كامل داوود هو كاتب وقصصي وصحفي جزائري شجاع في طرح أفكاره، صنع اسمه من خلال زاويته في صحيفة “كوتيدين دو أوران” الجزائرية الناطقة بالفرنسية، وهي زاوية تحت عنوان “زاوية كامل داود” أو بالفرنسية “كرونيك دو كامل داود”. امتهن داود الصحافة احترافاً منذ العام 1994، وشكلت كتاباته ومقابلاته إلهاماً لكثير من معجبيه، لكنها ـ في نفس الوقت ـ أثارت الكثير من الجدل.
دخل داود حيز الشهرة في العام 1997 وذلك حين بدأ بتحليل الأخبار الجزائرية المحلية. أما اليوم فيراه كثيرون واحداً من أشد منتقدي النظام الجزائري، إذ ما انفك يشير إلى تناقضات ذلك النظام وعيوبه. ويشكل داود بالنسبة إلى معجبيه أيقونة حرية التعبير في الجزائر، فلطالما حفز قرّاءه على إعادة التفكير في كثير من القضايا الأيديولوجية والعملية من خلال أسلوبه البليغ المفعم بالتحدي. وبينما تعالج زاويته مختلف القضايا، إلا أنها جديرة بالقراءة بالتحديد لمن يهوون الاطلاع على تحاليل خارجة عن المألوف لقضايا الفساد والأسلمة والهوية والدين، إلى جانب غيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المواطن الجزائري، بما في ذلك قضية الحقوق الاقتصادية.
لكن كتاباته لم تمر دون استثارة كمّ كبير من الجدل، فقد تعرضت أفكاره حول الهوية الجزائرية إلى العديد من الانتقادات خاصة فيما يتعلق بقضية اللغة العربية وهي اللغة الرسمية في الجزائر. يرى داود (المولود في العام 1970) أن كون المرء مسلماً لا يفرض عليه بالضرورة أن يكون عربياً، وأنه ينبغي على الناس، وعلى الإسلاميين تحديداً، أن يفصلوا بين اللغة والدين. كما أنه يستخدم كلمة “عربي” بنوع من التحفظ، ويرفض الكتابة باللغة العربية رغم أنه يتكلم العربية باللهجة الجزائرية في مقابلاته الصحفية، وحسب آرائه “فإن اللغة العربية عالقة في الأيديولوجيات المقدسة والسائدة، كما أنه تم تقديسها وتسيسها وأدلجتها.”
فتوى
ويتعلق الجدل الأكبر الذي يلف داود حالياً بالفتوى التي أصدرها مسؤول تنظيم جبهة الصحوة السلفية بالجزائر (غير معتمد من طرف الحكومة) عبد الفتاح زيراوي حمداش بتكفير داود والمطالبة بإعدامه، بعد أن نعته بالمرتد المتصهين الذي يقود حرباً ضد الله ورسوله والقرآن.
ورغم أن حمداش لم يحدد أي من تصريحات داود دفعته إلى إصدار تلك الفتوى، إلا أن كثيرين يرجعونها إلى المقابلة التي منحها داود في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2014 لإحدى القنوات الفرنسية وعرض خلالها وجهات نظره حول الاستعمار والقضية الفلسطينية والربيع العربي والعلاقة بين المسلمين ودينهم، إذ قال داود حينها أن الدين يشكل مشكلة في العالم العربي.
أثارت فتوى حمداش الكثير من ردود الفعل الغاضبة من قبل الجزائريين الذين دافعوا عن حق داود بالتفكير بحرية، رغم خشيتهم من أن يعيد ذلك الجزائر إلى حقبة تسعينيات القرن الماضي، حين شرع أصحاب اللحى الطويلة يقررون من يستحق الحياة ومن يستحق الموت. فقد عانت الجزائر في تلك الفترة من موجة اغتيالات للمثقفين أودت بأبرز أعلامها، وذلك بحكم فتاوى أصدرها إسلاميون ضد صحفيين وكتاب اتهموهم فيها بالارتباط بالطواغيت، في إشارة ـ آنذاك ـ إلى النظام الحاكم.
قام داوود برفع دعوى قضائية ضد حمداش وضد التلفزيون الجزائري الذي قام ببث الفتوى، كما أنه انتقد إفلات المجرمين من العقاب في الجزائر. فقد كان حمداش قد استفاد من العفو العام الذي صدر في الجزائر مع نهاية حقبة الأحداث الإرهابية في البلاد وإعادة دمج من انخرط بالإرهاب في المجتمع. ويتساءل داود عن سر وقاحة حمداش في إصدار تلك الفتوى، بينما يعبر عن اعتقاده بأن السلطات الجزائرية ربما استخدمت حمداش لتجييش السلفيين ضده.
في أواخر العام 2013 نشر داود رواية بعنوان “ميرسو، تحقيق مضاد” جاءت رداً على رواية ألفها الكاتب العالمي ذي الأصول الجزائرية ألبير كامو تحت عنوان “الغريب.” وفي رواية الغريب، كانت هناك شخص يسمى “ميرسو” يقتل شخصاً عربياً لم يعطه الكاتب اسماً سوى “العربي”. وأصبح داود بذلك أول كاتب جزائري يكتب رداً على عمل لكاتب عالمي، وقد فازت روايته بعدد من الجوائز الفرنسية المرموقة، وترشحت لنيل جائزة “الغونكور” وهي من أبرز الجوائز الأدبية في فرنسا.
لكن بعد مضي عام واحد على نشر الرواية، شرع منتقدو داوود في الجزائر بوصف روايته بأنها إساءة للثقافة الجزائرية. وتحكي رواية داود قصة “العربي” المغدور من وجهة نظر أخيه الذي يسميه في الرواية “هارون.”
يشعر هارون بالحنق والإهانة بسبب ظلم الاستعمار الجزائري، لكنه يشتكي أيضاً من الظلم الأعم الذي لحق بأهالي مدينة وهران في الغرب الجزائري، وقد أثارت الآراء المنسوبة في الرواية إلى هارون حول الإسلام حفيظة واعتراض الكثيرين.
وبشيء من التحدي اختار داود أن يستخدم روايته ليس فقط للتذكير بعنصرية الفرنسيين ضد الجزائريين بل ولانتقاد الوضع الراهن في الجزائر. يعتقد داوود بشدة أن الوضع في الجزائر ينبغي أن يخضع للمناقشة على مستوى الطبقة المثقفة، وأنه يجب ألا تكون هناك محظورات تستخدم كذرائع لفرض الرقابة. بينما يتهمه خصومه بأنه مناهض للعروبة وانه يخدم الأفكار الاستعمارية، رغم أنه أشار باستمرار إلى افتخاره بكونه جزائري وبعقيدته الإسلامية عقيدة الحياة، لا عقيدة الإجرام، كما يصورها المتطرفون للعالم.