وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

البحرين عام 2018: المال له قوته

Bahrain- Elections bahrain قوة المال البحرين
ناخبون بحرينيون يقفون خارج أحد مراكز الاقتراع في المحرّق، شمال المنامة، في 24 نوفمبر 2018، بينما ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات البرلمانية. Photo AFP

في منتصف ديسمبر 2018، أي قبل أيامٍ من الإحتفال باليوم الوطني في البحرين، أضيئت المباني الشاهقة بالعاصمة المنامة بأضواء باللونين الأبيض والأحمر بقيمة ملايين الدولارات. ينطبق ذات الشيء على الآلاف من أشجار النخيل المشذبة بعناية والتي تُزيّن الطرق الرئيسية. كما تزينت كل إشارة مرور وتقاطع بلوحةٍ إعلانية ضخمة تهنىء الملك وولي العهد ورئيس الوزراء. وترفرف الأعلام الحمراء والبيضاء فوق المباني الحكومية والمنازل في الأحياء السُنيّة.

بيد أننا لا نرى أياً من هذه المظاهر الاحتفالية في القرى الشيعية، التي تصل إلى قرابة الـ30 قرية منتشرةً في جميع أنحاء الجزيرة. هناك، ترفرف الأعلام السوداء التي تركت منذ شهر محرّم، إلى جانب ملصقاتٍ لرجال الدين والأولياء الشيعة. لا يمكن رؤية الأضواء الاحتفالية في أي مكانٍ هناك.

“من الواضح أن الحكومة لا تنفق فلساً واحداً لزخرفة قراها،” كما قال أحد زعماء المجتمع البارزين من البحارنة (كما يسمي سكان الشيعة الأصليون أنفسهم)، الذي طلب عدم الكشف عن هويته. كما أنه لا يلومهم، معترفاً بأن الأمر مضيعةٌ للمال، ومعتبراً أن البحارنة لا يملكون الكثير للاحتفال به هذه الأيام.

إذا ما تغيّر شيء فهي أوضاعهم التي ازدادت سوءاً، فالتمييز في قطاع العمل آخذٌ في الارتفاع، كما يتم إسكات أعضاء المعارضة وتجريدهم من جنسيتهم. القرى مهملة، والطرقات والمنازل تفتقر إلى الصيانة، كما باتت المزيد والمزيد من الأراضي العامة، مثل الشواطىء، تقع في أيدي القطاع الخاص، مما يعوّق وصول القرويين.

فقد قاطع الكثيرون الإنتخابات الأخيرة لبرلمانٍ لا حول له ولا قوة، على الرغم من أن الحكومة التي يهيمن عليها السنة حاولت بذل قصارى جهدها لجذب الناس إلى صناديق الاقتراع. كان يتم هذا تحت الضغط، “إذا قمت بالتصويت، ستحصل على ختمٍ على جواز سفرك. دون هذا الختم، يتم الإفتراض أنكم جزءٌ من المعارضة، وهناك العديد من الأماكن في الحكومة التي يتعين عليك فيها إظهار جواز سفرك.”

ولكن، لماذا تستمر الحكومة في معاداة واستبعاد غالبية السكان الأصليين؟ قد يكون المال أحد الأسباب الجذرية لذلك. ففي بلدٍ مفلسٍ تقريباً، قد يتساءل المرء من أين تم إنفاق الأموال على هذه الزخارف والإضاءة. أو مثلاً من أين تم بناء المراكز التجارية الفاخرة مثل ذا أفينيوز ومول المملكة، أو فنادق الخمس نجوم والمجمعات السكنية الفارهة.

الجواب: بأموالٍ من الخارج، معظمها من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت. هذه الدول السُنيّة كانت تدعم، إلى حدٍ كبير، اقتصاد البحرين المتداعي لعدة سنوات من خلال ضخ مليارات الدولارات.

يتم تمويل مراكز التسوق وغيرها من المشاريع المرموقة من قبل مستثمرين من القطاع الخاص، ومعظمهم من نفس البلدان (وبعضهم من الهند). مجمع الأفينيوز، على سبيل المثال، هو مشروعٌ كويتي، ويقال أن مول المملكة هو استثمارٌ إماراتي. فبعد الانتفاضة الفاشلة في عام 2011، تمكنت البحرين من جذب استثماراتٍ أجنبية مباشرة كبيرة.

ولكن من الذي ينفق بالفعل الأموال في مراكز التسوق والفنادق هذه؟ “بالنسبة لمعظمنا، هذه المراكز التجارية باهظة الثمن،” بحسب ما قاله الزعيم آنف الذكر. فهو يتذكر افتتاح ايكيا في وقتٍ سابق من هذا العام، “لسببٍ ما، منتجات ايكيا هنا أكثر تكلفةً من فرعها خلف الحدود في المملكة العربية السعودية. جميعنا نذهب إلى هناك بالسيارات. نحن نفكر ملياً بالأموال التي ننفقها.”

فقد بات من الواضح أثناء تجولنا في الأفينيوز أن معظم الزوار من السعودية، إذ قال زوجان كبيران في السن يتجولان على طول الواجهة البحرية إن أحد عوامل الجذب الرئيسية هو درجة الحرية الأكبر هنا. لم يعد الشباب فقط من يعبرون الجسر بين البلدين لتناول المشروبات ومرافقة الفتيات، فقد أصبحت البحرين وجهة عائلية أيضاً.

هناك حاجة ماسة للعملة الأجنبية، لكن اعتماد البلاد على مصدرٍ أو اثنين (يلعب الإماراتيون دورهم أيضاً) أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر السياسية. فقد أصبحت البحرين بالفعل الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية، إذ بات بقاؤها معلقاً بالحكومة السعودية والمستثمرين السعوديين والسياح السعوديين.

ومع اعتماد القطاعين العام والخاص بكثافة على الأموال من هذا الجار بعينه، فليس من المستغرب ألا تستطيع عائلة خليفة الحاكمة التفكير في السعي إلى التقارب مع الأغلبية الشيعية. فالمملكة العربية السعودية لن تدع هذا يتم دون عقابٍ أيضاً. يحتاج المرء فقط إلى التفكير في قطر، التي واجهت حصاراً برياً وبحرياً تقوده السعودية منذ منتصف عام 2017، لإدراك الخطر. فالبحرين لا تملك المال لتحمّل غضب هذا الجار، وبالتالي فالأمر غير واردٍ على الإطلاق.

قد يأتي الإنقاذ المحتمل من حقول النفط البحرية المكتشفة حديثًا، على الرغم من أن الإنتاج سيحتاج لسنواتٍ قبل أن يوّلد دخلاً ذو أهمية. ويبقى أيضاً أن نرى من سيستفيد من هذا “الذهب الأسود.” هل سيخدم السكان الشيعة الفقراء؟

هذا ممكن، ولكن بشرطين: أولهما، نية حقيقية من آل خليفة لإيجاد حلٍ سلمي للأغلبية الساخطة؛ وثانياً، يجب أن يولد النفط ما يكفي من المال لتصبح البلاد مستقلة مالياً. فيما يتعلق بالشق الأول، كانت هناك دلائل في الماضي أن النية موجودة، على الأقل لدى البعض في الحكومة. أما بالنسبة للشق الثاني، إن لم يكن المال كافياً، سيواصل الجيران تقديم المال وإملاء سياسات البلاد. وعلى هذا النحو، سيبقى آل خليفة دون حولٍ ولا قوة.

ومن الناحية النظرية، يمكن لهذا العجز أن يعود بالفائدة على الشيعة، ففي نهاية المطاف، سيضر خلق اضطراباتٍ بالحكومة، وبالتالي، سينأى المستثمرون الجدد والسائحون بأنفسهم عن البلاد، ولن يتم إنجاز المشاريع وما إلى ذلك. ومع ذلك، كما أشار الزعيم السابق، “لدينا فقط إطارات السيارات والحجارة، بينما تمتلك الحكومة قواتٍ أمنية هائلة.” وبالإضافة إلى ذلك، يجلس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على بُعد جسرٍ عن البلاد.