وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بسبب شِعرها، الفلسطينية دارين طاطور خلف قضبان السجان الإسرائيلي لخمسة شهور

Dareen-Tatour
دارين طاطور. Source: Facebook

يضع نسيم كالديرون نظاراته على حافة أنفه ويترجم بينما يقرأ. “هذا شعر، لذا فالترجمة ليست حرفية،” كما يقول.
وبقسوةٍ حانقة
نشرب دمائك دون رحمة
[…]
الغضب شحذ سيفنا اللامع
وكتب عليك يوم الذبح.

يُمكن تسمية الأستاذ الفخري في الأدب العبري (70 عاماً) في جامعة بن غوريون في النقب في بئر السبع، جنوب اسرائيل، على نحوٍ صحيح، بالخبير في الشعر العنيف. ففي مارس 2017، مَثُل كشاهدٍ في قضية دارين طاطور، فلسطينية- اسرائيلية تبلغ من العمر 34 عاماً، التي اتهمت بعد نشرها قصيدةً على الفيسبوك قبل نحو عامين، بالتحريض على العنف ودعم منظمةٍ إرهابية. في 31 يوليو 2018 ، حكمت محكمة الناصرة على دارين طاطور بالسجن لمدة خمسة أشهر.

وبعد صدور الحكم، قالت طاطور إنها لم تتوقع العدالة. وأضافت: “كانت المحاكمة سياسية لأني فلسطينية في المقام الأول، ولأن الأمر يتعلق بحرية التعبير وأنا مسجونة لأني فلسطينية.”

ولكن قصيدة كالديرون التي ترجمها لم تكتبها طاطور، بل هي قصيدة للشاعر حاييم بياليك، الشاعر القومي الإسرائيلي. يقول كالديرون: “لدى أمتنا تقليدٌ طويلٌ من الشعراء الذين ردوا بعنفٍ على الهجمات ضد اليهود.” وأضاف “المذبحة، والانتداب البريطاني، وهجمات العرب. حتى أن أطفالنا يغنون، في عيد الأنوار (حانوكا) “سنذبح أعدائنا.”
ويقول كالديرون أن القصيدة التي سببت المشاكل لطاطور ليست متقنة، بل “حتى أنها سيئة؟” ولكن هذا ليس بيت القصيد، كما يقول. “يتوقع من الشعراء التعبير عن أنفسهم بطريقة عنيفة لفظياً. لطالما فعلوا ذلك، حتى وإن كانوا يعيشون في ظل أنظمةٍ قمعية مثل روسيا القيصرية أو الإنتداب البريطاني في فلسطين.”

وكما يقول كالديرون، تتمثل النقطة الأساسية في أن هذه الأنظمة كانت تتمتع بما يكفي من الحكمة للامتناع عن ملاحقة الشعراء بسبب المحتوى التحريضي المحتمل لأعمالهم فحسب. فعلى سبيل المثال، يستطيع الشاعر بياليك كتابة ما يريد عن البريطانيين. “لم يخلط أحد التعبير مع السلوك. ولكن في الوقت الحاضر، في اسرائيل، أصبح على ما يبدو، كتابة الشعر جريمة.”

في قصيدتها، تٌشيد طاطور بالمقاومة الفلسطينية ضد اسرائيل. وهي لا تعيش في الضفة الغربية أو قطاع غزة، فقد ولدت وترعرت في قريةٍ بالقرب من الناصرة، شمال اسرائيل. فالقصيدة لا تنتقد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية فحسب، بل تشكك أيضاً في شرعية إسرائيل. على سبيل المثال، تدعو إلى “فلسطين العربية،” وتشمل أبيات القصيدة ما يلي:

لن أرضى بالحل السلمي
لن أنزل أبداً علم بلادي
حتى أنزلهم من وطني
[….]
قاوم يا شعبي قاومهم
قاوم سطو المستوطن
واتبع قافلة الشهداء.

كان البيت الأخير وحدة مسؤولاً عن قضاءها ساعاتٍ في المحكمة. فقد تضمنت لائحة الإتهام ترجمةً لقصيدة طاطور من قِبل شرطي. ويدعي محاموها أن الترجمة نزعت من السياق، كما دعوا أيضاُ يونى مندل، مترجمٌ عربي، للشهادة.

وفي تقريرٍ عن القضية في الموقع الإلكتروني المخصص للأخبار والرأي، +972، قال مندل أن بعض الفروق الدقيقة فقدت عند ترجمة القصيدة إلى اللغة العبرية. فعلى سبيل المثال، كلمة شهداء في العبرية لها دلالة سلبية حصراً، في حين أن الشهداء في العربية تُشير إلى جميع ضحايا الاحتلال. وبصرف النظر عن الترجمة السليمة، كان السؤال الأكثر أهمية ما إذا كانت قصيدة طاطور تحرض على العنف أم لا. ويقول كالديرون “بالطبع قصديتها تحريضية! تماماً كما كان بياليك يحرض أيضاً، إلا أنه تعبير مشروع.”

هل هناك أي نصٍ يستحق العقاب، وفقاً للأستاذ؟ ماذا لو دعت طاطور إلى وضع رصاصة في رأس رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ كالديرون: “حتى هذا مسموح. هذا شعر وليس منشور سياسي.”

وكما يقول كالديرون، فإن كلمة “تحريض” قابلة للتضخيم. “تُطبق على جميع أنواع المعارضة للسياسات الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، هناك تحريض مناهض للفلسطنيين تقوده الحكومة الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، تقوم بصياغة قانون يدعو إلى حظر رفع الأذان من المساجد. هذا فعلٌ تحريضي أكثر من شعر دارين. الحكومة من تفعل ذلك، القانون.” كما يسرد كالديرون أمثلةً أخرى، فأفيغدور ليبرمان (وزير الدفاع، من حزب بيتنا الإسرائيلي) يُريد تجريد سكان أم الفحم الفلسطينيين الإسرائيليين داخل الخط الأخضر، من جنسيتهم الإسرائيلية. أما زميلته ميري ريغيف (وزيرة الثقافة، من حزب الليكود)، تُريد دعم الفنانين الفلسطينيين الإسرائيليين فقط إذا ما برهنوا ولائهم لإسرائيل. ويُضيف كالديرون: “برأيي أن الفن غير وفيّ بالفطرة للجميع. استفزازي، وإلا فإنه ليس فناً “.

ففي عام 2015، كان الأستاذ مرشحاً في الإنتخابات الوطنية عن حزب ميرتس الصهيوني اليساري، إذ أنه ليس بالأمر السهل في اسرائيل المعاصرة، التي تنتقل بسرعة نحو اليمين، التعبير عن وجهات النظر اليسارية. وكما يقول “لإسكات المعارضة، يدعوننا بالخونة وأنصار العدو. نحن نعرف ذلك ونتوقع ذلك.” فهو لا يعتقد أنّ توجيه الإتهام إلى طاطور خطوة ذكية من قِبل السلطات الإسرائيلية. “هي مجرد شابة نشرت قصيدة على الفيسبوك. أتعتقد حقاً أن الإرهابي يحتاج إلى قصيدة على الفيسبوك لتنفيذ هجومه؟ الفلسطينيون لا يحتاجون إلى التحريض- فهم يتعرضون للإضطهاد والظلم والإذلال. وأتعلم ماذا؟ يعرف اليهود، من بين كل الشعوب، ما معنى هذا. فقد تخلصنا من الظالم القاسي، البريطانيين، بأنفسنا.”

ويُضيف بأنه لايتجاهل حقيقة أن بعض الفلسطينيين، “مثل حماس،” يؤمنون بعدم شرعية اليهود. “يريدون التخلص مني، وإذا ما كان الأمر متروكاً لهم، لما كنت أجلس هنا. أنا ضدهم.” لكن هذا ليس سبباً لاضطهاد أي شاعر كما يقول. “دون كل هذه الجلبة، بالكاد سيكون هناك أي تأثيرٍ لطاطور. والآن، تأثيرها سينمو فحسب.” أثارت قضية طاطور انتقاداتٍ شرسة، معظمها من المثقفين الليبراليين. وقد دعت منظمات مثل “بين إنترناشيونال،” وهي رابطة عالمية للكتاب، إسرائيل إلى إسقاط جميع التهم الموجهة إليها. وعلاوة على ذلك، طالب مائتان من الرموز الثقافية الإسرائيلية بإطلاق سراحها فوراً من الإقامة الجبرية. ومن بين هؤلاء الكتاب المعروفين أي بي يهوشوا، وديفيد غروسمان ونير برام. أما على الصعيد الدولي، مثقفون أمثال نعوم تشومسكي وديف إيغرز، احتشدوا للدفاع عنها. كما أطلقت حملة لجمع الأموال لتغطية التكاليف القانونية.

ومن المتوقع صدور الحكم في وقتٍ لاحق في عام 2017. وإذا ما أدينت، ستواجه الشاعرة ما يصل إلى السجن لثماني سنوات، أما في الوقت الحالي، هي رهن الإقامة الجبرية في منزلها.