وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: الحرب العالمية الثانية وتأسيس المملكة الليبية

ليبيا الحرب العالمية الثانية
نقطة تفتيش ألمانية إيطالية يحرسها جنود في قرية عند مدخل منطقة عمليات إقليم برقة، ليبيا، يونيو 1941. ©MP/Portfolio/Leemage via AFP

المقدمة

لم يجد الجيش البريطاني صعوبة في هزيمة الجيش الإيطالي عامي 1940 و1941 بعد المشقة الكبيرة التي عاناها الإيطاليون في غزو ليبيا. لكن سرعان ما خسر البريطانيون ما كسبوه من أراضٍ لصالح الجيش الألماني. ووصلت الحرب ذروتها في أكتوبر عام 1942 عندما استطاع الحلفاء إيقاف زحف جيش الجنرال الألماني روميل في العلمين على الجبهة المصرية. وخلّفت تلك الحرب وراءها ألغاماً قاتلة في ليبيا. فبعد أربعين عاماً تقريباً، أي في عام 1985، قدّر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أن الألغام والذخائر غير المنفجرة تشوب ثلث المراعي الليبية.

وعلى الجانب الليبي، تعاون محمد إدريس السنوسي من منفاه في مصر مع البريطانيين. وفي عام 1940، اتفق معهم على دعم المجهود الحربي البريطاني بجيش صغير من المنفى يُدعى القوة العربية الليبية. وقد شارك في الأعمال الاستخباراتية والتخريب تحت قيادة بريطانية وراية السنوسيين. ومن ناحية أخرى، رفض المنفيون الطرابلسيون إمارة محمد إدريس على ليبيا الموحدة، فأسسوا منظمة لأنفسهم.

ونتيجةً لذلك، لما فرضت بريطانيا إدارة عسكرية على إقليم برقة عام 1943 حتى 1951، نصّبت تلك الإدارة محمد إدريس أميراً على البلاد، وأجبرت سكان طرابلس بعد طرد الإيطاليين منها على التعاون معه. أما إقليم فزان، فقد سيطرت فرنسا عليه وظلّت فيه حتى عام 1951. وقد مهّد ذلك الطريق للتطور السياسي في ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية.

الاستقلال والملك إدريس (1951)

ليبيا الحرب العالمية الثانية
جنود بريطانيون يحيون علمهم في أثناء دخول مدينة طرابلس بعد انتهاء القتال ضد القوات الألمانية في إفريقيا، يناير 1943. Photo AFP

بعد دخول القوات البريطانية طرابلس عام 1943، قررت بريطانيا إنشاء إدارة عسكرية في الإقليم معتمدة على دعم محمد إدريس، وتجاهلت الجماعات السياسية في طرابلس التي فضّلت تأسيس دولة موحّدة. ويبدو أن بريطانيا أرادت أن يكون الإقليمان دولتين منفصلتين على المدى الطويل. أما في الجنوب، فقد اعتمدت فرنسا على موالاة آل سيف النصر في فزان.

ولما انقسمت ليبيا بين بريطانيا وفرنسا، آل أمرها إلى الأمم المتحدة لتتخذ القرار في مستقبلها. فرفضت الحكومة السوفيتية أي مقترح بتقسيم ليبيا بين القوتين لأن ذلك يمنح القوى الغربية تفوقاً استراتيجياً في قلب البحر المتوسط. ثم أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 القرار 289، وبموجبه بدأ الانتقال إلى ليبيا المستقلة باعتبارها مملكة فيدرالية تحت قيادة محمد إدريس السنوسي. وسُمح للحكومة البريطانية والأمريكية بإنشاء قواعد عسكرية على الساحل الليبي.

ونالت ليبيا استقلالها في 24 ديسمبر 1951، وأصبحت مملكةً يحكمها محمد إدريس. لكن الدولة الوليدة كانت أفقر دولة مستقلة على وجه الأرض، فمواردها كانت منعدمة، وطبقتها الوسطى كانت ضئيلة. كما كان اقتصادها متخلفاً وتجارتها راكدة. علاوة على ذلك، سادت البطالة وكانت الأمية متفشية في 94% من السكان، وكان الدخل السنوي للفرد يساوي 35 دولاراً فقط.

وكان من المفترض أن تكون المملكة الجديدة ملكية دستورية، وهو كان مفهوماً جديداً على الليبيين. فقد عينت القوى العظمى في الأمم المتحدة أول ملك فيها دون مشاركة أي ليبي في تأسيس الدولة الجديدة.

ولمّا كان لكل إقليم من الثلاثة (طرابلس وبرقة وفزان) تجربة سياسية مختلفة، كان لكل إقليم مجلس محلي وقدر لا يُستهان به من الاستقلال. ورغم وجود برلمان وحكومة، لم تكن هناك إدارة مؤسسية شاملة للاقتصاد.

ففي عام 1959، عيّنت الحكومة 1200 موظف فقط، بينما كان في حكومة إقليم طرابلس 6000 موظف، مقابل 4000 موظف في حكومة إقليم برقة. كما لم تكن القوات المسلحة موحدة، إذ همّشت قوات الدفاع الشعبي في إقليمي برقة وطرابلس الجيش الوطني.

وفي النهاية، كانت هناك عاصمتان: طرابلس والبيضاء موطن السنوسيين في مرتفعات إقليم برقة. ونتيجة لذلك، أدار الملك الاقتصاد دون تحكم في الإنفاق، ما أدى إلى تفشي الفساد. وكان النظام السياسي مختلاً ومثقلاً بهيكل إداري لا يتحمله بلد فقير مثل ليبيا.

ليبيا الحرب العالمية الثانية
يرمز علم المملكة الليبية إلى جوانب مختلفة من هويتها القومية الجديدة. فهو يدمج العلم الأسود الذي يتوسطه هلال السنوسيين -رغم وجود تاج في راية السنوسي- مع ألوان الثورة العربية في عام 1916 التي أصبحت راية القومية العربية.
ليبيا الحرب العالمية الثانية
يرمز علم المملكة الليبية إلى جوانب مختلفة من هويتها القومية الجديدة. فهو يدمج العلم الأسود الذي يتوسطه هلال السنوسيين -رغم وجود تاج في راية السنوسي- مع ألوان الثورة العربية في عام 1916 التي أصبحت راية القومية العربية.

كانت ليبيا فقيرة جداً عندما نالت استقلالها عام 1951. لم يحمل شهادة جامعية سوى 14 ليبياً فقط. وكانت الزراعة تعتمد على الأمطار غير المنتظمة، مما حدّ من زراعة الزيتون والقمح. وتمثلت جل الصادرات في نبات الحلفاء والخردة المعدنية من مخلفات الحرب العالمية الثانية، حتى بلغت نسبة الخردة المعدنية في بعض سنوات ما بعد الحرب 13% من إجمالي قيمة الصادرات. ولم تكن هناك صناعة إلا صناعة أغذية محدودة وبعض الصناعات الحرفية، وبلغ نصيب الفرد الناتج القومي الإجمالي نحو 35 دولار.

ولم تتطور البنية الصناعية التحتية بعد الاستقلال، إذ لم تساهم البضائع إلا بخُمس حجم الصادرات بحلول نهاية الخمسينيات.

واستغلت الحكومة الليبية موقعها الاستراتيجي لجني المال. فخلال الحرب العالمية الثانية، أقامت القوات الجوية الأمريكية قاعدة عسكرية ضخمة في مطار ويلس بالقرب من طرابلس، وأقام الجيش البريطاني مجمع موانئ ومطاراً في مدينة العدم خارج طبرق في شرق برقة. فأجرّت الحكومة الليبية هاتين القاعدتين وبعض القواعد الصغيرة الأخرى حول بنغازي للبريطانيين والأمريكيين لمدة 20 عاماً. واعتمدت هذه الحكومة المحافظة الموالية للغرب عليه في بقائها، إذ تلقت مساعدات خارجية هائلة شكّلت أكثر من نصف الدخل القومي.

Advertisement
Fanack Water Palestine