وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كأس العالم في قطر يشعل جدلاً ثقافياً

Qatar World Cup
A municipality worker walks past Qatari mounted policemen in the touristic quarter of Doha, the capital of the Gulf emirate of Qatar, on November 28, 2021.
Karim SAHIB / AFP

 

نشر الصحفي البارز والباحث المعروف في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية جيمس دورسي مقالة على مدونته الخاصة سلط فيها عن الجدل المثار حول حقوق مجتمع الميم والحملات الداعمة لهم في الأوساط الرياضية وتعارض هذا مع القيم الإسلامية والاجتماعية الراسخة في منطقة الشرق الأوسط. وتناول دورسي في مقالته الجدل الدائر حول هذا الموضوع قبيل انطلاق فعاليات كأس العالم في قطر عام 2022.

وقال دورسي إن لاعبو كرة القدم الذين يتبنون وجهات نظر متباينة تماماً تجاه المثلية الجنسية وشرب الكحوليات، أشعلوا جدلاً محتدماً حول الأعراف الإسلامية وحقوق الإنسان والعمال بينما تخطو قطر خطواتها الأخيرة في سباق الاستعداد لبطولة كأس العالم العام المقبل.

وهناك نقطتان تبرزان في الجدل السائد بخلاف الحجج المحددة التي طرحها كل من المعسكرين المتعارضين.

أولاً، تتقاطع بعض خطوط التصدع هذه مع خطوط المجتمع بدلاً من أن تحرض مجتمعًا (مسلمين) ضد آخر (غير مسلمين).

ويضيف دورسي: “ينطبق هذا القول على الجماهير في الأنظمة الاستبدادية مثل قطر والمملكة العربية السعودية، حيث لا يهتم هؤلاء كثيرًا بحقوق العمال. يضاف إليهم أنصار الأندية الأوروبية التي استحوذ عليها مشترون خليجيون لديهم الكثير من الأموال ومستعدين للإنفاق”.

لا يعني هذا إنكار أن البعض في دول الخليج يهتم بالحقوق تمامًا مثل عدد من المشجعين الغربيين الذين ما زالوا ينتقدون قطر على الرغم من إصلاحات نظام العمل فيها والمملكة العربية السعودية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في اسطنبول عام 2018.

ثانيًا، تكون خطوط التقسيم أكثر وضوحًا وترسيخًا عندما يتعلق الأمر بالمبادئ الاجتماعية والأخلاقية مما هي عليه فيما يتعلق، على سبيل المثال، بحقوق العمال.

ويأتي الانقسام حول الحقوق والمزاعم بأن الأحداث الرياضية الضخمة وغيرها من الأحداث تسمح للأنظمة الاستبدادية ذات السجلات الملطخة بغسل سمعتها في الوقت الذي تزيد فيه جماعات حقوق الإنسان من الضغط على قطر.

وبحسب دورسي، فإن النشطاء يريدون من الدولة الخليجية إصلاح نظام العمل لديها بدرجة أكبر، وتطبيق الإصلاحات المعتمدة بشكل صحيح، ورفع جميع القيود المفروضة على حقوق المرأة.

وعلى النقيض من حقوق مجتمع الميم واستهلاك الكحول، فإن حقوق الإنسان والعمال هي المجال الوحيد الذي تتقاطع فيه خطوط التصدع عبر الخطوط الدينية والعرقية.

يأتي ذلك في الوقت الذي رفض فيه مشجعو وسائقو سيارات السباق السعوديين دعوات مقاطعة بطولة فورمولا 1 هذا الشهر في جدة وكذلك فكرة الغسيل الرياضي لسمعة النظام، أي استخدام الرياضة لمواجهة الانتقادات لسجل حقوق الإنسان الملطخ للمملكة.

وقالت ريما الجفالي، أول سائقة سيارات سباق محترفة في السعودية: “كانت البلاد مغلقة عن العالم. الآن، يتغير الوضع، ويجب أن يدعموا رغبتنا هذه”.

وبالمثل، احتفل مشجعو نيوكاسل يونايتد بالاستحواذ على ناديهم من قبل صندوق الثروة السيادي السعودي حتى لو أعرب البعض عن قلقه بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.

ولم يمنع ذلك الآلاف ممن يرتدون الزي السعودي من الترحيب بالملكية الجديدة وثروة نيوكاسل المكتشفة حديثًا بمشاهد جامحة من الغناء والشرب عندما لعب النادي أول مباراة له في أكتوبر بعد الاستحواذ.

وبدأ لاعب كرة القدم الأسترالي المثلي جوش كافالو النقاش حول الجنسانية عندما أعلن في أوائل نوفمبر أنه يخشى اللعب في كأس العالم بقطر بسبب حظر الدولة الخليجية للمثلية الجنسية والعقوبات القانونية القاسية التي تتراوح من الجلد إلى فترات سجن طويلة.

وباعتباره من اللاعبين القلائل الذين ناقشوا ميوله الجنسية علنًا، فقد أعرب كافالو عن قلقه بعد شهر من إعلانه مثليته الجنسية. وقال كافالو إن لاعبي كرة قدم آخرين عبروا، بشكل خاص، عن مخاوف مماثلة.

وبدعم من الأندية الأعضاء، أطلق الدوري الإنجليزي الممتاز حملته لأربطة قوس قزح بعد وقت قصير من حديث كافالو. وتضمنت الحملة علامات تجارية تحت عنوان قوس قزح وأشرطة ذراع وأربطة وشارات عُرضت في المباريات التي أقيمت بين 27 نوفمبر و2 ديسمبر.

وأصر المسؤولون القطريون في السنوات الأخيرة على أن مؤيدي مجتمع الميم مرحب بهم خلال كأس العالم، لكن من المتوقع أن يحترموا الأعراف التي تستهجن التعبير العلني عن الميول الشخصية بغض النظر عن التوجه الجنسي.

والتقى بول أمان، مؤسس رابطة “Kop Outs” لمشجعي نادي ليفربول من أعضاء مجتمع الميم، في عام 2019 بمنظمي كأس العالم القطريين قبل أن يسافر إلى الدوحة مع زوجه لتقييم الوضع بنفسه.

وقال أمان عند عودته: “أنا مرتاح جدًا لأن نهجهم يتمثل في توفير روح (نرحب بالجميع) والتي تتضمن الاحترام، وإن كان هذا بشكل خاص. لست متأكدًا مما إذا كان سيتم قبول أعلام قوس قزح بشكل عام (داخل البلد)، ولكن ربما تُقبل في الملاعب”.

وفي رده على الحملة المؤيدة لمجتمع الميم، وهو ما عزز مخاوف كافالو على الأرجح، أصر أسطورة كرة القدم المصرية المتقاعد محمد أبو تريكة على أن المثلية الجنسيةلا تتوافق مع الإسلام.

وذهب أبو تريكة، الذي يعتبر أحد أفضل اللاعبين المصريين في التاريخ، إلى المنفى في قطر، حيث يعمل معلقًا في شبكة beIN، وهي شبكة للبث الرياضي تابعة للدولة الخليجية. وكانت السلطات قد اتهمته بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين المثيرة للجدل، وضمته إلى قائمة الإرهاب المصرية بعد رحيله.

ونفى أبو تريكة مزاعم أنه مول الإخوان. وكان قد فُرض حظر على الجماعة بعد الانقلاب العسكري عام 2013 الذي أطاح بمحمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين الذي كان أول وأوحد رئيس

كأس العالم في قطر
صورة تم التقاطها يوم ٥ مايو ٢٠١٥ لعمال أجانب يعملون في إستاد الوكرة لكرة القدم، وهو أحد الملاعب التي ستستضيف فعاليات كأس العالم المنتظر إقامتها في قطع عام ٢٠٢٢. وتم التقاط الصورة أثناء عودة العمال إلى مقر إقامتهم في مجمّع إزدان ٤٠، بعد انتهاء عملهم في ذلك اليوم. المصدر: MARWAN NAAMANI/ AFP.

منتخب ديمقراطيًا في مصر.

ولطالما اشتهر أبو تريكة بتعاطفه مع الإسلاميين، وألتراس أهلاوي، إحدى مجموعات مشجعي كرة القدم المتشددة التي لعبت دورًا حاسمًا في الاحتجاجات الجماهيرية عام 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، ودعمه للفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر من قبل إسرائيل ومصر.

وقال أبو تريكة: “دورنا هو الوقوف في وجه هذه الظاهرة، المثلية الجنسية، لأنها أيديولوجية خطيرة وأصبحت بغيضة ولم يعد الناس يخجلون منها. سيقولون لك (الدوري الإنجليزي الممتاز) أن المثلية الجنسية هي من حقوق الإنسان. لا، إنها ليس من حقوق الإنسان، بل هو في الواقع ضد الإنسانية”.

في المقابل، تسابق البرلمان القطري، ووسائل الإعلام الموالية للدولة، وأئمة المساجد السعودية، والدبلوماسيون السعوديون، والأزهر، قلعة التعليم الإسلامي في القاهرة، لترديد إدانة أبو تريكة لهذه الظاهرة.

ويضيف دورسي: “مع ذلك، لا يزال السيد أبو تريكة سامًا في وطنه مصر على الرغم من دعوته للأعراف الإسلامية. فقد استُبعد لاعبان من فريقه السابق، الأهلي، من تشكيلة النادي لمصافحة لاعب كرة القدم السابق خلال كأس العالم للأندية في قطر في فبراير الماضي”.

يأتي ذلك في الوقت الذي لا يزال فيه أبو تريكة يحظى بشعبية كبيرة بين أنصار النادي. وفي الملاعب القطرية، احتفل المشجعون المصريون بأبو تريكة خلال كأس العرب، الذي انتهى نهاية هذا الأسبوع، وهم يهتفون “يا تريكة”.

ما هو واضح في الجدل حول الجنسانية هو أن قليل من الناس، إن وجد، مستعدون للاقتناع بالحجج التي يطرحها الجانب المعارض. لدى كلا الجانبين مشاعر عميقة تجاه مواقفهما. إن أفضل ما يمكن للمرء أن يأمل فيه هو أرضية وسطية للتعايش المشترك، وهذا، على ما يبدو، ما يقترحه منظمو كأس العالم قطر 2022.

السؤال هو ما إذا كان الجدل قد سمح للجن بالخروج من القمقم. وكانت وسائل الإعلام ورجال الدين الذين تسيطر عليهم الدولة إلى حد كبير، وغيرهم في قطر وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، قد أشعلوا نيران هذا الجدل. وسعت تصريحات منظمي كأس العالم القطريين إلى تهدئة المخاوف الغربية، لكنهم، بالإضافة إلى المسؤولين الحكوميين، امتنعوا عن محاولة تهدئة المشاعر داخل البلاد.

لا يوجد فائزون في هذا الجدل. لن يفوز مشجعو ولاعبو مجتمع الميم ولن تفوز قطر أيضاً إذا أسفر الجدل عن موقف تصبح فيه الأجواء سامة في الفترة الأخيرة التي تسبق انطلاق كأس العالم وأثناء البطولة.

في حديثه إلى موقع Middle East Eye، لخص مواطن مصري مقيم في الدوحة المعضلة قائلاً:” إن شبكة beIN Sports في موقف صعب، إذ ستنتقدهم منظمات حقوق الإنسان لعدم إقالة أبو تريكة. لكن القطريين سينتقدوهم إذا قاموا بطرده”.

من ناحيةٍ أخرى، يبتعد لاعب ليفربول المصري محمد صلاح حتى الآن عن النزاع. ومع ذلك، فإنه لم يسلم من إعادة تأكيد الأعراف الإسلامية.

وانتقدت دار الإفتاء، وهي هيئة مصرية إسلامية، استشارية، وحكومية، اللاعب الشهر الماضي لعدم إدانته صراحةً لاستهلاك الكحول في مقابلة على التلفزيون المصري.

وبدلاً من ذلك، قال صلاح إنه لا يفكر في الكحول ولا يهتم بتجربته.

وقالت دار الإفتاء: “إن عدم التفكير في فعل الممنوعات لهو عبادة في حد ذاتها”.

ويخبرنا النقاش الأوسع حول دور الدين في التعليم والمجتمع بشكل عام عن مدى الإصرار على الأعراف الإسلامية. واتخذت دول الخليج خطوات مهمة في السنوات الأخيرة لتحرير الأعراف الاجتماعية.

وسبق للسعودية رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، بالتزامن مع تخفيف قيود الفصل بين الجنسين، وتعزيز حقوق المرأة، وتقديم الترفيه على النمط الغربي. لكن السعودية، مثل قطر، لم تلغ ولاية الرجل على المرأة بعد. من جانبها، رفعت الإمارات القيود المفروضة على استهلاك الكحول وسمحت بالعيش المشترك الأزواج غير المتزوجين.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، احتفلت قطر بعيدها الوطني باستعراض عسكري. وإلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أكدت قطر، بدرجة متزايدة، على الهوية الوطنية التي تحددها القومية والانتماء القومي بقدر ما يحددها الدين.

من جانبٍ آخر، تصادم ممثلو الأزهر والبرلمانيون والناشطون والخبراء المصريون هذا الأسبوع حول الحاجة إلى حفظ القرآن واستخدام النصوص القرآنية بدلاً من الشعر والأدب في دروس اللغة العربية.

وقال الصحفي إسحاق حنا، رئيس الجمعية المصرية للتنوير: “إن فصل الطلاب في فئة الدين هو شكل من أشكال التمييز الذي يقسم المجتمع”.

واقترح حنا شطب الدين من المناهج الدراسية واستبداله بصفوف دراسية عن الأخلاق والمواطنة.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “في عالم يمر بمخاض تحول اجتماعي واقتصادي، إن لم يكن سياسيًا، يشير الجدل حول المبادئ، والنابع من الدور المتزايد للخليج في الرياضات الدولية، إلى أن المعتقدات والمواقف الراسخة قد لا تواكب الإصلاحات من أعلى إلى أسفل”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/ في 19 ديسمبر 2021