منذ ثورة عام 2011 التي أطاحت بالدكتاتور الذي حكم مصر لفترةٍ طويلة، حسني مبارك، شهد الاقتصاد المصري تراجعاً ملحوظاً. فقد فشل القادة المتعاقبون بعد الانتفاضة الشعبية في تحسين الاقتصاد، مما أدى إلى زيادة المشقة على المواطنين، وخصوصاً الأغلبية الفقيرة.
وعلى الرغم من ضخ حلفاء مصر من دول الخليج مليارات الدولارات لإنعاش اقتصاد البلاد المتداعي بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، في يوليو من عام 2013، إلا أنّ الاقتصاد المصري لا يزال متعثراً. فقد تراجعت الاحتياطيات الأجنبية من أعلى مستوياتها على الإطلاق في ظل حكم مبارك، حيث بلغت 35 مليار دولار، إلى مستوى متدني خطير بلغ 15 مليار دولار في مارس 2016.
وفي ضوء ذلك، توقفت أنشطة السياحة، التي تعدّ واحدة من المصادر الرئيسية للعملة الصعبة، تقريباً بسبب مخاوف متزايدة تتعلق بالسلامة. فالهجوم الإرهابي الذي تسبب بإسقاط الطائرة الروسية في أكتوبر 2015، فضلاً عن حادث القتل العرضي الذي ارتكبه الجيش بحق مجموعة من السياح المكسيكيين في الصحراء الغربية المصرية قبل ذلك بشهر، وجه ضربة قاضية للقطاع الذي لا يزال مترنحاً. ففي الربع الأول من عام 2016، بالكاد بلغت إيرادات السياحة 500 مليون دولار، بانخفاضٍ مما قيمته 1,5 مليار دولار في العام السابق فحسب. فقد ذكرت فنادق ومنتجعات شرم الشيخ الشهيرة ومدينة الأقصر الأثرية أنّ نسب الإشغال انخفضت إلى 5% فقط. وعلاوةً على ذلك، يُصادف تحطم الطائرة المصرية التي كانت متجهة من باريس إلى القاهرة في البحر المتوسط في 19 مايو من العام الجاري، الهجوم الثالث على الطائرات في مصر في غضون ستة أشهر، مما حذى ببعض النقاد إلى توقع أن تعود هذه الحادثة بالمزيد من الضرر على القطاع السياحي.
وفي الوقت نفسه، ما زالت تفريعة قناة السويس، التي كلفت البلاد أكثر من 8 مليارات دولار، لم تجلب زيادةً في الدخل وحركة المرور كما هو متوقع. ويرجع ذلك أساساً إلى الركود الاقتصادي العالمي، الذي أدى إلى انخفاض حركة السفن بين الصين والاتحاد الأوروبي والأمريكتين.
كما تسبب نقص الدولار الأمريكي في الأسواق، الذي تفاقم بسبب تناقص الاحتياطيات والجهود التي تبذلها الحكومة للحفاظ على العملة الأجنبية، في انخفاضٍ حاد في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي. واضطرت الشركات إلى شراء الدولار من السوق السوداء، بقيمة أعلى بكثير من السعر الحكومي الرسمي. كما تسبب نقص الدولار أيضاً في تخلف العديد من الشركات عن تسديد ديونها مما أجبرها على إغلاق أبوابها، وانتقلت العديد من الشركات الدولية للعمل في الخارج، حيث تسبب هذا في تباطىء عجلة الإنتاج في معظم أنحاء القطاع الصناعي في البلاد.
عدم الاستقرار والريبة التي ولدّها هذا الأمر أثنى المغتربين عن إرسال التحويلات المالية، والذي فضلوا، عوضاً عن ذلك، الاحتفاظ بأموالهم في بنوك خارجية إلى أن تتحسن الأوضاع. فاقم هذا المشكلة من خلال التخفيض الفعلي للمصدر الرئيسي للعملة الصعبة في مصر.
وفي أبريل 2016، وصل سعر صرف الدولار الواحد ذروته في السوق السوداء لما قيمته 11,8 جنيه مصري، مقارنةً مع سعر الصرف الرسمي البالغ 7,80 جنيه مصري في العام السابق. ونتيجةً لذلك، ارتفعت أسعار السلع الأساسية، مما أثقل كاهل كل من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وساهم في تباطؤ عجلة الاقتصاد بشكلٍ أكبر، وخلق حلقة مفرغة. تدخلت الحكومة في نهاية المطاف، حيث عملت رسمياً على خفض قيمة الجنيه المصري إلى 8,85 جنيه مقابل الدولار الأمريكي الواحد. هدّأ هذا التخفيض الرسمي لقيمة العملة من بعض التوترات التي شهدتها الأسواق، كما خفضّ أيضاً من سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إلا أنه يزال أعلى بكثير من القيمة الرسمية التي حددها البنك المركزي المصري.
وتوقعت مؤسسة موديز، وهي إحدى وكالات التصنيف الائتماني، أن يعزز هذا التخفيض الصادرات والاستثمارات الأجنبية، مما سيؤدي على المدى الطويل إلى موازنة التضخم قصير الأجل الذي سيسببه.
كما يتوقع العديد من المحللين المزيد من الارتفاع في سعر الدولار الأمريكي مع اقتراب شهر رمضان، الذي يمتاز بارتفاع استيراد السلع بشكلٍ كبير.
وعلى الرغم من وعود الحكومة المتكررة بالاستقرار، إلا أنّ المستثمرين الأجانب لا يزالون غير متحمسين جداً على ضخ الأموال في الاقتصاد المصري، إلا أن الاستثناء الرئيسي الوحيد، كان جارة مصر فاحشة الثراء على الجهة المقابلة من البحر الأحمر.
ففي خلال زيارته في أبريل الماضي، وعد الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، مصر بجولة جديدة من المساعدات تبلغ قيمتها 22 مليار دولار. وبعد بضعة أيام، تعهد ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان، بمساعدة بقيمة 4 مليار دولار لدعم اقتصاد البلاد، حيث يتم استثمار نصف القيمة المذكورة في مشاريع التنمية، أما النصف الثاني من الدعم الإماراتي لمصر فهو وديعة تحت الطلب توضع في البنك المركزي المصري لدعم احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية المتدنية للغاية.
ويُحذر بعض المحللين من أنّ “الاسعافات الأولية” الاقتصادية هذه ستكون عوناً قصير الأجل فحسب، ولن تجد حلاً للعجز المالي المتزايد. وكما يقولون، البلاد بحاجة إلى خلق فرص عمل جديدة وبيئة أكثر ودية للمستثمرين الأجانب.
من ناحيةٍ أخرى، نخرت المشاكل الاقتصادية التأييد واسع النطاق الذي كان يتمتع به الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أن قاد الانقلاب العسكري المدعوم من الشعب والذي أطاح بمرسي في يوليو 2013. فقد تسبب ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية بإشعال غضب الشعب، مما رفع من أعداد الأصوات الساخطة والمعارضة. حتى أنّ شرائح المجتمع الأكثر ثراءً، والتي كانت في السابق من أشد مؤيدي السيسي، باتت تعاني من خيبة أملٍ منذ أن فرضت الحكومة ضرائب مرتفعة على السلع الكمالية وحدت، بشكلٍ مؤقت، من عمليات السحب بالدولار الأمريكي أثناء تواجدهم في الخارج.
ففي أوائل فبراير 2016، تعرّض السيسي لانتقاداتٍ على نطاقٍ واسع، حتى في وسائل الإعلام المحلية، بعد أن تم وضع سجادة حمراء بلغ طولها 4 كيلومتر على الطرقات العامة من أجل موكبه، في الوقت الذي كان يتجه فيه لإلقاء خطابٍ حول أهمية اعتماد المصريين لتدابير تقشفية، إذ لم يجرؤ أحدٌ على توجيه مثل هذه الانتقادات قبل عامٍ من ذلك.
وفي حين أنّ الغضب على الرئيس لن يتفاقم ليتحول إلى ثورةٍ شعبية في أي وقتٍ قريب، إلا أن هناك مؤشرات قوية على أنّ فترة شهر العسل قد انقضت. فبعد شهرٍ واحدٍ فقط من وصوله إلى سدة الحكم، تمكن السيسي بنجاح من خفض الدعم عن الوقود، الأمر الذي لم يجرؤ سلفه على المساس به، والذي شهد رد فعلٍ لا يُذكر من الشعب. أما في الوقت الراهن، فمن الصعب على الجنرال السابق، إلى حدٍ كبير، تحقيق مثل هذا الانجاز الكبير.