وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: بناء مملكة حديثة (1951 – 1969)

ليبيا بناء مملكة حديثة
خريطة الامتيازات النفطية في ليبيا. قدّمت الحكومة الليبية امتيازات صغيرة للعديد من الشركات النفطية في عهد الملك وبعد انقلاب القذافي عام 1969، وقد منحها ذلك موقفاً تفاوضياً أقوى من الدول التي تعاقدت مع شركة نفطية كبرى واحدة. المصدر: B. Orchard Lisle Industrial Cartography

المقدمة

اعتمدت ليبيا بعد الاستقلال على المساعدات الخارجية نظراً لافتقارها إلى الموارد البشرية والمالية اللازمة لإدارة نظام سياسي معقد. فقد اعتمدت سياسياً على البريطانيين الذي استأجروا المنشآت البحرية في طبرق، والأمريكيين الذين استأجروا قاعدة ويلس الجوية بالقرب من طرابلس.

النفط

نقل النفط هذا البلد الفقير نقلة نوعية. فقد بدأت شركات النفط الكبرى مثل شل وبريتيش بتروليوم وإيسو التنقيب قبل عام 1951، واكتشفوا كميات تجارية منه عام 1955. وكانت لحكومة الاستقلال سياسة مختلفة عن سياسة كبار منتجي النفط في الشرق الأوسط، فقد رفض قانون البترول الصادر عام 1955 نمط الامتيازات الكبرى المنفردة لأن سوق النفط كان مشبّعاً بها. فلم تشغّل شركة واحدة حقول النفط الليبية قط، بل بدأت الإنتاج شركات صغيرة وقادرة على المنافسة.

وقسّمت الحكومة الامتيازات إلى مناطق صغيرة. فعملت فيها شركات صغيرة مثل بانكر هنت وأوكسيدنتال بتروليوم، رغم مشاركة الشركات العالمية مثل إيني الإيطالية.

وتظهر هذه السياسة بوضوح في خريطة الامتيازات. فقد كانت للحكومة الملكية ثم نظام القذافي بعد الانقلاب السلطة الأكبر على مصادر النفط. وبدأ التصدير عام 1961 بعد إنشاء خط أنابيب في البحر المتوسط بطول 167 كيلومتر. وبلغت صادرات النفط في هذا العام ثلاثة ملايين دولار، ثم بلغت 1.175 مليار دولار عام 1969 بعدما أعطاها إغلاق قناة السويس بعد حرب 1967 دفعة قوية.

نتجت عن تلك العائدات الكبيرة تغيرات اجتماعية لم يكن النظام الملكي مهيأً للتعامل معها. فقد أدت الزيادة في الدخل إلى قفزة في النمو الحضري. إذ زاد عدد سكان طرابلس بين عامي 1954 و1964 بنسبة 64%، وتضاعف عددهم في بنغازي في الفترة نفسها. لكن العديد من المهاجرين إلى المدن ظلوا فقراء وعاشوا في العشوائيات، إذ غابت العدالة عن توزيع الثروة.

كما لم تُنفق عائدات النفط برُشد، فقد خصصت الخطة الخمسية الأولى (من 1963 إلى 1968) 70% من عائدات النفط للتنمية. لكن رغم إنفاق الحكومة مبلغ أكبر مما كان متوقعاً، فإنه لم يتجاوز 20% من إجمالي العائدات. وقد زاد الإنفاق العسكري، لكن الزراعة تدهورت بسبب بداية الاستنزاف طويل الأمد لمصادر المياه الجوفية وهجران الأيدي العاملة الماهرة أراضيهم. ولم تحظ الصناعة باهتمام كبير. كما اعتمد نظام الرعاية الصحية على العمال الأجانب والأطباء منهم بصفة خاصة.

تصاعد الاستياء

ليبيا بناء مملكة حديثة
صوّر رسام الكاريكاتير الليبي محمد الزواوي استياء الشعب من سوء الإدارة الحكومية. ويُظهر رسمه مقبرة لخطط البلديات -من اليسار إلى اليمين خطة صرف شارع بن غشير، ثم خطة إعادة تنظيم البلدية، ثم خطة الحدائق العامة، وأخيراً خطة طريق المطار. المصدر: جريدة الميدان 1966

تفاقم ضعف الحكومة وفسادها، فقد تماهت الثروة الخاصة مع المال العام، وانتشرت الفضائح تلو الفضائح. وتوجّه رأس المال الخاص إلى الاستثمار في العقارات والبناء والخدمات، فتزايدت معارضة الملكية، واستقطبت الشباب الذين استفادوا من نجاح الملكية في تطوير التعليم بسرعة.

وبحلول عام 1968، كانت قد أُنشئت جامعة ليبية، والتحق بالمدارس 85% من المؤهلين لدخولها. واستعانت الحكومة بالمدرسين المصريين لتعويض النقص في المدرسين الليبيين، فعرّفوا الطلاب على الأيديولوجية الناصرية. وكان الليبيون يستمعون إلى إذاعة القاهرة. وبحلول منتصف الستينيات تخرّجت طبقة عاملة صغيرة وعملت في الحكومة والمدارس والجيش. وطالبت هذه الطبقة الجديدة المتعلمة بالمساواة في توزيع الثروة النفطية واستخدام النفط سلاحاً للدفاع عن القضية العربية الكبرى.

لكن الاستياء عمّ البلاد لأن عائدات النفط الليبية تموّل حكومة تدعم الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين دعمتا إسرائيل في حرب عام 1967.

وفي أثناء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، صرّحت الحكومة بدعمها الدول العربية التي على الجبهة، لكنها لم تتدخل. وأدى تنامي الوعي السياسي إلى تنظيم مظاهرات وإضرابات شعبية، فأغلق العمال المنشآت النفطية. وظهرت أهمية القواعد العسكرية الغربية بعد الحرب، فقد حمت قاعدة طبرق العسكرية مرسى الحريقة النفطي التابع لشركة بريتش بتروليوم وقصر الملك. وبدا واضحاً من تصاعد التوتر السياسي أن انقلاباً على وشك الحدوث. وبحلول منتصف عام 1969، كانت حكومة الرئيس المصري جمال عبد الناصر على اتصال ببعض ضباط الجيش الذين توقعت أنهم يخططون لانقلاب عسكري.

Advertisement
Fanack Water Palestine