بعد مساعدتها في تحرير مدينة سرت من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ديسمبر 2016، يبدو أنّ حكومة الوفاق الوطني في طربلس في ورطة. فالميليشيات تتحدى علناً سُلطة رئيس الوزراء فايز السراج، فضلاً عن تنامي الدعم الروسي لخصم سراج، الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي وحليف الحكومة المنافسة التي تتخذ من طبرق مقراً لها، والتي شكلها مجلس النواب. ومنذ توقيع الإتفاق السياسي الليبي، بوساطة الأمم المتحدة في ديسمبر 2015، والتي فوّضت سراج لتشكيل وقيادة حكومة وحدة وطنية، فشل في حشد تأييدٍ واسع النطاق وباتت البلاد أكثر انقساماً من أي وقتٍ مضى.
وفي 11 يناير 2017، دعيّ حفتر على متن حاملة طائراتٍ روسية في البحر المتوسط، حيث قام بجولةٍ هناك وتحدث عبر إتصالٍ بالفيديو مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو. فقد سبق والتقى في وقتٍ سابق بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في موسكو في نوفمبر الماضي، عندما طلب المساعدة لقتال الإسلاميين المتشددين في ليبيا. وفي مقابلةٍ لـFanack مع الخبيرة في مجموعة الازمات الدولية كلاوديا غازيني، قالت “تبدو هذه الدعوة أن روسيا تمنح دعمها السياسي لحفتر علناً.” وأضافت “إلا أنها أيضاً إشارة إلى أن روسيا ستكون على أتم الاستعداد في المستقبل لمنحه الدعم العسكري. فالاجتماع مع سيرجي شويجو مثالٌ ذو معنى واضح، إلا أنّ هذا لا يعني أيضاً أنهم سيتحالفون مع حفتر فحسب. فقد كان هناك لقاء أكثر سرية بين دبلوماسيين روس وحكومة الإنقاذ الوطني في ليبيا وحكومة الوفاق الوطني، مما يُظهر أن روسيا تحاول التوصل إلى إتفاق سياسي بين طرفيّ النقيض.”
جرى هذا الاجتماع في ديسمبر، عندما التقى السفير الروسي لدى ليبيا إيفان مولوتكوف، مع العقيد المهدي البرغثي، وزير الدفاع المكلف من قِبل حكومة الوفاق الوطني، لمناقشة التدريب على الأسلحة والدعم في مواجهة النشطاء الإسلاميين، في حين التقى وزير الخارجية الروسي مع خليفة الغويل، رئيس حكومة الإنقاذ الوطني غير المعترف بها في طرابلس، للحديث عن الوضع الحالي. وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة العربي الجديد أنه، وفقاً لمصادر مختلفة، أعادت روسيا تفعيل صفقة أسلحة مع حفتر بقيمة ملياري دولار.
ومع ذلك، فإن اهتمام روسيا بالسياسة الليبية ليست مؤشراً على المسار الذي ستتخذه الأحداث. فقد أخبرنا ماتيا تولادو، خبير الشؤون الليبية بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنّ “روسيا وافقت دون أي مقاومة على جميع قرارات الأمم المتحدة التي أدت إلى ولادة حكومة الوفاق الوطني.” وأضاف “يتحدثون إلى حكومة الوفاق الوطني ونائب سراج، أحمد معيتيق، إلا أن دعمهم السياسي لحفتر في الأشهر الأربع الأخيرة قد نمى إلى حدٍ كبير. ولست متأكداً إن كان هذا يعني أنهم مستعدون “لقتل” حكومة الوفاق الوطني لصالح حفتر.”
في حين أضافت غازيني أنه “نتيجةً لذلك، تبدو حكومة الوفاق الوطني أضعف، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت الداعم الرئيسي لهم في العام الماضي، ولا زلنا لا نعلم بعد ما تنوي القيام به بعد تعيين دونالد ترامب رئيساً لها.” وحتى الآن، لم تصدر عن الرئيس الجديد أي تصريحاتٍ علنية بشأن السياسة الليبية، على الرغم من أن ليبيا تأثرت بالفعل بسبب حظره المؤقت على السفر، والذي يمنع المواطنين من سبع دولٍ، غالبية سكانها من المسلمين، من دخول الولايات المتحدة.
كما عانى سراج من ضربةٍ أخرى في 12 يناير 2017، عندما سيطرت قواتٌ موالية للغويل على وزارات الدفاع والعمل والشهداء التابعة لحكومة الوفاق الوطني، بعد أشهرٍ من التوترات بين الجانبين. وفي أكتوبر الماضي 2016، سيطر الغويل، بدعمٍ من عدة ميليشيات، على المجمع الحكومي في طرابلس وفندق ريكسوس المجاور من حكومة الوفاق الوطني في محاولة إنقلابٍ واضحة، إلا أنه فشل في طرد حكومة الوفاق الوطني من العاصمة.
وعلى الرغم من أن زعيم حكومة الوفاق الوطني يبدو ضعيفاً وغير قادرٍ على توحيد البلاد، إلا أنّ توليدو وضح أنّ “من المفارقات، أن هذا ما يجعله مرشحاً للبقاء في منصبه الحالي في ظل سيناريوهاتٍ مختلفة لأنه لا يُعادي أحداً.” وأضاف “يتمحور النقاش في الغالب حول من سيحتل المرتبة التالية بعده. فالاجتماع بينه وبين الجنرال حفتر يكشف الكثير عن المسقبل السياسي لسراج.” فقد كان من المقرر أن يجتمع الرجلان في القاهرة في أعقاب الاجتماع الوزاري العاشر للدول المجاورة لليبيا، الذي عقد في العاصمة المصرية في 21 و22 يناير 2017، إذ جدد البيان الختامي للاجتماع رفض أي عملٍ عسكري أو تدخلٍ عسكري أجنبي في ليبيا، مسلطاً الضوء على أهمية التعاون بين جيران ليبيا لضمان أمن الحدود، وأكدّ على أنّ الاتفاق السياسي الليبي هو “الحل الأمثل للأزمة الليبية.”
ومع ذلك، اتفق فريق الحوار الليبي، والمؤلف من أعضاء من الفصائل الليبية المختلفة، في تونس في 23 يناير 2017، من حيث المبدأ، على عددٍ من التعديلات على هذه الإتفاقية، على الرغم من عدم اتخاذ أي قرار رسمي ذلك أنّ وفد مجلس النواب الليبي لم يحضر النقاشات. وبهذا الصدد علقت غازيني قائلةً “كانت التوصيات التي خرجوا بها مثيرةً للدهشة نوعاً ما. فهذا يظهر أنهم يدعمون التغيير. فقد قالوا أن المجلس الرئاسي بقيادة سراج لن ينجح، لذا هم على أتم الاستعداد لتحويله إلى مؤسسة من ثلاثة أشخاص عوضاً عن 17. هذا تغييرٌ غاية في الأهمية، إلا أنه يعني أيضاً أنّ المجلس الحالي لن يستسلم عن طيب خاطر. لا يزال الوضع يتطور تدريجياً.”
أما بالنسبة لتولادو، فيرى أن الحوار الليبي قد يؤدي إلى تطورٍ سياسي حقيقي حتى وإن لم يتم حتى الآن تمثيل مجلس النواب الليبي. “في الوقت الراهن، يتم التشكيك في شرعية الحوار من العديد من الجوانب، سيما حول رئاسة مجلس النواب الليبي. فهل هذا يعني أنه لن يكون هناك أي عملية سياسية؟ لا أعتقد ذلك. هناك الكثير من النشاط الدبلوماسي حول ليبيا، مع الجزائر وتونس ومصر، وجميعهم ملتزمون جداً.”
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، كيف ستتم قيادة وإدارة الوحدة السياسية، على مدار عام 2017، ومن سيستفيد من هذا الوضع. يقول تولادو “من الصعب أن نرى ليبي واحد قادر على توحيد البلاد بأكملها، إلا أنه من الممكن لقيادة جماعية وتعاونية إلى حدٍ ما، القيام بذلك.” ويُضيف “تمثلت المشكلة بعد عام 2011 بتردد السياسيين الليبيين في إنشاء شبكاتٍ وتحالفاتٍ، والاعتماد بدلاً من ذلك على المقاطعة وحق النقض لإظهار قوتهم. قد يستخف القادة في غرب ليبيا بحفتر وجيشه الوطني الليبي، إلا أنهم لا يستطيعون الهروب من واقع الحاجة لبناء قطاع أمنٍ موحد يستجيب للسلطة المدنية عوضاً أن يكون مخرباً ويُشكل مشكلة.”
وإذا ما كان سراج سيبحث عن سندٍ لسلطته الضعيفة، “فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى معارضةٍ سياسيةٍ أقوى قادرة على دهورة الوضع، بشكلٍ تدريجي، على أرض الواقع،” وفقاً لغازيني. ففي نهاية المطاف، إنعاش الصناعة الليبية من الأولويات، إلا أنه دون إرساء الاستقرار السياسي، لن تكون البلاد قادرةً على تحقيق الاستقرار الاقتصادي.