وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اسرائيل وحزب الله: سياسة الردع في مناخٍ سياسي جديد

Lebanon- Hezbolah
جنود إسرائيليون (أعلى يسار) وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (أعلى يمين) يشاهدون أنصار حزب الله الشيعي اللبناني الذين خرجوا في مسيرةٍ ضد قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في 28 يناير 2018 ، في قرية علما الشعب اللبنانية الجنوبية المتاخمة للحدود مع إسرائيل. Photo AFP

على الرغم من التحذيرات المستمرة بأن الحرب القادمة بين إسرائيل وحزب الله تلوح في الأفق، إلا أن سياسة الردع بين الاثنين حافظت على السلام حتى الآن، بالرغم من أن مشاركة الميليشيا اللبنانية في سوريا جعلت الانفراج هشاً بشكلٍ أكبر.

وقد يُنذر الموقف الأمريكي الأكثر تشدداً تجاه إيران بينما يعيد الرئيس دونالد ترمب تشكيل فريقه للأمن القومي والسياسة الخارجية، والتوترات حول خطط لبنان لاستكشاف الغاز والنفط في المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، باحتماليةٍ أكبر لصراعٍ بين إسرائيل وحزب الله. بيد أنه بالرغم من التراشق بالكلام بين كلا الجانبين، فمن غير الواضح بعد أن أياً من الطرفين متلهفٌ لخوض غمار صراعٍ مدمر محتمل حتى الآن.

فقد دفع لبنان ثمناً باهظاً في حرب 2006، بالرغم أن حزب الله ادعى النصر بعد انسحاب القوات الإسرائيلية. ووفقاً لهيومن رايتس ووتش، كانت الغالبية العظمى من القتلى من لبنانيين- حوالي 1100 شخص- معظمهم من المدنيين، بينما قُتل 43 مدنياً إسرائيلياً و12 جندياً من الجيش الاسرائيلي، فضلاً عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية اللبنانية.

وعلى الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق سلام بعد ذلك الصراع، إلا أن هدنةً غير مستقرة سادت بينهما. فقد أشار الباحث اللبناني جان لوب سمعان، الذي يكتب عن سياسة الردع غير الرسمية للكلية الحربية للجيش الأمريكي: “لأن كلا الجانبين يفهمان أن الجولة القادمة ستكون مدمرة وأن كلاً منهما لا يستطيع القضاء نهائياً على تهديد الانتقام في الموجة الأولى، كان الحل هو المساومة على الردع، وهذا يعني ردع الطرف الآخر من مهاجمة وطنه بالتعهد بالانتقام الكامل.”

لكن سمعان أضاف أن الحفاظ على هذا التوازن الدقيق غير مضمون، “القول بأنه تم الحفاظ على الاستقرار بين إسرائيل وحزب الله بفضل الردع لا يعني أن هذا وضعٌ خالد.”

فالحكمة السائدة هي أن خوض صراعٍ آخر سيكون أكثر ضرراً للجانبين. فقد حصل حزب الله على أسلحة أكثر تطوراً واكتسب مقاتلوه خبرةً قتالية في القتال في سوريا. وفي غضون ذلك، أشارت إسرائيل إلى أنها ستعتبر جميع البنية التحتية اللبنانية هدفاً مشروعاً في الحرب القادمة، كما قامت بالفعل باستهداف البنية التحتية المدنية في الجولة الأخيرة من القتال.

كما أطلق المسؤولون الإسرائيليون تحذيراتٍ من خطط حزب الله المزعومة لإنتاج أسلحةٍ دقيقة في مصنع تقوم إيران ببنائه في لبنان. وعليه، شن الإسرائيليون هجوماً إعلامياً، حيث اتخذ المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي خطوةً غير اعتيادة بنشره مقالاً في وسائل الإعلام العربية تحذر من مخاطر مثل هذا المصنع.

وقد هددت إسرائيل بقصف المصنع، إلا أنها لم تفعل ذلك حتى الآن، وبدلاً من ذلك اقتصرت جهودها على محاولة منع وصول شحنات الأسلحة إلى حزب الله عبر سوريا من خلال قصف قوافل الأسلحة ومرافق تصنيع الأسلحة داخل سوريا.

وقد أشارت مجموعة الأزمات الدولية، في تقرير صدر مؤخراً عن التصعيد المحتمل للتوترات بين إسرائيل وإيران/حزب الله في سوريا، إلى أن جميع الأطراف تعمل وفق مبدأ “ما يحدث في سوريا، يبقى في سوريا،” مع قيام إسرائيل بالحد من هجماتها على قوافل حزب الله داخل حدود سوريا، وليس الأراضي اللبنانية. ومن جانبه، امتنع الجيش السوري، بشكلٍ عام، عن إطلاق النار على الطائرات الإسرائيلية التي نفذت هذه الهجمات.

وكتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في مقال نشر في يناير 2018 أن الهجوم على المنشآت في لبنان سيكون “الملاذ الأخير” للجيش الإسرائيلي، الذي يمنح الأولوية “للأنشطة السرية، واكتشاف المواقع، والجهود الدبلوماسية لوقف الإنتاج في هذه المصانع.”

وأفادت بعض وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية في أواخر مارس أن الطائرات الإسرائيلية قد هاجمت أهدافاً لحزب الله في شرق لبنان بالقرب من الحدود السورية. ولم يؤكد المسؤولون الإسرائيليون ذلك، كما نفى حزب الله وقوع الهجوم، مما يشير إلى أنه، سواء حصل هجوم أم لا، فإن الحزب لا يسعى للدخول في حربٍ رداً على ذلك.

ففي غضون العام الماضي، كان هناك الكثير من التراشق في الكلام بين الطرفين، حيث تعهد زعيم حزب الله حسن نصر الله بأنه في الصراع القادم “لن يكون هناك مكان بعيد المنال عن صواريخ المقاومة أو أحذية مقاتلي المقاومة.”

أما على الجانب الإسرائيلي، فقد قال وزير الدفاع السابق موشيه يعالون إنه في الحرب القادمة “سيعاني كل لبناني من الحرب القادمة لأنه سيتم تدمير كامل البنية التحتية.”

وفي الوقت نفسه، كانت هناك موجة من التقارير الإخبارية نقلاً عن مصادر في حزب الله لم يذكر اسمها تقول إن الحزب يستعد للحرب القادمة مع إسرائيل. ومع ذلك، تم التشكيك في صحة هذه التقارير أو كانت موضع جدل.

وقال نائب رئيس حزب الله، الشيخ نعيم قاسم لرويترز، إنه لا يتوقع أن الحرب باتت وشيكة. وقال قاسم لوكالة الأنباء إن حزب الله “مستعدٌ لمواجهة العدوان إذا ما حدث ذلك، وإذا ما قررت اسرائيل القيام بأي عمل أحمق.” وأضاف “لكن لا يبدو أن الظروف تُشير إلى استعداد إسرائيل اتخاذ قرارٍ بشن الحرب.”

ومع ذلك، هناك العديد من العوامل التي تضيف عنصر عدم اليقين إلى هذا التصريح، بما في ذلك الاتجاه المجهول للأحداث في سوريا، واستكشاف الغاز والنفط اللبناني، والتوترات حول بناء إسرائيل للجدار الحدودي على الأراضي المتنازع عليها، والتحالف المتنامي المناهض لإيران بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ونتائج الانتخابات اللبنانية في 6 مايو.

الورقة المجهولة الأخرى هي الاتجاه غير الواضح وغير القابل للتنبؤ للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. فقد أقال ترمب بعضاً من الشخصيات المعتدلة نسبياً في إدارته، بمن فيهم وزير الخارجية السابق ريكس تيليرسون، ومستشار الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر. وعليه، تم استبدالهم بشخصين يعتبران أكثر تشدداً ودعماً لإسرائيل: مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق مايك بومبيو والسفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون.

وفي ضوء ذلك، احتفلت شخصيات اليمين الاسرائيلية بالتعيينات، بينما ذكرت وسائل الإعلام اللبنانية أن هناك مخاوف من أن وجود قيادة مناهضة لإيران بشكلٍ أكثر تزمتاً في البيت الأبيض “قد يمنح إسرائيل غطاءً سياسياً لأي عملية عسكرية تنوي تنفيذها.”

ومع ذلك، لا يزال من السابق لأوانه تحديد تأثير هذه التعيينات على موقف الولايات المتحدة تجاه إيران، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الشؤون في لبنان. وفي غضون ذلك، يبدو أن سياسة الردع تحافظ على السلام- في الوقت الحالي على الأقل.