وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حرق المحاصيل في العراق وسوريا قد تكون بداية كارثةٍ أكبر

Specials- Wheat syria
حقل قمح في سوريا. Photo AFP

في العراق وسوريا، تُدمر الحرائق محاصيل القمح والشعير والعدس. قد تنحى باللائمة في ذلك على خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن لا ينبغي استبعاد العوامل الأخرى.

كان هطول الأمطار غزيراً في شمال البلدين خلال فصل الشتاء، حيث وصل إلى مستوياتٍ لم يشهدها منذ عقدين على الأقل، إذ كانت دلالةً تبعث على الأمل لدى المزارعين، الذين تنبأوا بالمحاصيل الجيدة والدخل الذي تمس الحاجة إليه في ظل مناخ اقتصادي قاسٍ.

ظهرت أولى التقارير عن الحرائق في منتصف شهر مايو، عندما قال المزارعون في منطقة مخمور العراقية إن مقاتلي داعش طلبوا ضرائب منهم وأشعلوا النار في محاصيل أولئك الذين لم يمتثلوا. وفي نفس الوقت تقريباً، تم إشعال النار في الحقول في محافظتي ديالى وصلاح الدين، حيث تأثر المزارعون الأكراد بشكلٍ أساسي. كما تأثر الشمال والشمال الشرقي من سوريا، حيث فقد داعش ما تبقى من أرضه وتجرأ المزارعون على زراعة المحاصيل مرة أخرى.

بعد فترةٍ وجيزة، أعلن منفذ النبأ الإخباري التابع لتنظيم داعش على الإنترنت مسؤوليته عن الحرائق في أربع محافظات عراقية وفي محافظة الحسكة في سوريا.

الديناميات السياسية

سرعان ما بدأت المشكلة تنتشر، بما في ذلك في المناطق السورية التي لم يسيطر عليها داعش من قبل. ومن بينها محافظة إدلب، آخر معقلٍ للمعارضة السورية، حيث كثفت روسيا حملتها الجوية بالقنابل نيابةً عن نظام بشار الأسد. ومنذ حوالي ثلاث سنوات، استخدم النظام الزراعة للتلاعب بالمقاتلين والمدنيين في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون وإجبار المتمردين على الاستسلام. يبدو أن حرائق إدلب سلاح حربٍ مماثل.

قد يكون هناك ديناميكية أخرى في اللعبة أيضاً، المرتبطة جزئياً بالصراع. ففي سوريا على وجه الخصوص، قُتل أو شُرّد الكثير من الناس ولا يزال قلة منهم يتمتعون بتجربةٍ زراعية. فقد قال أحد المزارعين”الأشخاص الذين يستعملون الحصّادات حالياً جدد في هذا القطاع. أحياناً يقوم هؤلاء السائقون بإلقاء السجائر في حقول القمح لأنهم لا يعرفون عواقب ذلك،” وأضاف “يعرف المتمرسون في المهنة أن عليهم حمل زجاجات المياه لإطفاء السجائر.”

لا تساعد تأثيرات التغير المناخي كذلك: أنتج الشتاء الرطب محصولاً جيداً، إلا أن الينابيع الحارة جففت التربة والغطاء النباتي. نتيجةً لذلك، يمكن أن تسبب شرارةٌ ما انتشار الحريق بسرعة. قد يتم إشعال الشرارة بأعقاب السجائر، أو قطعة من الزجاج ملقاةٍ في حقل ما أو بسبب وقودٍ منخفض الجودة. قد تسهم الأخيرة في نشوب حرائق المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا، حيث الوقود المنتج محلياً للحصادات هو من نوعية رديئة، مما يجعله أكثر احتمالاً لإشعال شراراتٍ من الوقود عالي الجودة.

مهمة مستحيلة

أصدرت السلطات في العراق وسوريا بياناتٍ حول الأراضي المتضررة. ففي سوريا، تم تدمير 8094 هكتار من القمح والشعير في أقل من شهر. أما في العراق، فقد اندلعت الحرائق في مساحة 54228 هكتار من الأراضي، مع فقدان 9494 هكتار من المحاصيل. وفي محافظة إدلب السورية، وهي واحدة من أكثر المناطق تضرراً، ادعى أحد الناشطين أن ما يصل إلى 60% من حقول القمح والشعير قد دمرتها النيران. وفي كركوك بالعراق، احترقت مئات الهكتارات من الأراضي. ووفقاً لخدمة الإطفاء العراقية، دمر ما يصل إلى 236 حريق أكثر من 5180 هكتار من الأراضي الزراعية.

برهن إخماد الحرائق أنه أمرٌ شبه مستحيل، إذ يرجع هذا جزئياً إلى التكتيك الذي استخدمه داعش لإشعال النار في الحقول ليلاً، بطريقةٍ فاجأت أصحاب الحقول بعد فوات الأوان بالفعل لإيقاف الضرر. وبالنسبة لبعض المزارعين، تكون الخسارة ذات شقين: لا يفقدون مصدر دخلٍ فحسب بل أيضاً العلف لحيواناتهم.

ترجع الصعوبة في إطفاء الحرائق أيضاً إلى نقص القدرات، ففي سوريا، على سبيل المثال، لم تعد سيارات الإطفاء الثلاث لمحافظة الرقة بأكملها كافيةً لأداء المهمة. أصبح الوضع حرجاً لدرجة أن الإدارة الكردية طلبت المساعدة، حيث تقترب الحرائق من حقول النفط والغاز.

وفي أماكن أخرى من سوريا، قوضت الحرب البنية التحتية الحكومية التي يمكن أن تساعد في منع أو وقف الحرائق، كما قال مهندسٌ زراعي لم يذكر اسمه في حمص، إذ قال “رجال الإطفاء غير موجودين كما كان الحال من قبل. توقفت البلدية عن تشذيب العشب الجاف لمنع الحرائق، لأنها تفتقر إلى القدرة والإشراف. هذه هي نتيجة الحرب، وسيكون من الصعب للغاية عكس اتجاهها.”

سلة الخبز

بشكلٍ عام، لا يبدو أن إنتاج الغذاء في خطرٍ بعد. ومع ذلك، شجع داعش خلاياه النائمة على مواصلة سياسة الأرض المحروقة، إذ ذكر على موقع النبأ: “ما زال موسم الحصاد طويلاً، ونقول لجند الخلافة: أماكم ملايين الدونمات من الأراضي المزروعة بالقمح والشعير والمملوكة للمرتدين. وأمامكم حدائقهم وحقولهم ومنازلهم ومرافقهم الاقتصادية. لذلك شمّر عن سواعدك وابدأ الحصاد. بارك الله في حصادكم.”

بالنظر إلى أن الشمال والشمال الشرقي لسوريا يعتبران سلة الخبز في البلاد وأن الحقول المحترقة في العراق تقع في بلاد ما بين النهرين الخصبة، قد يكون هذا مجرد بدايةً لكارثةٍ أكبر بكثير.