وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

رئيس الوزراء الأردني يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت مع استمرار تعثر الاقتصاد

Jordan- Omar Razzaz
رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، يلتقي بأعضاء مجلس النقباء في العاصمة عمان، 7 يونيو 2018. Photo AFP

خطى رئيس الوزراء الأردني الجديد، عمر الرزاز، أولى خطواته نحو وضعٍ مروّع بعد أن تم تعيينه في 5 يونيو 2018، وسط غضبٍ شعبي من الإصلاحات الاقتصادية المقترحة التي من شأنها زيادة الضرائب والنفقات الأخرى على جميع الأردنيين.

ومع ذلك، إذا ما كان هناك شخصٌ على قدر المسؤولية لشق طريقٍ يرضى كلاً من الشعب الأردني والممولين الدوليين للبلاد، فهو الرزاز. فهو مُفكرٍ واقتصادي تلقى تعليمه في جامعة هارفارد، فضلاً عن كونه من المؤيدين الصريحين للإصلاحات السياسية ويحظى باحترام واسع عبر مختلف الأطياف الاجتماعية.

بيد أن منصبه محفوفٌ بالمخاطر، حيث أن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، قد سبق وأطاح، في كثيرٍ من الأحيان، برؤساء الوزراء وأعاد تشكيل الحكومة لاسترضاء المتظاهرين على مر السنين. والرزاز هو الشخص الثالث عشر الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2000.

فقد أشاد الملك عبد الله الثاني، في كتاب التكليف وإعلان استقالة رئيس الوزراء السابق هاني الملقي، بالرزاز بقوله: “لقد عرفتك رجلاً وطنياً قريباً من الشعب والشباب خاصة، وصاحب رؤية وبصمة في كل مواقع المسؤولية التي شغلتها في عدد من المؤسسات الأردنية الرائدة. وتحصَّلت على خبرة وطنية وعالمية عميقة، ستكون بإذن الله وتوفيقه عوناً لك في المسؤولية الوطنية الكبيرة التي تنتظرك.”

وقال الرزاز في أول تغريدة بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة: “أتعهد بالحوار مع مختلف الأطراف والعمل معهم للوصول الى نظام ضريبي عادل ينصف الجميع ويتجاوز مفهوم الجباية، لتحقيق التنمية التي تنعكس آثارها على أبناء وبنات الوطن.”

فقد تمثل أول قرارٍ أصدره، بعد أن أدت حكومته، المكونة من مزيجٍ من الوجوه الجديدة والقديمة، اليمين الدستورية في 14 يونيو الماضي، بسحب مشروع قانون الضريبة المثير للجدل. وستكون المهمة الأصعب صياغة شكلٍ جديد لقانون الضريبة المستبدل، في ضوء المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الأردن والاعتماد على المؤسسات المالية الدولية.

ومن الجدير بالذكر أن الرزاز ينحدر من أسرة من المثقفين، فهو ابن منيف الرزاز، القومي العربي والأمين العام السابق لحزب البعث، وشقيق الروائي الأردني الراحل، مؤنس الرزاز.

فقد درس وعمل في بعض أبرز المؤسسات في الولايات المتحدة، كما حصل على درجة الماجستير من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ودرجة الدكتوراه من جامعة هارفارد ودرجة ما بعد الدكتوراه من كلية الحقوق بجامعة هارفارد. عمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كأستاذ مساعد في الفترة من 1995 إلى 1997 قبل أن ينضم إلى البنك الدولي، حيث عمل في العديد من المناصب، بما في ذلك مدير مكتب البنك الدولي في لبنان، حيث عاد إلى الأردن في عام 2006. ومنذ ذلك الحين، شغل سلسلة من المناصب في القطاعين الخاص والعام، بما في ذلك منصب مدير عام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، ورئيس مجلس إدارة البنك الأهلي الأردني، ومؤخراً كان يشغل منصب وزير التربية والتعليم.

ففي منصبه الأخير، كُلّف بإجراء إصلاحاتٍ رئيسية بنظام التعليم في الأردن، وبخاصة للتوجيهي (امتحانات شهادة الثانوية العامة). ومن بين تغييراتٍ أخرى، اشتملت خطته على السماح للطلاب بإعادة الإمتحان لعددٍ غير محدود من المرات وإنشاء نظام تصنيف متدرج بدلاً من نظام النجاح أو الرسوب البسيط. وحدد حد أدنى لمعدلات قبول الطلاب في مختلف التخصصات الجامعية.

كما انتقد بعد ذلك ميل النظام التعليمي للتركيز على التلقين عوضاً عن التفكير النقدي، والفجوة في الفرص المقدمة لفئات مختلفة من الطلاب.

وفي هذا الصدد، قال لمجلة فنتشر في عام 2017، “كلنا نعرف أن هناك فجوة في نظامنا التعليمي، بين التعليم الخاص والحكومي. كما أن هناك فجوة في نفس الفئة بين أولئك الذين يجلسون في المقاعد الأمامية وبين أولئك الذين يجلسون في الخلف.” وأضاف، “علينا أن نعمل على رأب هذه الفجوة ليكون التعليم فرصة للجميع لتحقيق أهدافهم.”

كما انتقد عدم الكفاءة والفساد في الحكومة الأردنية. في عام 2016، كتب لصحيفة جوردان تايمز عن دور البرلمان في وضع السياسة الاقتصادية، إذ قال: “للأسف، على مدى السنوات الماضية، انخفض تأثير أعضاء البرلمان على الإقتصاد إلى تدخلاتٍ فردية مدفوعة بالمحسوبية أو الواسطة والفوائد المحدودة بدلاً من المصالح الوطنية. وبشكلٍ عام، تميزت العلاقة بين الفرعين التشريعي والتنفيذي بالعداء المرتبط بالتبادل النفعي للمصالح، بدلاً من فصل السلطات مع الضوابط والتوازنات العاملة.”

وعلاوة على ذلك، فقد أدان البرلمان لعدم قيامه بدورٍ فعّال في مراجعة مقترحات ميزانية الحكومة، واقتراح التشريعات بدلاً من مجرد استعراض مشاريع القوانين، وأشار إلى الافتقار إلى السلطة لمراقبة الوكالات الحكومية الخاضعة للمساءلة ومحاسبتها.

وإذا ما كان تعيين الرزاز يهدف إلى تهدئة المتظاهرين ومنع تصاعد الغضب تجاه الملك، فيبدو أن الخطة قد نجحت إلى حدٍ ما، حيث انخفض عدد المتظاهرين، على الرغم من استمرار المظاهرات.

وعليه، عبّر العديد من أولئك الذين شاركوا أو أيدوا الاحتجاجات عن تفاؤلٍ حذر، وهنأوا الرزاز على تعيينه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. فقد كتب أحد الأردنيين من مستخدمي موقع توتير: “أنا فخورٌ جداً بأردننا الحبيبّ. أنا سعيدٌ ومتفاؤلٌ جداً لاختيار رئيس وزراءٍ جديد.” في حين كتب آخر، “على الرغم من أن الأمر لم ينتهي بعد، إلا أن استبدال رئيس الوزراء القديم بشخصٍ ذكي وبارع هو كنزٌ للأردن. نتطلع إلى أردن أكثر إشراقاً واتخاذ القرارات الذكية من الآن فصاعداً.”

ومع ذلك، تساءل آخرون عما إذا كان الرزاز يمثل تغييراً حقيقياً في الاتجاه. فقد أشار موقع حبر الإلكتروني أنه في ضوء “هتافات ’لن يحكمنا البنك الدولي’ و’فليسقط حكم الصندوق’… تأتي المفارقة الفاقعة في تعيين رئيس حكومة هو مدير مكتب البنك الدولي في لبنان سابقًا، لا بل وتسويق ذلك على أنه استجابة للإرادة الشعبية.”

كما كانت الصحفية الفلسطينية الأردنية، لميس أندوني، متشككة بقدرته على إحداث تغييراتٍ حقيقية في السياسات الإقتصادية التي اعتمدت على إجراءات التقشف، وبلعبه دوراً فعّالاً في تقديم المشورة والتصدي للقصر. فقد قالت: “إنه يتمتع حقاً بحسن الإطلاع والخبرة- إلا أن هذه ليست المعضلة.” وأضافت “ولكن هل سيتحدى جميع هذه المعايير؟ فلا يكفي اليوم أن تكون طاهر اليدين.”

وقد خاطب الرزاز المشككين به في تغريدةٍ له عبر تويتر بقوله، “كثير منكم غرّد: “كنت تمتحن أبناءنا واليوم دورنا لنمتحنك.” أنا مستعد لهذا الامتحان الذي سيكون بالكتاب المفتوح على تجارب العالم أجمع، ولكن الأسئلة والإجابات لن تأتي إلا من رحم الأردن برؤاه الملكية وعقول وأيدي أبنائه وبناته المخلصين والمخلصات.”