وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

رشيد الغنوشي: إسلامي يؤمن بالشمولية والحلول الوسط

رشيد الغنوشي
رشيد الغنوشي / Photo Mehdi Chebil/Polaris

رشيد الغنوشي مؤسس الحركة الإسلامية التونسية، حركة النهضة، وأحد أكثر المفكرين الإسلاميين العصريين البارزين في تونس والعالم العربي.

ولد في تونس عام 1941 لعائلة مسلمة متواضعة مما أثر في فهمه للإسلام التقليدي في وقتٍ مبكر من حياته. أكمل تعليمه في المدرسة الثانوية في جامع الزيتونة، ومن ثم انتقل إلى مصر وفي وقت لاحق إلى دمشق، حيث درس الفلسفة. في سوريا، تشرّب أيديولوجيات سياسية مختلفة، بما في ذلك الناصرية والبعثية، ولكنه تبع التيار الإسلامي في الجامعة، وبعد الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967، دعا زملائه الطلاب إلى الكفاح المسلح لتحرير فلسطين. كتب الغنوشي على نطاق واسع لدفع القضية الفلسطينية والمقاومة المسلحة ضد إسرائيل.

انتقل من كونه أحد أعضاء الحزب الاشتراكي العربي الناصري إلى إسلامي عام 1966. وبينما كان لا يزال في سوريا، غالباً ما حضر إجتماعات جماعة الإخوان المسلمين، جماعة البنين، وغيرها من الجماعات الإسلامية السلفية، والمعتدلة والصوفية.

وبعد فترة وجيزة من تخرجه من دمشق، غادر إلى باريس، في البداية بهدف استكمال دراساته العليا في جامعة السوربون، حيث كان لباريس تأثير كبير على حياته أيضاً كمفكر وقائد. بدأ حضور تجمعات الطلاب من شمال أفريقيا، الذين كانوا في كثير من الأحيان من الماركسيين، ثم التحق بالحركة السياسية الإسلامية الشعبية جماعة التبليغ والدعوة، حيث أصبح إماماً ولعب دوراً كواعظ لتعاليم الإسلام الأساسية من خلال التقترب من الناس، وغالباً المسلمين.

أمضى عاماً في باريس قبل أن يعود إلى تونس، حيث استأنف عمله مع حركة التبليغ لمدة ثلاث سنوات أخرى. ومع ذلك، حكم على جماعة التبليغ بكونها غير مؤهلة في سياق الحكومة التونسية. أدى هذا إلى تبنيه إلى جانب بقية أفراد جماعته نهج جماعة الإخوان المسلمين، حيث كانت تلك المنظمة آنذاك حركة سرية.

وأثناء تواجده في تونس، التقى بعبد الفتاح مورو، نائب رئيس البرلمان التونسي. وبرفقة مجموعة من أصدقائه التونسيين الآخرين، أسس الحركة الإسلامية في البلاد عام 1972. وبعد أن فتح الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة أبواب الديمقراطية في البلاد، قرر الغنوشي وزملاؤه حل الجماعة الاسلامية وفي عام 1981 أسس حركة جديدة، حركة الاتجاه الإسلامي، التي تعدّ الآن حركة النهضة. ومع ذلك، لم تحصل الحركة على رخصة قط وبالتالي كانت أنشطتها غير مشروعة. فتحت الحركة أبواب الديمقراطية ونصبت نفسها نصيراً للفقراء والضعفاء، وترأس الغنوشي رئاسة الحزب في حين عين مورو الأمين العام للحركة.

حركة النهضة

ميّز الشيخ الغنوشي حركته في تونس عن الحركات الإسلامية الأخرى في العالم العربي لأنها تربط أيديولوجيتها الإسلامية بالمدرسة المالكية التونسية التقليدية للفقه الإسلامي، والأيديولوجية الإصلاحية الشرقية، والثقافة العقلانية الحديثة. ومن المعروف أن الغنوشي متشدد في محاولته تحديث تونس، وكان يؤمن أنّ الحكومة التونسية، بطبيعتها، تبحث دوماً عن التحديث. وخلافاً لحكومة بورقيبة، التي كانت ترى أنّ التحديث يعني “تطبيق الثقافة الغربية” في تونس، حصرت الحركة الإسلامية للغنوشي نفسها بتحديث المجتمع التونسي ضمن الحدود الإسلامية.

ومع ذلك، قيدت الحكومة التونسية نشاطاته بدءاً من نهاية السبعينات، حيث سجن أول مرة بسبب نشاطاته السياسية عام 1981. وفي عام 1987، حكم بورقيبة عليه بالإعدام، ولكن الغنوشي كان محظوظاً حيث أنقذ بن علي حياته من حبل المشنقة؛ بسبب إنقلاب زين العابدين بن علي على بورقيبة نهاية عام 1987، حيث تم إطلاق سراح الغنوشي من السجن. وفي نهاية المطاف، اضطر الغنوشي إلى الفرار خارج تونس. وفي سياقٍ آخر، شكلت إدانته للعنف ودفاعه عن حقوق الإنسان تهديداً لنظام بن علي، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة. سافر الغنوشي إلى الجزائر والسودان قبل أن يتم منحه حق اللجوء السياسي في المملكة المتحدة في عام 1993. من المنفى، واصل عمله بمثابة الرئيس المنتخب لما أصبح يعرف باسم حركة النهضة.

وبعد الثورة التونسية عام 2011، عاد إلى وطنه وحشد الإسلاميين لإعادة دمج أنفسهم في العملية الديمقراطية التونسية. وعلى الرغم من الانتصار الكبير لحزب النهضة في الانتخابات التونسية الديمقراطية الأولى من أكتوبر 2011، رفض الغنوشي اتخاذ أي موقف سياسي ووعد بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية.

لعب الغنوشي دوراً أساسياً في مساعدة تونس لتصبح ما هي عليه اليوم، أول بلاد حرة في العالم العربي، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن مؤسسة فريديوم هاوس. فقد وقف ضد الاستبداد أثناء فترتي حكم الطواغي لتونس، وحث على الحوار السياسي الشامل وتواسط لتحقيق حكومة وحدة تعمل في فترة ما بعد الثورة. وقبل الانتخابات التشريعية عام 2014، جادل الغنوشي بجرأة لضرورة إيجاد حكومة ائتلافية شاملة تتضمن أياً كان من الساسة ممن يصوت لهم التونسيين، بما في ذلك العلمانيين والشخصيات التي خدمت في نظام بن علي السابق.

حصل الشيخ الغنوشي عام 2014 على جائزة ابن رشد لحرية الفكر وجائزة تشاتام هاوس عام 2012، التي حصل عليها مناصفةً مع الدكتور منصف المرزوقي، الذي كان آنذاك الرئيس المؤقت لتونس.