شهدت حرية الصحافة في المغرب تطوراً متفاوتاً منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش عام 1999. فقد رافق تتويجه انفراجاً ملحوظاً في الرقابة على الصحافة، الأمر الذي لقيّ ترحيباً واسع النطاق بعد أنّ حكم والده الراحل، الحسن الثاني، البلاد بقبضةٍ من حديد، حيث ارتفعت أعداد الصحف والمجلات إلى حدٍ كبير، وتم التطرق إلى المواضيع التي كانت تعدّ من المحرمات، كما بات بإمكان المرء التماس شعورٍ حقيقي بحرية التعبير. ولأول مرة في تاريخ البلاد، تم بث حفل زفاف الملك على شاشات التلفاز، فضلاً عن دعوة العديد من الشخصيات السياسية ممن كانوا يعيشون في المنفى للعودة إلى ديارهم ومنحهم فرصة التعبير عن آرائهم علانية. وسمحت لجنة المصالحة لضحايا ما يسمى بـ”سنوات الرصاص” الشهادة وحصل العديد منهم على تعويض عن الأضرار والمعاناة التي تعرضوا لها.
ومع ذلك، ومنذ تفجيرات 16 مايو 2003 في الدار البيضاء والتي نفذها متطرفون من تنظيم القاعدة، شهدت هذه الحرية مداً وجزراً. ومن الأمثلة على ذلك محاكمة الصحفي علي المرابط في أبريل 2005، الذي اتهم بالتشهير ومنع من ممارسة الصحافة لمدة عشر سنوات، واعتقال خمسة صحفيين فضلاً عن توجيه الانتقادات وملاحقة العديد من الصحف مثل جريدة “الأسبوعية الجديدة،” التي نشرت مقابلة مع الناشطة آنذاك نادية ياسين.
وتسلط المادة 41 من قانون الصحافة المغربي الضوء على ثلاثة خطوط حمراء لا يتوجب على الصحفيين المغاربة تجاوزها: النظام الملكي والإسلام والصحراء الغربية. تعتبر هذه المواضيع حساسة للغاية وأي تقارير تمس أي منها تتعرض للتدقيق أو اتخاذ الإجراء المناسب أو إدانتها وبالتالي تتم معاقبة الصحفيين المسؤولين عنها.على سبيل المثال,عام 2010، نظمت الحكومة مقاطعة إعلانية كاملة لمجلة “Le Journal Hebdomadaire” بعد مزاعم تشويه سمعة وزير الخارجية؛ وبالتالي قامت الدولة بحجز أصولها بعدما أعلنت الشركة الأم إفلاسها. وتحت هذه الظروف، الرقابة الذاتية منتشرة. كما عمدت الحكومة في بعض الأحيان إلى منع دخول المطبوعات الدورية الأجنبية التي اعتبرت مهينة للملك أو النبي محمد.
ويُسمح فقط بنشر التقارير التي تتماشى مع الموقف الرسمي للدولة حول الامتيازات الدينية والسياسية للملك، وقدسية الإسلام و”مغربية” إقليم الصحراء المتنازع عليه.
ومع ذلك، ومع اندلاع موجة الربيع العربي عام 2011، شهد الجدل حول حرية الصحافة طفرة جديدة ضخمة، وعلى مستوى البلاد ككل، والتي عززتها وسائل الإعلام الالكترونية. فقد وعدت الحكومة المغربية بإصلاح قوانين الصحافة والسماح بالمزيد من الحرية للصحفيين. وبالتالي، بات دستور 2011 يضمن حرية الصحافة. وبالرغم من ذلك، لم يتم ترسيخ هذه الضمانة في ظل استمرار القيود التي يتم فرضها على تغطية بعض القضايا الاجتماعية والسياسية. الخطوط الحمراء لا تزال قائمة، وكل من يخالفها يُعاقب بشدة.
ففي هذا السياق، حُكم على وليد بحمان، البالغ من العمر 18 عاماً، بالسجن 18 شهراً عام 2012 لنشره رسماً كاريكاتورياً للملك على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وفي بعض الحالات، يتم اتهام الصحفيين بتجارة المخدرات أو غيرها من الجرائم التي تقتضي الحبس في السجون كوسيلة لتكميم أفواههم. كم يتم اللجوء إلى القمع المباشر. عام 2011، انتقد رشيد نيني –المحرر والناشر والعمودي الرائد صحفي في صحيفة المساء – قوانين مكافحة الإرهاب، وممارسة التعذيب، والفساد المتفشي بين المسؤولين الحكوميين؛ وبالتالي حكم عليه بالسجن لسنة واحدة.
في عام 2002، أنشأت الحكومة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (HACA)، والتي من بين أمور أخرى، تراقب الامتثال للقوانين واللوائح المعمول بها في القطاع السمعي البصري وتعيين رؤساء محطات الإذاعة وقنوات التلفزيون العامة؛ حيث لا يوجد قنوات تلفزيونية خاصة في المغرب.
وبالمقارنة مع دول أخرى في المنطقة، فمن السهل نسبياً إنشاء المواقع الالكترونية ورفع المنشورات في المغرب حيث أنّ الانترنت متاح للجميع. وعلاوة على ذلك، أصبحت الاعتداءات الجسدية على الصحفيين الآن أقل مما كانت عليه في مطلع القرن العشرين، وتضاعفت أعداد الصحف المملوكة للقطاع الخاص (حوالي 20 صحيفة يومية و80 أسبوعية)، إلا أنّ هذا لم يحدّ من يقظة الحكومة، وغالباً ما يُستخدم الأمن القومي ذريعة لإضفاء الشرعية. الحكومة تقوم أحياناً بحجب مواقع معينة (منها Google Earth) وتراقب المدونات الإلكترونية. وقد سمح قانون الأمن الوطني بحجب المواقع الإلكترونية في حال اعتبارها “تخل بالنظام العام عن طريق الترهيب أو الإرهاب أو العنف”.
ووفقاً لمقالة نُشرت في 30 أبريل 2015، على الموقع الإخباري ” تيلكيل،” احتل المغرب وفقاً لمنظمة “فريدوم هاوس” المرتبة 145 من أصل 199 دولة من حيث حرية الصحافة، أي أعلى بمرتبتين عن العام السابق. وعلى الرغم من التقدم الطفيف ظاهرياً، يعود هذا على الأرجح إلى تراجع حرية الصحافة في البلدان الأخرى. أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تحتل المغرب المرتبة السادسة من بين 20 دولة.
كما انتقد الاتحاد الوطني للصحافة المغربية (SNPM)، في تقريره عام 2015، حالة حرية الصحافة ودعاإلى مزيد من الإصلاح. ومع ذلك، أكدّ الاتحاد على عدد من التغييرات الإيجابية، مثل استشارتهم من قبل وزارة الاتصالات خلال صياغة قانون جديد للصحافة في عام 2014. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم منع أي صحيفة في عام 2014 واعترفت السلطات بـ160 مواقع إخباري إلكتروني، التي توظف ما يقارب 25% من الصحفيين العاملين في الصحافة المطبوعة. وأشاد وزير الاتصالات باعتبار هذا “تطور مهم للغاية.”
عندما يتفحص المرء حرية التعبير في المغرب في الوقت الراهن، تبرز مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها المناخ السياسي والأحكام القانونية والعوامل الاقتصادية. وفي حين تم إحراز تقدم كبير نحو تحقيق استقلالية الصحافة، تستمر الحكومة في تعزيز مناخ التبعية والتخويف عن طريق الإعانات السخية من جهة، والرقابة المتكررة من جهة أخرى. وهذا يُضعف من قدرة وسائل الإعلام الوطنية والدولية، على حد سواء، على تغطية الأخبار دون تحيّز ويُثبط من عزيمة الصحفيين لتخطي الخطوط الحمر الاجتماعية والسياسية. ويرجع هذا جزئياً إلى حقيقة أنّ غالبية المغاربة سعداء بالحكم الملكي.