بعد خمس سنواتٍ على رفع حالة الطوارىء التي امتدت على مدى 19 عاماً، وعلى وعود الرئيس الجزائري، الذي يجلس على كرسيه منذ فترةٍ طويلة، عبد العزيز بوتفليقة، بالإصلاح، تتواصل الاعتداءات على الحقوق الفردية، وحقوق العمال والنقابات العمالية في الجزائر. تقع انتهاكات حقوق الإنسان في خمسة مجالاتٍ رئيسية هي، حرية تكوين الجمعيات، والتجمع السلمي والاحتجاج، وحرية التعبير، وحرية المرأة، وحقوق الأقليات، والمساءلة عن جرائم الماضي.
حرية تكوين الجمعيات والتجمع والاحتجاج السلمي
يذكر أحدث تقريرٍ صادرٍ عن منظمة هيومن رايتس وواتش أن حرية تكوين الجمعيات والتجمع والاحتجاج السلمي مقيّدة بشدة، إلى جانب الاعتقالات والمحاكمات المتكررة للنشطاء السياسيين والنقابيين. ففي عام 2013، على سبيل المثال، قمعت الحكومة مظاهراتٍ واعتقلت بشكلٍ تعسفي النقابيين. وفي السنوات التالية، استخدمت الحكومة الفصل التعسفي، والسجن وغيرها من وسائل التخويف مع أعضاء النقابات المستقلة.
وفي مايو 2016، ذكر مؤتمر الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان (EuroMed Rights) أن النقابات في الجزائر تتعرض لمضايقاتٍ باستمرار ولا يمكنها التصرف بحرية. ويتعقد الوضع من خلال القمع المستمر للنقابيين المستقلين، فضلاً عن الممارسات الإدارية التعسفية التي لا تحترم الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية (ILO)، بما في ذلك الاتفاقية رقم (87) بشأن الحرية النقابية والحق في التنظيم، التي وقعتها الجزائر. ووفقاً لهذا، قام عدد من أفراد المجتمع المدني الجزائري والنقابات العمالية المستقلة بزياراتٍ متكررة إلى بروكسل وعواصم أوروبية أخرى للإبلاغ عن الاعتداءات والانتهاكات التي تقوم بها حكومتهم ضد حقوق الإنسان والنقابيين.
وعلاوة على ذلك، تواصل وزارة الداخلية منع تسجيل العديد من منظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات، مما يعوق قدرتها على العمل بشكلٍ قانوني ويعرضها لخطر التصفية. وتشمل القيود الإضافية الجمعيات التي تم تسجيلها قانونياً. وبالتالي، فإن القانون رقم 12-06، الذي سُنّ عام 2012، طالب جميع الجمعيات، بما فيها الحاصلة على تسجيل سابق، بإعادة تقديم طلبات التسجيل والحصول على إيصال التسجيل من وزارة الداخلية قبل أن تتمكن من العمل بصورة قانونية. كما يمنح القانون أيضاً السُلطات صلاحياتٍ تقديرية واسعة لرفض تسجيل أي جمعية يرون أنها مخالفة للنظام العام، والأخلاق العامة، وأحكام القوانين القائمة واللوائح.
حرية التعبير
إن انتهاكات حرية التعبير ليست أقل تواتراً. فعلى سبيل المثال، ذكرت لجنة حماية الصحفيين أن مهدي بن عيسى ورياض حرتوف، وكلاهما من كبار الموظفين في قناة “كا بي سي” التلفزيونية الخاصة، تعرضا للاعتقال في 23 يونيو 2016. تتعلق تهمة حرتوف ببرامجه الحوارية الساخرة “كي حنا كي الناس” (نحن كالآخرون)، و”ناس السطح،” اللذان يتطرقان للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك مزاعم الفساد ضد الرئيس بوتفليقة وغيره من كبار المسؤولين. ويواجه الصحفيان عقوبة قد تصل إلى عشر سنوات في السجن.
وفي 6 يوليو عام 2016، وقعت عدد من المنظمات على عريضة تحث السلطات على وضع حد لتزايد الهجمات على الصحفيين ووسائل الإعلام المنتقدين لها، وضمان مطابقة التشريعات الإعلامية مع الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان والضمانات الدستورية في الجزائر.
وفي 4 أكتوبر 2016، اتهم المدعي العام في محكمة البيض، الصحفي الحر حسن بوراس،الذي انتقد الحكومة بـ”إهانة مؤسسات الدولة،” و”هجماتٍ تهدف إلى قلب نظام الحكم.” وهو رهن الاعتقال منذ ذلك الوقت. وقد استهدف بوراس مسبقاً بسبب تقاريره عن مزاعم فساد في منطقة البيض.
حقوق المرأة
اعتمد في مارس 2015 مشروع قانونٍ يجرم العنف البدني ضد الزوجة والتحرش الجنسي في الأماكن العامة. ومع ذلك، وفي ظل معارضةٍ من الأحزاب الإسلامية والمحافظة، لم تتم بعد مناقشة القانون والتصويت عليه. وحتى الآن، لا توجد قوانين أخرى محددة تحمي من العنف المنزلي. ووفقاً لدراسة استقصائية وطنية، قالت ما نسبته 10,9% من النساء أنهن تعرضن للجماع الجنسي القسري على أيدي شركائهن، إذ لا يُعترف بالاغتصاب الزوجي صراحةً باعتباره جريمة بموجب القانون الجزائري. في الواقع، يسمح القانون للرجال الذين يغتصبون الفتيات تحت سن 18 عاماً بالهرب من الملاحقة القضائية عن طريق الزواج من ضحيته.
حقوق الأقليات
اعتقلت السلطات الجزائرية وحاكمت العديد من النشطاء السياسيين ونشطاء حقوق الأقليات بتهم الإرهاب بالرغم من ضعف الأدلة. ففي 9 يوليو 2015، اعتقلت قوات الأمن كمال الدين فخار و24 شخصاً آخرين. فقد اتهم فخار، وهو ناشط أمازيغي من دعاة الحكم الذاتي لمنطقة صحراء غرداية الشمالية، الحكومة في وقتٍ سابق بـ”التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل العرب السُنة ضد الأمازيغ.” ووجهت السلطات تهماً لجميع الخمسة وعشرون شخصاً بالمشاركة بأعمال إرهابية والتحريض على المواجهات العنيفة في الأحداث الدامية التي وقعت في 7 يوليو من ذات العام بين أعضاء من الأمازيغ والمجتمعات العربية في غرداية. قد يواجه المتهمون عقوبة الإعدام.
المساءلة عن جرائم الماضي
يواصل العديد من مرتكبي التعذيب، والاختفاء القسري، وعمليات القتل غير القانونية وغيرها من الانتهاكات خلال حرب العشرية السوداء في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، التهرب من الملاحقة القانونية بموجب ميثاق السلم والمصالحة القانونية لعام 1999. وعلاوة على ذلك، فشلت الحكومة في التحقيق بآلاف الانتهاكات لحقوق الإنسان في تلك الفترة على الرغم من الضغوط من أسر المفقودين.
ومنذ عام 2011، سمحت الحكومة الجزائرية لآلية واحدة تُعنى بحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة، ألا وهو المقرر الخاص المعني بالحق في التعليم، بزيارة البلاد. أما الطلبات الأخرى، بما في ذلك طلب فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، فلا تزال معلقة.
خلاصة القول أنّ حقوق الإنسان في الجزائر يتم انتهاكها باستمرار، ويبدو أن الحكومة تصم آذانها للنداءات المتكررة لمعالجة هذا الوضع.