال تحقيق هذه الأهداف موضع شك. وينطبق هذا بشكلٍ خاص على صناعة تجميع السيارات، التي روجت لها الحكومة الجزائرية بكثافة في العقد الماضي. ففي حين أن العديد من الشركات الأجنبية، مثل رينو وديملر، قد أنشأت مصانع لتجميع السيارات في الجزائر في السنوات الأخيرة، أعلنت شركة Groupe Mazouz في أبريل 2018 أن مصنع تجميعها للحافلات والشاحنات الصينية بات جاهز للإنتاج. وعلى الرغم من أن هذه المصانع تخلق الآلاف من فرص العمل الجديدة، إلا أن فاتورة الاستيراد لم يتم تخفيضها بشكلٍ كبير لأن هذه المصانع تعتمد على قطع الغيار المستوردة. فقد تم إطلاق حملة لمقاطعة السيارات المصنعة في الجزائر، التي تعدّ أغلى ثمناُ من السيارات المستوردة، في أوائل عام 2018 مما شكل ضربة كبيرة للصناعة بأكملها.

ومع أن استراتيجية إنشاء العديد من مصانع التجميع شبه الصناعية لم تحقق النتيجة المتوقعة، إلا أن الجزائر تسعى مرةً أخرى إلى التوسع في صادرات السلع الأساسية. وتعتزم الحكومة زيادة الاستثمار في قطاعي النفط وغاز الصخر الزيتي، كما أعلنت عزمها على زيادة إنتاج الفوسفات من 2 مليون طن سنوياً إلى 15 مليون طن سنوياً بحلول عام 2020.

قد يحسّن تصدير المزيد من السلع الميزان التجاري الجزائري، بيد أن هذه الصناعات لا تخلق وظائف كافية لتلبية الطلب المحلي وبالتالي من المستبعد أن تخفف من حدة التوترات الاجتماعية.