خرج مئات الأشخاص إلى شوارع مدينة مشهد، ثاني أكبر مدن إيران، في 28 ديسمبر 2017 احتجاجاً على ارتفاع الأسعار والسياسات الاقتصادية للرئيس حسن روحاني. ومنذ البداية، انتشرت شائعاتٌ حول “القوى الحقيقية” وراء الاحتجاجات، حيث أشارت بعض المصادر إلى أن المتشددين من نظموا هذه المظاهرات للضغط على الرئيس “البراغماتي.” عُززت هذه الشائعات عندما حذر نائب الرئيس اسحاق جهانغيري المتشددين من اللعب بالنار. وعلى الرغم من صعوبة تحديد الجهات التي تُدير خيوط اللعبة، إلا أن احتجاجات مشهد أشعلت فتيل المظاهرات في جميع أنحاء البلاد. وبالرغم من تصدرها عناوين الصحف العالمية لإسبوعٍ أو نحو ذلك، إلا أن العديد من المعلقين وجدوا صعوبةً في فهم الوضع، وغالباً ما تمت مقارنتها باحتجاجات عام 2009.
ومع ذلك، فإن نطاق وطبيعة الاحتجاجات الأخيرة لا يمكن مقارنتها باحتجاجات عام 2009 أو في الواقع أي انتفاضةٍ أخرى في تاريخ الجمهورية الإسلامية. فتاريخياً، خرجت حركات اجتماعية كبرى ضد الدولة في مدنٍ مثل العاصمة طهران، بل حتى أن ثورة عام 1979 كانت في المقام الأول انتفاضة حضرية، حيث تركزت بشكلٍ أساسي في طهران وغيرها من المدن الكبرى. وبالتالي، بالنسبة للقوى الأمنية، فإن الحفاظ على النظام في طهران كان بمثابة السيطرة على باقي البلاد.
وعلى النقيض من ذلك، أدت الاحتجاجات الأخيرة إلى إضفاء الطابع اللامركزي على المعارضة ودفعت بالمناطق الثانوية إلى عمق المعادلة السياسية والأمنية. أما الفرق الرئيسي الآخر فيتمثل بالأرقام، فعلى الرغم من أن احتجاجات عام 2009 اقتصرت بشكلٍ رئيسي على المراكز الحضرية الكبرى، إلا أن أعداداً أكبر من الأشخاص شاركوا فيها. وفي حين كانت الاحتجاجات الأخيرة أكثر انتشاراً ولم تتجاوز بعض التجمعات فيها الآلاف، عشرات الآلاف على أكثر تقدير، شارك الملايين من الناس في احتجاجات عام 2009.
فعلى مدى العقدين الماضيين، شهدت البلاد احتجاجين كبيرين (الاحتجاجات الطلابية عام 1999 أمرٌ آخر)، تركز كلاهما في طهران والمدن الرئيسية الأخرى. كما أن البعد العرقي ذو أهميةٍ أيضاً، ذلك أنه في عام 2009، بالكاد كان هناك أي انتفاضات في المناطق الحضرية غير الفارسية. وبالرغم من الصمت الذي عم مدينة تبريز، وهي مدينة أذرية، هذه المرة، إلا أن بعض المدن الأذرية الأخرى مثل أردبيل انضمت للاحتجاجات. كما كانت المناطق الكردية ساكنةً أيضاً في عام 2009، إلا أنه في هذه الاحتجاحات كانت مدينة كرمانشاه مركزاً هاماً للاحتجاجات.
وعليه، وصفت المعارضة الأخيرة بـ”ثورة الفقراء،” وهم الأكثر تضرراً من المشاكل الاقتصادية في البلاد. وقد اجتذبت الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المزورة، كما يزعم، في عام 2009، بشكلٍ رئيسي المتظاهرين من الطبقة المتوسطة الذين أعطوا الأولوية لمظالمهم السياسية والثقافية على المطالب الاقتصادية. وعلى الرغم من صعوبة الفصل بين المطالب الاقتصادية والسياسية، فإن ارتفاع الأسعار وتزايد عدم المساواة كانا المحرضين الرئيسيين للاحتجاجات الأخيرة.
لعبت الفصائل السياسة الإيرانية دوراً محورياً في احتجاجات عام 2009. وحشد الزعماء الاصلاحيون مثل مير حسين موسوي ومهدي كروبي ملايين الاشخاص بينما اتحد المتشددون خلف محمود احمدي نجاد. ويعتقد هؤلاء القادة ومؤيدوهم أنه تم تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح أحمدي نجاد. وفي النهاية، شكل الصراع بين هذين الفصيلين، إلى حدٍ كبير، ملامح الاحتجاجات. ومع ذلك، فإن الاحتجاجات التي اندلعت في أواخر عام 2017، وبصرف النظر عن أول مظاهرةٍ في مشهد، كان لها بعدٌ حزبيّ واحد فحسب، الذي شكل مفاجأةً لكل فصيلٍ في الجمهورية الإسلامية. فقد كانت معظم الشعارات مناهضةً للمؤسسة، وبالكاد استفاد أيٌ من الفصائل من الأحداث الأخيرة. والأهم من ذلك، يبدو أن قادة الفصائل الإصلاحية، مثل محمد خاتمي، لم يكن له سوى تأثير ضئيل جداً على المتظاهرين الغاضبين.
وأيضاً خلافاً لعام 2009، لم يكن في الاحتجاجات الأخيرة أي قيادة ولا إجماعٌ للآراء حول أهدافٍ موحدة. ففي عام 2009، بدأت الاحتجاجات بشعارٍ واحد “أين صوتي؟” ولكن هذه المرة، سرعان ما تحولت صرخات الإصلاح الاقتصادي إلى شعاراتٍ مناهضة للحكومة. وللمرة الاولى منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية عام 1979 طالب بعض المتظاهرين بعودة النظام الملكي. كما استهدفت العديد من الشعارات المُهينة المرشد الأعلى بشكلٍ مباشر، وهو أحد أكثر الشخصيات الموقرة في البلاد. فيما استهدفت شعارات أخرى سياسة إيران التدخلية في الخارج، والتي حملت عناوين “لا غزة، ولا لبنان، أضحي بحياتي من أجل إيران،” و”أتركوا سوريا وشأنها، والتفتوا لما يحصل في دياركم.” وعلى الرغم من أنه في المراحل اللاحقة من انتفاضات عام 2009، تجاوز بعض المتظاهرين سياسة الفصائل وهتفوا بشعاراتٍ ضد المرشد الأعلى والسياسة الخارجية للتدخل الإيراني، إلا أن الأهداف السياسية كانت أكثر تحديداً.
إلا أن هناك تشابه واحد يجمع بين الاحتجاجات في كلا العامين: لم تؤثر لا الاحتجاجات ولا حملات القمع اللاحقة على علاقات إيران مع العالم الخارجي. وفي كلتا الحالتين، ألقت الشخصيات الحكومية، مثل المرشد الأعلى والرئيس، باللوم على “عملاء أجانب” لتمهيدهم الطريق لبعض الاشتباكات المميتة. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الأخيرة لم تكن دمويةً كحال احتجاجات عام 2009، إلا أنه سرعان ما حذرت الحكومة الأميركية النظام الإيراني من قمع المتظاهرين، ونشر الرئيس دونالد ترمب تغريدة يُشجع فيها المتظاهرين علناً على مواصلة القتال. ويعدّ هذا تحولاً ملحوظاً عن دبلوماسية سلفه الهادئة، التي خيبت آمال الكثير من المتظاهرين في عام 2009، فقد كان أحد الشعارات الشعبية آنذاك “أوباما، إما أن تقف معنا أو معهم.” وعليه، لم تؤدِ الاضطرابات الحالية سوى إلى تعزيز وجهة نظر ترمب فحسب، والتي تقتضي بضرورة التخلص من النظام الإيراني. ومع ذلك، قد يكون لانتقاداته الصريحة نتائج عكسية، كما يقول الخبراء، وذلك من خلال تشريع الأبواب أمام المتشددين لزيادة القمع وإلقاء اللوم في نهاية المطاف على أمريكا.