سلكت حقوق الإنسان في المغرب، العالقة بين الإلتزامات الدولية والشريعة الإسلامية، مساراً متفاوتاً. فبعد حوالي أربعة عقودٍ من القمع في عهد الملك الحسن الثاني، والمعروفة باسم “سنوات الرصاص،” ارتفعت الآمال بالإصلاح مع جلوس الملك محمد السادس على العرش عام 1999.
تم تنفيذ سلسلة من الإصلاحات بين عاميّ 1999 و2008، والتي شملت إنشاء لجنة لإقرار تعويضاتٍ لضحايا حقوق الإنسان؛ وإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، وهي الوحيدة من نوعها في العالم العربي والتي تُعطي للضحايا فرصة التحدث علناً عن الويلات التي عايشوها؛ والإعتراف الرسمي باللغة والثقافة الأمازيغية؛ وقانون الأسرة المعدل لعام 2004، الذي يعالج نوعاً ما حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين؛ وقانون الجنسية، الذي عدّل عام 2008 ويسّهل على المرأة نقل جنسيتها لأبنائها. رُحب بهذه الإصلاحات داخل وخارج المغرب على حد سواء، واستبشر حلفاء البلاد الغربيين بنطاقها ووتيرتها.
وبكل تأكيد، تعتبر هذه الإنجازات استثنائية، إلا أنها فشلت في إيقاف إنتهاكات حقوق الإنسان. وفي ضوء ذلك، أثارت الحملة على الجماعات الإسلامية في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي وقع في الدار البيضاء في عام 2003 (فيما يتعلق على وجه التحديد بالتعذيب والاحتجاز التعسفي)، وعدم احترام سيادة القانون، والتضييق على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، الدهشة ووحدت قدسية الإسلام والصحراء الغربية والملك.
فهل شرع المغرب حقاً في عهد الملك محمد السادس بسلوك طريق الإصلاح، أم أنّ الإجراءات التي تم تنفيذها منذ عام 1999 هي في واقع الأمر استمرارٌ لنفس نظام الاستقطاب المشترك الذي وظفه الحسن الثاني؟
قيّمت سلسلة أخيرة من التحقيقات التي قامت بها مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني المغربي “النهج التشاركي” للحكومة، وأثارت العديد من المخاوف بشأن حالة حقوق الإنسان. ووفقاً للتقييم، ينبغي على جميع القوى الديمقراطية في المغرب التكاتف والوقوف بحزم من أجل الحفاظ على المكاسب الديمقراطية التي حصلوا عليها بشق الأنفس، وتفادي أي تدهور في الحقوق والحريات الأساسية.
وأكدّت التحقيقات ما كانت تعرفه بالفعل كل من جمعيات حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وجمعيات حقوق الأمازيغ، ووسائل الإعلام والحركات العمالية: الحكومة أنفقت ملايين الدراهم على مدى السنوات على منتديات تأييد التشاركية، والإجتماعات والأحداث “المعززة للحوار،” من أجل التوصل فحسب إلى قوانين لا تلائم توصيات هذه المنتديات.
ووفقاً للناشط الحقوقي الأمازيغي، أحمد عصيد، استخدمت الحكومة مصطلح “الحكم التشاركي،” وغيرها من التعابير الديمقراطية الحديثة والتقدمية لإضفاء الشرعية على قراراتها غير الديمقراطية أو غير الشرعية، مثل محاولة خفض سن الزواج إلى 16 عاماً، والتهميش المستمر للشعب الأمازيغي، على الرغم من الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية.
وفي 13 أبريل 2016، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها القطري السنوي حول ممارسات حقوق الإنسان. ووفقاً للتقرير حول المغرب، انخفضت ممارسات مثل التعذيب والاختفاء القسري منذ السبعينيات والثمانينات، إلا أنّ الفساد وعدم احترام سيادة القانون من جانب بعض قوات الأمن ازداد. رفضت الحكومة المغربية هذه المزاعم واعتبرتها “مشينة،” و”منحازة” بشدة.
فلعدة قرونٍ من الزمن، أو لنقل على الأقل منذ حرب الخليج الأولى (1990-1991)، انشغل العالم بأسره بكيفية إحداث تغييرٍ في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. بعبارةٍ أخرى، ما المطلوب لإرساء وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان لسكان المنطقة، وبأي الطرق يمكن للشركاء الدوليين، على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، لعب دورٍ فعّال.
فقد بات من الواضح في عام 2016، أن الإصلاح الديمقراطي الناجح ينبع من الداخل، وأنه يحتاج إلى توازن دقيق في المكونات: فالإرادة السياسية تأتي على رأس القائمة، ومن ثم إطار دستوري حديث، ومؤسسات قوية ومحددة، وصحافة حرة، ووسائل إعلام متنوعة ومجتمع مدني مفعم بالحيوية. وأخيراً وليس آخراً، السلام والاستقرار جزءٌ لا يتجزأ.
ففي المغرب، وجدت قضية حقوق الإنسان طريقها على جدول أعمال البرلمان وتتم مناقشتها من قِبل الحكومة والمعارضة على حد سواء. ولا تزال المواضيع الحساسة مثل الفساد والإجهاض وعقوبة الإعدام المحرّك لمثل هذه النقاشات. أما المواضيع الأخرى المثيرة للجدل مثل المثلية الجنسية والمجاهرة بتناول الطعام في شهر رمضان، فتشهد انفتاحاً أكبر لمناقشتها. وفي الوقت نفسه، يتواصل تقرير المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية فضلاً عن الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
المغرب ليس وحيداً في هذا السياق، فتقدمه المتعثر ما هو إلا انعكاسٌ لحالة حقوق الإنسان المتدهورة في أرجاء الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وفي الوقت الذي تناضل فيه المنطقة لمكافحة الإرهاب المتنامي، لا تزال الديمقراطيات الأكثر قوة في جميع أنحاء العالم تلتزم الصمت.