خلال مناقشات مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عُقد في الفترة من 15 إلى 17 فبراير 2019، تم الضغط على وزير الخارجية الإيراني لتقديم تفسيرٍ لإلقاء القبض على خمسة من أنصار حماية البيئة، بعضهم من المواطنين مزدوجي الجنسية لدولٍ غربية، في يناير 2018.
جذبت هذه الاعتقالات التي قام بها الحرس الثوري الإيراني أنظار وسائل الإعلام الغربية آنذاك، والأمم المتحدة، التي أعربت عن قلقها تجاه القضية.
فإيران تمتلك تاريخاً طويلاً بقمع الأنشطة المدنية والسياسية على حد سواء، وعلى الرغم من هذا، أثار اعتقال أنصار حماية البيئة بتهمٍ تتعلق بالأمن القومي أسئلةً حول الدافع الحقيقي للحرس الثوري الإيراني. فقد ازداد الوضع غموضاً عندما ناقضت وزارة الاستخبارات علناً الحرس الثوري الإيراني وزعمت أن أنصار حماية البيئة لا يشكلون تهديداً للأمن القومي.
لفهم الوضع على نحو أفضل، فمن الضروري أيضاً فهم السياق العام. طوال عقود، حذر المرشد الأعلى آية الله خامنئي من الغزو الثقافي والحرب الناعمة التي يشنها الغرب ضد إيران. وطوال فترة زعامته، نجم عن خطابه الثقافي-السياسي تصرفاتٍ عدوانية من قبل مسؤولي الدولة. وعلاوةً على ذلك، اتخذ الأمر منحنى أكثر تطرفاً، مثل الحظر الأخير على تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية. اتخذت تصريحاته حول الغزو الغربي بعداً أكثر تشاؤماً، ونادراً ما يمر عامٌ دون توجيه اتهاماتٍ إلى عدة أشخاص بتهمٍ كهذه.
بعض مخاوفه تحمل في طياتها أسباب وجيهة، إلا أن معظم الحالات ما هي إلا مزيجٌ من جنون العظمة ونظريات المؤامرة والتهم الملفقة.
ففي يناير وفبراير 2018، استهدف غضب النظام المجتمع العلمي في إيران، حيث اقتحم عملاء الحرس الثوري الإيراني منازل العديد من النشطاء المعنيين بالحياة البرية والناشطين في المجال البيئي في إيران. وكان من أبرزهم الدكتور كاووس سيد إمامي، وهو أكاديمي كندي إيراني ومؤسس مؤسسة تراث الحياة البرية الفارسية. وفي غضون 24 ساعة من اعتقاله، أُعلن عن انتحاره في السجن، حيث اتهم بالتجسس لصالح الموساد، المخابرات الإسرائيلية، بعد وفاته.
وبصرف النظر عن سيد إمامي، تم اعتقال اثني عشر آخرين من نشطاء الحياة البرية والبيئية الإيرانيين، حيث اتهموا جميعهاً بالتجسس وتم احتجازهم منذ ذلك الحين. وفي أكتوبر، تم رفع التهمة الأولية لخمسة منهم إلى “الفساد في الأرض،” وهي تهمة تصل أقصى عقوبتها إلى الإعدام.
وفي نفس الوقت تقريباً، اعتُقل لفترةٍ وجيزة أيضاً كاوه مدني، وهو أكاديمي حائز على جائزة من إمبريال كوليدج لندن. فقد أقنعت إدارة الرئيس حسن روحاني الخبير في مجال الحفاظ على المياه، مدني، بالعودة إلى إيران وتقلد منصب نائب رئيس منظمة حماية البيئة. سرعان ما تمت مهاجمته من قبل الفصائل المتشددة في البلاد، التي اتهمته بأنه عميل فاسد أخلاقياً للغرب. لمواجهة هذا الهجوم، استقال مدني وعمد إلى الاختباء، بعد احتجازه لمدة 72 ساعة، فضلاً عن تهديده واستجوابه عدة مرات. وعلى عكس غيره من علماء البيئة، تمكن من مغادرة البلاد، ولربما ساعده المتعاطفون مع الإدارة.
وقد جادل البعض بأن هذه الاعتقالات المكثفة جاءت رداً على الاحتجاجات واسعة النطاق التي اجتاحت البلاد في ديسمبر 2017 ويناير 2018. فقد كانت المخاوف بشأن التحديات البيئية، بما فيها أسوأ موجة جفاف تضرب إيران في العصر الحديث، السبب وراء هذه الاضطرابات.
بيد أن هذا يبدو أمراً غير محتمل أو على الأقل ليس السبب الرئيسي وراء الحملة. ففي السنوات الأخيرة، ركزت الأجهزة الأمنية بشكلٍ رئيسي على الإيرانيين من أصحاب الجنسية المزدوجة واتهمت العديد منهم بالتجسس والتآمر للإطاحة بالدولة، من بين أمورٍ أخرى، من خلال القوة الناعمة. كما جادل البعض بأن هذه الممارسة أصبحت طريقةً معتادة في التفاوض مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، فعلى سبيل المثال، تم إطلاق سراح أربعة أمريكيين إيرانيين مسجونين بعد أن توصلت إيران إلى اتفاقٍ مع واشنطن بشأن برنامجها النووي في عام 2016.
ومع ذلك، واصلت إيران القبض على رعاياها مزدوجي الجنسية فيما وصف بأنه تصرفات سافرة لأخذ الرهائن. وحالياً، تحتجز إيران حوالي عشرين من رعاياها مزدوجي الجنسية، ومن بين هؤلاء باقر وسياماك نمازي (أب وابنه أمريكيين من أصول إيرانية)، ونازنین زاغری رتکلیف (بريطانية إيرانية تعمل في مؤسسة تومسون رويترز)، وطالب التاريخ الصيني الأمريكي شييوي وانج.
يمكن القول إن الحملة ضد أنصار البيئة تتبع النمط نفسه، وإن كان ذلك بنطاقٍ موسع. ففي ديسمبر 2018، تم الكشف عن أن قوات الأمن قد اعتقلت الأكاديمية الأسترالية ميمانات حسيني شافوشي. وبعد اتهامهما بكونها جزءاً من مشروع التسلل الغربي الناعم، لا يزال وضعها الحالي غير معلوم.
في الواقع، مع تزايد الضغوط الخارجية على إيران، يضاعف جهاز الأمن من حملته على ما يعتبره “تهديداً للأمن القومي.” وفي ظل هذا المناخ، أصبح المواطنون مزدوجو الجنسية عرضةً للاعتقال بشكلٍ خاص. وفي سبتمبر 2018، نصحت الحكومة البريطانية البريطانيين الإيرانيين بعدم السفر إلى إيران، كما قامت بتشديد قائمة النصائح المتعلقة بالسفر وسلامة مواطنيها إلى البلاد.
وعلى الرغم من أن آلاف المواطنين الإيرانيين ممن يحملون جنسية مزدوجة لا يزالون يزورون البلاد كل يوم، فمن المرجح أن يفكر العديد منهم مرتين قبل القيام بالرحلة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المصير المجهول لخبراء البيئة المعتقلين سيثبط بالتأكيد بعض أعضاء المجتمع العلمي الإيراني الكبير في الخارج من العودة إلى ديارهم.