وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لا تغيير يُذكر على شعبية نتنياهو، بالرغم من اتهامات الفساد

Israel-Benjamin Netanyahu
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخاطب القادة الأمريكيين اليهود في القدس في 21 فبراير 2018. Photo AFP

تم استجواب رئيس الوزارء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أربع قضايا تقريباً، معظمها تتعلق بشبهات فساد، إلى جانب الاشتباه في مخالفات رشوة. ومع ذلك، لم تتغير شعبيته في عام 2018. فكل قضية تحمل رقماً (1000، 2000 على سبيل المثال)، ومع تراكم هذه القضايا، سيطرت على الأخبار الاسرائيلية، وفي كل يوم، تظهر تفاصيل جديدة، وذلك مع تحول مساعدٍ آخر لنتنياهو إلى شاهد حق عام. فقد كان الشخص الثالث الذي يفعل ذلك، المستشار الإعلامي لنتنياهو، نير هيفيتز، الذي تحول إلى شاهد رأي عام أثناء لقاء نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب في واشنطن في مارس الجاري، مقرباً جداً من الناحية العملية والشخصية لكلٍ من رئيس الوزراء وزوجته، سارة، التي خضعت أيضاً للاستجواب ومن المرجح أن توجه لها تهمٌ إذا ما قبل المدعى العام للدولة توصيات محققي الشرطة بتوجيه تهمٍ جنائية.

وتتعلق التهم بمئات الآلاف من الدولارات على شكل هدايا (مثل السيجار، والشمبانيا، والمجوهرات، والعطلات العائلية وغيرها) التي مُنحت لنتنياهو- أثناء وجوده في منصبه- من قبل أثرياء في الخارج. وستركز التهم، إذا ما تم توجيهها له، على المحاباة أو الجهود التي قدمها نتنياهو في المقابل لهؤلاء “الأصدقاء.” وقد ترتبط أيضاً تهم الرشوة المحتملة ببعض الرسوم الإضافية المتعلقة بالتلاعب في المنافذ الإعلامية للحصول على تغطيةٍ مواتية، والتغييرات التنظيمية في وزارة الاتصالات (التي يتقلد فيها نتنياهو منصب الوزير)، ليستفيد منها الشركاء وغيرها من الأمور.

وعلاوة على ذلك، هناك قضية جديدة محتملة نسبياً تتعلق بعرقلة العدالة: إذ أثيرت شائعاتٌ حول تقديم منصبٍ مرموق لإحدى القاضيات مقابل إيقاف الدعاوى الموجهة ضد سارة (فيما يتعلق بنفقات العائلة والمساكن الخاصة لنتنياهو). وأخيراً، يعتقد الكثيرون أن هناك قضية أخرى قد تكون مرتبطة في نهاية المطاف بنتنياهو: التعاملات المالية المحيطة بشراء الغواصات الألمانية من خلال وسيطٍ معروف بكونه شريك لنتنياهو.

وفي جميع هذه القضايا، كان يتم عرض التفاصيل اليومية وآخر التحديثات على الجماهير. فالفساد، حتى في المناصب العليا، ليس بالأمر الجديد في اسرائيل. فعلى سبيل المثال، تم إطلاق سراح إيهود أولمرت، رئيس الوزراء السابق، من السجن مؤخراً بعد أن قضى وقتاً خلف القضبان لإدانته بتلقي الرشوة أثناء وجوده في منصبه. كما قضى أرييه درعي، وزير الداخلية الحالي، حكماً بالسجن بسبب تهمٍ بالفساد أثناء تقلده ذات المنصب في الحكومة قبل سنواتٍ مضت. بل في الواقع، كان الفساد أحد العوامل الرئيسية التي أسقطت حكومة حزب العمل في عام 1977 وحكومة حزب الليكود اليميني في عام 1992 (مما مهد الطريق أمام انتخاب اسحاق رابين وافتتاح جهود السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية).

والأهم من ذلك أن كلاً من آرييل شارون ونتنياهو نفسه، خلال فترة ولايتهما الأولى في منصب رئيس الوزراء في التسعينيات، اتهما بالفساد على الرغم من أنه لم يتم توجيه اتهاماتٍ ضدهما. فقد كان، ولا يزال، من الضروري وجود قضية قوية قبل أن توصي الشرطة بتوجيه الاتهامات إلى رئيس الوزراء، وهذا ما يجعل توصيات الشرطة الحالية مقنعة. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان المدعي العام، الذي عينه بدايةً نتنياهو والذي كان ينظر إليه آنذاك باعتباره مساعداً له، سيوجه اتهاماتٍ لهم بالفعل ويُقدم نتنياهو وزوجته للمحاكمة.

هذا هو السؤل المطروح. بيد أن نتنياهو لطالما نفى ارتكاب أي خطأ، ويكرر مراراً وتكراراً شعاره بأنه لن يكون هناك أي شيء لأنه لم يرتكب أي شيء. وبالإضافة إلى ذلك، انتقد نتنياهو رئيس الشرطة (الذي عينه هو)، إلى جانب محققي الشرطة ووسائل الإعلام، على طريقة ترمب. وقد أشار إلى المرات العديدة في الماضي التي أوصت فيها الشرطة بتقديمه للمحاكمة ليتم في النهاية اسقاط التهم ضده. وقد جادل هو ومؤيديه بأن التحقيقات ما هي إلا جهودٌ من قبل اليسار للإطاحة به من السلطة لعدم قدرتهم إلحاق الهزيمة به عبرصناديق الاقتراع. من جهته أيضاً، حاول نتنياهو تشجيع التشريع الذي من شأنه حماية رئيس الوزارء، أثناء وجوده في منصبه، من أي تهمٍ جنائية، فضلاً عن العديد من الاقتراحات الأخرى لحماية نفسه، بالرغم من أن مثل هذا التشريع قد يلغى في المحاكم.

بيد أن مثل هذه الاتهامات والجهود بالكاد كان لها تأثيرٌ يذكر، فكلٌ من حزبه والمجتمع الاسرائيلي لا يزالان يدعمان نتنياهو بقوة. ويسخر الناس من قضيتي هدايا السيجار والشمبانيا، متجاهلين المبالغ الضخمة من المال. كما أنهم يسخرون أيضاً من ظهور ما لا يقل عن ثلاثة شهود للرأي العام من الدائرة المقربة من رئيس الوزراء، مدعين أن الحاجة إلى العديد منهم تبرهن فحسب أنه لا توجد قضية من الأساس. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن حزب الليكود، على ما يبدو، لم يعان من سمعة قائده الملطخة، بل في الواقع، سيحصل الحزب على مقاعد أكثر مما حصل عليه في الانتخابات السابقة إذا ما تم التصويت اليوم.

ويبدو أن غالبية الاسرائيليين معجبون بنتنياهو. فالاقتصاد مستقر، والسياحة آخذةٌ في الارتفاع، وبالكاد أصبحت الصواريخ العرضية التي تطلق من غزة مصدر إزعاجٍ لهم. وبحسب غاليا غولان، الاستاذة البارزة في العلوم السياسية، ”فإن التوترات على الحدود الشمالية ستعود بالفائدة على نتنياهو. فالهجمات الإرهابية المتقطعة، أو العنف الفلسطيني أو الطائرة الإيرانية من دون طيار لا تصرف الإنتباه فحسب عن تهم الفساد، بل تعزز أيضاً الحاجة المفترضة لقائدٍ قوي وحكومة قاسية.“ ووفقاً لغولان، هم يعمدون إلى استغلال مواهب نتنياهو بالتلاعب بالمخاوف العميقة للجماهير. فهذا التلاعب ما ساعد نتنياهو وحزبه تحقيق انتصاراتٍ انتخابية في الماضي، وتُشير جميع الدلائل إلى أن هذا الوضع سيستمر.

ومع ذلك، خفت شهية بعض الأحزاب في الائتلاف تجاه إجراء الإنتخابات. فعلى الرغم من شعبية حزب الليكود، فإن زعيم حزب الوسط يائير لبيد، الذي بات اليوم في صفوف المعارضة، سيكون منافساً قوياً لنتنياهو، كما قد تعاني بعض الأحزاب الصغيرة في الائتلاف. وعلاوة على ذلك، يبدو أن هناك بعض التزاحم داخل حزب الليكود نفسه، حول ايجاد خليفةٍ محتمل لنتنياهو، إلا أن الإنطباع العام هو أن نتنياهو سيستفيد من الانتخابات المبكرة وسيشارك حزب الليكود في هذه الانتخابات تحت قيادته. وعلى أي حال، سبق وصرح نتنياهو أنه لا ينوي الاستقالة حتى وإن وجه المدعي العام التهم له.

ففي أوائل مارس كان هناك أزمة وجيزة ودعواتٍ لإجراء انتخاباتٍ مبكرة. حصل هذا بسبب نزاعٍ حول مشروع قانونٍ يتعلق بالتجنيد (من الرجال الأرثوذكس المتطرفين) وميزانية 2019، وهو نزاعٌ انقسم فيه الائتلاف الحكومي. وعليه، بدا أن نتنياهو يفضل إجراء انتخاباتٍ مبكرة وربما يكون له يد في تأجيج الأزمة. وعلى ما يبدو، تمثلت فكرته في إجراء انتخاباتٍ بعد احتفالات عيد الاستقلال السبعين وافتتاح السفارة الأمريكية في القدس في مايو القادم، مما يعزز موقفه قبل قرار النائب العام. وعندما أصبح من الواضح أن الكنيست قد يختار إجراء الانتخابات في سبتمبر فحسب، وذلك على نحوٍ محتمل بعد قرارٍ بتوجيه الاتهامات إلى نتنياهو، تم حل الأزمة على وجه السرعة. وهكذا، يبقى مستقبل نتنياهو وتحالفه مسألةً رئيسية، بالرغم أنه من غير المرجح أن تنتهي أي من القضايا الأربع بلائحة اتهام.