المحجوبي أحرضان، شخصية مُثيرة للجدل ولكن محبوبة بشكلٍ عام، إذ يجمع بين السياسي، والشاعر الكاتب، والرسام، فضلاً عن كونه أكبر رمزٍ حيّ للمجموعة العرقية الأمازيغية في المغرب. كان متزوجاً من مريم أحرضان، وهي من أصولٍ فرنسية، توفت في عام 2015، وهو أبٌ لطفلين.
ولد في عام 1924 في ولماس، وهي قرية في سلسلة جبال الأطلس المتوسط، حيث بدأ أحرضان مسيرته العسكرية “ليتجاوز الحدود القبلية، ويضرب له جذوراً في العديد من الثقافات،” على حد تعبيره. في عهد الاستعمار الفرنسي (1956-1912)، كان عضواً في المجلس الوطني للمقاومة وأحد قادة جيش التحرير. وبعد الاستقلال، شغل منصب حاكم مقاطعة الرباط. وبعد عام واحد فقط على الاستقلال، أسس الحركة الشعبية، وأصبح زعيمها. كان هذا الحزب السياسي أول تنظيم أمازيغي في موقع السُلطة، وهو لا يزال يعمل حتى اليوم. خدم أحرضان في ثماني حكومات مغربية (من 2 يونيو 1961 إلى 1 أبريل 1985) حيث عيّن وزيراً للدفاع الوطني، ووزيراً للزراعة، ووزيراً للدولة مكلفاً بالدفاع الوطني ، ووزيراً للاتصالات، ووزيراً للدولة المسؤول عن التعاون، وأخيراً وزيراً للدولة من دون حقيبة. كسياسي، يُعرف أحرضان أنه جليل ويتمتع بالبصيرة والحنكة.
وهو رمزٌ للثقافة الأمازيغية من الطراز الأول. فهو يجسد الأصالة في كل أبعادها: بملابسه، وحركاته، وكلماته، وطريقته في الحياة. فقد ظل وفياً “للفلاح” و”للمواطن البسيط،” بداخله. أسس مجلة حضارة الأمازيغ ومراجعة التاريخ، التي انتقدت بشدة بعد طبعتها العاشرة بسبب معارضة المحافظين، الذين رأوا في الحركة الاجتماعية الأمازيغية تهديداً سياسياً. ساعد في تأسيس مجلة تيفيناغ وأغراو أمازيغ، ونشرات تيدمي الأسبوعية، وجميعها مكرسة لتعزيز وحماية الثقافة الأمازيغية.
أحرضان أيضاً فنانٌ موهوب، فالرسم بالنسبة له وسيلة للتطور والاسترخاء على حد سواء. فهو يُحب تذكير المغاربة أن بإمكان السياسي الرسم وأنّ الرسم يخلق سياسيين أفضل. كفنان، ينأى بنفسه عن الانقسامات والتسلسلات الهرمية لصنع السياسات، ويُعبر بحرية عن مشاعره وأفكاره دون الامتثال لأي رقابةٍ “سياسية،” والتي يقول عنها أنها “دائماً ما تُعيق لعب الأطراف الفاعلة على رقعة شطرنج السُلطة”.
ربما، حقق أحرضان النجاح، بشكلٍ ملحوظ، قبل وصول التكنولوجيا إلى المغرب. وعلى الرغم من الفجوة التكنولوجية، كان يتواصل مع العالم من خلال لوحاته، التي بدأت تنتشر في المعارض في جميع أنحاء العالم في عام 1957 (الولايات المتحدة الأمريكية). بعد ذلك في باريس (1962)، ومونتريال (1967) وجنيف (1969)، وكوبنهاغن (1969)، والجزائر (1969، 1974)، والرباط (1971، 1976، 1981)، وداكار (1974)، وبغداد (1974)، والقاهرة ( 1983)، وغرينوبل (1985)، والعيون (1985) وفاس (2005، 2007) وغيرها.
فتن فن أحرضان العديد من المثقفين، بما في ذلك فاطمة المرنيسي وزكية داوود. رأت المرنيسي فيه إنعكاساً كاملاً للعالم الأندلسي في القرن العاشر، الإمام ابن حزم. كتب ابن حزم كتاباً عن الحب، كتابه الشهير طوق الحمامة، الذي لم يصف فيه فقط مشاعره الخاصة، بل أيضاً شجع المسلمين ليكونوا أكثر عقلانية من خلال دراسة مشاعرهم غير المنطقية، بدءاً من الجاذبية غير المفهومة والنفور من الحب. وعندما سئل من قبل المرنيسي، اعترف أحرضان بدور والدته (حائكة السجاد والفنانة) بدورها في إبداعه. وفقاً له، فإن النسّاجات في جبال الأطلس العلوي والمتوسط، كانوا منذ آلاف السنين يستنسخون علاماتٍ سبقت الكتابة، ويتساءل عن سبب وصف الأمم المتحدة والبنك الدولي لهؤلاء النسوة بالأميين. بالنسبة له، وكذلك الأمر بالنسبة للمرنيسي، هؤلاء النسوة هنّ الأوصياء الوحيدون المتبقون من المعرفة التي تعود إلى العصر الحجري الحديث والتي لا توجد إلا على السجاد وفي مواقع ما قبل التاريخ.
وبالنسبة لداود، فإن الأعمال الفنية لأحرضان “رسومات، وأشكال غريبة، تعتمد على وتصوّر الحيوانات، والطيور، والبجع، والعيون، والخطوط في بعض الأحيان تصبح وحوشاً، والمواد العشبية، والأشجار.”
أحرضان شاعرٌ ينظم شعره باللغتين الأمازيغية والفرنسية، وقصائده ذات روح سياسية أقل من رسوماته، فهي واقعية وتعبر عن الحياة اليومية. كما أن أحرضان مؤلف كتاب ليكن ما يكون (الذي نشرته دار جوليار)، وTillas Aguns’n (ديوان شعري)، will… Mass The (1976)، وIguider أو أسطورة النسر، وStandard for Poem A (رواية)، وIrons Fire (رواية)، وبركة خلص.
وأخيراً، أحرضان رمزٌ حقيقي لهذا المزيج الثقافي الذي يعرّف المشهد المغربي. فهو رجلٌ مؤمنٌ ومخلصٌ لنفسه، ولمبادئه، ولبلاده، ولأصدقائه، ولثقافته؛ رجلٌ شجاع، رصينٌ في أقواله وأفعاله. هذه النزاهة جعلت من أحرضان قوةً لجميع المغاربة، الذين يتحدثون العربية والأمازيغية على حد سواء. وكما يصفه موحى ختوش في كتابه، أحرضان أو شغف الحرية (2000)، أحرضان رجلٌ غير عادي يملك هدفاً، إذ غالباً ما تصبح الجوانب المتعددة للعنصر السياسي مُعتمة بسبب الألم المتأصل والمتكرر، لارتداء نمطٍ شخصي يضرب جذور عقلانيته في أرضه الأمازيغية: أرضٌ غنية بالهوية المغربية فضلاً عن كونها توّرث التعدد والتنوع.