كان شهر مايو من عام 2018، وحتى بالمقارنة بسجل مصر المضطرب في مجال حقوق الإنسان على مدى السنوات الماضية، شهراً سيئاً على وجه الخصوص بالنسبة للنشطاء وغيرهم من الأصوات الناقدة في البلاد.
فقد تم اعتقال ما لا يقل عن ستة شخصياتٍ بارزة، خمسة منهم من منازلهم. وعلاوة على ذلك، زُعم أيضاً صدور حكمٍ على الباحث المتخصص في سيناء، اسماعيل الإسكندراني، بالسجن لعشر سنوات في 22 مايو من قِبل محكمةٍ عسكرية بتهمة نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى منظمة محظورة.
يعدّ هذا تذكيراً صارخاً بأنه حتى بعد إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في مارس 2018، يخطط النظام لمواصلة سياساته القمعية ضد أي شكلٍ من أشكال المعارضة وعملية القضاء على أي مساحة للنقاش والنقد.
كما تم اعتقال المدون الساخر شادي أبو زيد من منزله يوم 6 مايو، وبدايةً، لم يُعرف مكان وجوده، ولكن في 8 مايو، وجهت له تهم نشر أخبارٍ كاذبة واعتُقل 15 يوماً على ذمة التحقيق. وفي وقت كتابة هذا التقرير، لم يكن من الواضح ما إذا كان قد تم تجديد احتجازه السابق للمحاكمة رسمياً.
اشتهر أبو زيد بمزاحه مع الشرطة عندما وزع عليهم بالوناتٍ مصنوعة من أوقيةٍ ذكرية في 25 يناير 2016، الذي صادف الذكرى السنوية الخامسة للثورة وعيد الشرطة. ومنذ ذلك الحين، واجه تهديداتٍ من ضباط الشرطة، التي قدّم بها هو وعائلته شكاوى قانونية. كما استقال من عمله في البرنامج الساخر أبلة فاهيتا بعد تعرضه لضغوطاتٍ بسبب مزحته، بالرغم من مواصلته تقديم برنامجٍ على شبكة الإنترنت يتضمن مقابلاتٍ من الشارع.
وفي 11 مايو، اقتادت الشرطة أمل فتحي من منزلها برفقة زوجها محمد لطفي وابنهما البالغ من العمر عامين، اللذان أفرج عنهما بعد بضع ساعات. وقبل يومين من اعتقالها، نشرت فتحي مقطع فيديو على فيسبوك يندد بالتحرش الجنسي في مصر ويذكر أن ضباط الشرطة جزءٌ من المشكلة. وهي أيضاً قيد الإعتقال الإحتياطي رهن المحاكمة في انتظار التحقيق وذلك بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية واستخدام الإنترنت للدعوة إلى ارتكاب أعمالٍ إرهابية، ونشر أخبارٍ كاذبة وشائعاتٍ لتعطيل الأمن العام والإضرار بالمصالح الوطنية.
فقد ذكرت الصحافة الموالية للحكومة أنها عضوٌ في حركة الشباب المحظورة، 6 أبريل، في حين قال زوجها لطفي أنه ليس لها أي نشاطٍ سياسي يُذكر.
وبعد عدة أيام، أي في 15 مايو، ألقي القبض على شادي الغزالي حرب واحتُجز لمدة 15 يوماً. ويعتبر شادي أحد قادة الشباب خلال ثورة 25 يناير 2011، وكان يرأس حزب الدستور إلى حين استقالته في عام 2013. وتشمل الاتهامات الموجه له الانضمام إلى جماعة محظورة تهدف إلى تعطيل مؤسسات الدولة، ونشر أخبارٍ كاذبة وتقويض الثقة في الدولة.
وفي 18 مايو، قُبض على المحامي والقيادي النقابي هيثم محمدين. وقال المسؤولون إنه ينتمي إلى منظمة الاشتراكيين الثوريين ويجري التحقيق معه بشأن تورطه مع جماعة محظورة، والتحريض على المشاركة في الاحتجاجات ضد رفع أسعار تذاكر المترو والمشاركة فيها. ومن الجدير بالذكر أنه قد تم توقيف محمدين عدة مراتٍ من قبل، لدعوته للاحتجاج على نقل مُلكية جزيرتين في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية في عام 2016 ونشر الأكاذيب حول الجيش في عام 2013.
الشخص الخامس الذي تم توقيفه هو المدون الحائز على جوائز وائل عباس، الذي تعرض منزله لهجومٍ فجر 23 مايو. آنذاك، نشر على صفحته على الفيسبوك “أنا بيتقبض عليا.” وتم توجيه تهم مماثلة له، والمتمثلة في نشر أخبارٍ كاذبة والانضمام إلى منظمة غير قانونية. فقد كان لدى عباس مدونة انتقد فيها عنف الشرطة والفساد، وكان من الناشطين بالفعل خلال العقد الأول من القرن الماضي في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك، حيث تم احتجازه عدة مرات خلال السنوات الماضية.
وفي وقت كتابة هذا المقال، كان حازم عبد العظيم هو الأخير في سلسلة اعتقالات النشطاء البارزين. فقد تم اقتياده من منزله في 26 مايو. وتتضمن الاتهامات– مرةً أخرى- نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى منظمة محظورة. وعبد العظيم هو وزيرٌ سابق في عهد مبارك وكان شخصية رئيسية في حملة السيسي الانتخابية عام 2014. وفي وقتٍ لاحق أعرب عن أسفه لمشاركته ووصفها على تويتر بـ”أكبر خطيئة،” وأصبح من أشد منتقدي النظام. وكتب في واحدة من آخر تغريداته في 18 مايو:
” الظلم يزيد.والظالم يزداد ظلماً. وشباب بيتحبس يومياً… وشباب بيستشهد في سيناء… والفاشل يزداد فشلاً وتجبراً وغروراً واستهزاءاً بالشعب. والمنافقين يزدادوا نفاقاً.والنظام يزداد بطشاً وقمعاً استراحة واجبة من السياسة لفترة. الواحد قرف وزهق. ما بقاش فيه حاجة تتقال. لله الامر.”
ولم ينشر بعدها أي تغريدة برسالةٍ سياسية، ولكن على ما يبدو دون جدوى.
ومؤخراً، لم يكن أي من هؤلاء المعتقلين نشطاء فعلياً على وجه الخصوص في المشهد السياسي، إذ بالكاد عبروا عن انتقادهم من خلال قنوات وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنهم كانوا جميعاً، بشكلٍ أو بآخر، من الوجوه المعارضة خلال أو في مرحلة ما بعد الثورة.
ويعتقد مصدرٌ مقرب من القضية أن الاعتقالات ما هي إلا وسيلة لجعل هؤلاء النشطاء يدفعون ثمن نشاطهم السابق. ففي حالة أبو زيد، يتعلق الأمر بمزاحه ببالونات الواقي الذكري التي وزعها على الشرطة في عام 2016؛ أما محمدين والغزالي، فالأمر له علاقة بأدوارهما السياسية في أعقاب الثورة. وقد يكون اعتقال أمل فتحي مرتبطًا بعمل زوجها محمد لطفي، وهو محامٍ في مجال حقوق الإنسان ومؤسس اللجنة المصرية للحقوق والحريات. وقال لطفي لصحيفة ديلي بيست: “لم يجدوا طريقة لتخويفي، لذا استخدموا زوجتي ليتمكنوا من ذلك.”
ووفقاً لوسائل الإعلام المحلية، فإن فتحي جزءٌ من نفس قضية أبو زيد والغزالي والمدون محمد رضوان، الذي قُبض عليه في 6 أبريل. فقد اعتقل عباس مع اثنين من الصحفيين ومحامٍ في وقتٍ سابق من هذا العام.
وتعود قضية الباحث والصحفي المختص بسيناء، الإسكندراني، إلى نوفمبر 2015، عندما تم اعتقاله في مطار الغردقة بالقاهرة، إذ كان قد انتقد عمليات الجيش في شمال ووسط سيناء، حيث تقاتل مصر تمرداً عنيفاً لتنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2013. وتشهد المنطقة إغلاقاً أمنياً كاملاً ويمنع وصول الصحفيين أو المراقبين المستقلين. وعلاوة على ذلك، يُسيطر الجيش بصرامة على تدفق المعلومات القادمة من المنطقة.
وفي وقتٍ لاحق، نفى المتحدث باسم الجيش في تصريحٍ لمراسلون بلا حدود أن الإسكندراني لم يصدر بحقه حكمٌ بالسجن لعشر سنوات، مضيفًا المزيد من الغموض حول مصير الباحث.
وعلى أي حال، تُظهر موجة الاعتقالات خلال الأسابيع الماضية أن نظام السيسي يخطط لمواصلة المسار الذي اختاره منذ توليه منصبه في عام 2013: سحق المعارضة والقضاء تدريجياً على أي مساحة للمعارضة العلنية.