وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مستقبل الإخوان المسلمين في مصر بعد وفاة محمد مرسي

Translation- Morsi
مصريون مؤيدون لحركة الإخوان المسلمين يحملون صور الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي أثناء تظاهرةٍ حاشدة أمام مسجد رابعة العدوية في العاصمة القاهرة يوم ٥ يوليو ٢٠١٣. واندلعت معركة عنيفة في القاهرة مع قيام الآلاف من مؤيدي الرئيس المخلوع بالزحف باتجاه مقر الحرس الجمهوري وذلك أثناء تظاهراتٍ حاشدة ومناهضة للإطاحة بمرسي. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على وضع جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي. ويقوم صاحب المقالة محمد طه، طالب الدكتوراه في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، بتقديم عرضٍ موجز لدور الجماعة في المجتمع المصري وعلاقتها بالسلطة منذ تأسيسها. كما يتناول الانتقادات التي وُجهت لاستراتيجيات الجماعة وسياساتها الداخلية من طرف معارضيها وأعضائها الشباب.

ومثلت وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في مكان محاكمته بالقاهرة يوم السابع عشر من يونيو الماضي، وهو اليوم نفسه الذي انُتخب فيه رئيساً قبل سبعة أعوام، نهاية فصلٍ من التاريخ المصري، إذ كان مرسي أول رئيس مصري يجري انتخابه في انتخاباتٍ تعددية وتمثيلية وشعبية. ويحمل دفن مرسي في مقابر المرشدين السابقين لجماعة الإخوان المسلمين في طياته دلالة رمزية على أن نهج الجماعة التي تم تأسيسها قبل تسعين عاماً لم يتغير بعد. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى عدم السماح لعائلة الرئيس المصري السابق بدفن جثمانه في مسقط رأسه بقرية العدوة في الشرقية كما تمنى.

وسبق لمرسي قيادة حزب الحرية والعدالة، وهو أول ذراعٍ سياسي رسمي لجماعة الإخوان المسلمين، ناهيك عن وقوفه على رأس نضال هذا الحزب على المستويات الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية. ولم تزد فترة رئاسة مرسي عن عامٍ واحد، إذ انتهت هذه الفترة بتعرض جماعة الإخوان المسلمين لأسوأ أزماتها الداخلية والخارجية. وما تزال الجماعة بعد مرور ست سنوات عاجزةً عن تجاوز هذه اللحظة في ظل التغير الدائم للمشهد الوطني والإقليمي والدولي.

وكانت الجماعة قد تأسست في عام ١٩٢٩ على يد حسن البنا كحركةٍ اجتماعية في مدينة الإسماعيلية الواقعة شرق مصر، وهو ما كان بمثابة ردّ فعل على سقوط الخلافة العثمانية. وتؤمن حركة الإخوان المسلمين بضرورة انعكاس الإسلام على جميع جوانب الحياة: سواءً أكانت هذه الجوانب سياسية، أو اجتماعية، أو شخصية. واعتقد الإخوان الأوائل أنهم قادرون على نشر هذه الفكرة من خلال الانتخابات والاندماج في الهياكل الاجتماعية والسياسية القائمة.

وحظيت الجماعة بأيامٍ رغيدة في ظل الحكم الملكي لمصر، وتمكنت من الانتشار سريعاً في أنحاء مصر والعالم حتى واجهت أولى حملات القمع في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر في عام ١٩٥٤. وعاودت الحركة بناء هيكلها مجدداً منذ السبعينيات فصاعداً إبان عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك.

وفي أعقاب الثورة التي أطاحت بمبارك في عام ٢٠١١، لم تقرر الجماعة في بداية المطاف إذا ما كان الوقت مناسباً للتقدم بمرشحٍ للانتخابات الرئاسية التي تلتها. وصوَّت مكتب الإرشاد مرتين رافضاً التقدم للانتخابات الرئاسية، إلا أن خيرت الشاطر، الرجل النافذ في الجماعة، تمكن من تغيير هذا القرار وحصل على موفقة الجماعة لترشحه. ومع ذلك، فقد كان الشاطر بين مجموعة مرشحين أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عدم أهليتهم للترشح، فاستُبدل بمرسي.

ويذكر طه أن الأعضاء الذين انشقوا عن الجماعة في عام ٢٠١٣ وسبق له إجراء مقابلات معهم لإنجاز رسالة الدكتوراه الخاصة به عن التواصل السياسي للجماعة أخبروه بأنه ما كان ينبغي على الجماعة المشاركة في الانتخابات الرئاسية. وبحسب صاحب المقالة، فإن العديد من أعضاء الجماعة الحاليين يحملون نفس الطريقة في التفكير.

الانشقاق الحزبي

Transation- ikhwan
الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي ينظر من خلف قضبان قفص المتهمين أثناء محاكمته يوم ٨ مايو ٢٠١٤ إلى جانب ١٣٠ آخرين بتهمة تنظيم فتح السجون خلال انتفاضة عام ٢٠١١ التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك. المصدر: AFP.

لم يكن يوجد أي اختلاف خلال رئاسة مرسي بين هيكل جماعة الإخوان وحزبها السياسي، إذ تداخلت أنشطة الأعضاء كلها؛ الإعلامية، والاجتماعية، بل وحتى الدينية.

ولعبت حركة الإخوان المسلمين دوراً أساسياً في حياة المصريين في عهد مبارك. فقد بنوا المستشفيات والمدارس، وأسسوا جمعيات خيرية، وساعدوا الفقراء، وهيمنوا على الاتحادات العمالية والطلابية. إلا أن كل هذا لم يسعفهم في إدارة البلاد عندما تولى حزب الحرية والعدالة السلطة الكاملة. وقد اتهمهم المعارضون بـ “أخونة الدولة”، أي رغبتهم في أن يشغل أعضاء الجماعة مناصب الدولة الحساسة كلها. وشعر الليبراليون واليساريون والمسيحيون وقوى أخرى داخل المجتمع المصري بالقلق إزاء آثار هيمنة الدين في ظل حكم الإخوان.

وفي أعقاب عزل الجيش لمرسي في يوليو من عام ٢٠١٣، انقسمت الجماعة إلى فصائل عدة. وضمن حملة القمع التي شنها الجيش بعد ذلك، تم تصنيف جماعة الإخوان كجماعةٍ إرهابية في مصر، ليتم في وقتٍ لاحق من العام نفسه حظر حزب الحرية والعدالة بتهمة التورط في العمليات الإرهابية بسيناء، علماً بأن الحزب أنكر هذه التهمة.

ويحاول قادة الجماعة منذ ذلك الحين – وغالبيتهم يقطن خارج مصر – إقناع الشباب المتبقين بأن النهج السلمي الذي أرسى حسن البنا دعائمه قبل تسعين عاماً ما يزال النهج الصحيح لتحقيق أهداف الجماعة. وكان البنا قد خطط لأن تعمل الجماعة تباعاً على بناء وتنمية الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، ثم الدولة المسلمة، ثم الوحدة بين الدول الإسلامية، وصولاً إلى “أستاذية العالم” في نهاية المطاف.

إلا شباب الجماعة لم يكفّوا منذ عام ٢٠١٣ عن سؤال قادتهم عن جدوى التمسك بذلك النهج بعد إزاحتهم من السلطة بكل سهولة بمجرد وصولهم إليها. ولهذا يعتقد الكثير من أعضاء الجماعة الشباب أن عليهم إيجاد طرقٍ أخرى لإنجاح “المشروع الإسلامي”.

وتجدر الإشارة إلى إجراء محاكمات جماعية تم فيها إدانة أعضاء من جماعة الإخوان بارتكاب سلسلةٍ من الجرائم الإرهابية أواخر عام ٢٠١٨، وأُصدرت أحكام إعدام بحق كثيرٍ منهم. كما أن كثيراً من شباب الجماعة انشقوا عنها بعد عام ٢٠١٣ احتجاجاً على استمرار هيمنة نفس القادة الذين يرون أنهم مسؤولون عن أزمة الجماعة.

عناد

يستنتج طه ممّا قام بإجرائه من أبحاث أن جماعة الإخوان المسلمين غير مؤهلة سوى لإجراء نذرٍ يسير من التغييرات التكتيكية على استراتيجياتها السياسية، وبصرف النظر عن حجم التغيّر الذي جرى من حولهم. وعلى الرغم من اعتماد قادة الجماعة المنفيين على خطابٍ وطني إلى حد ما لمخاطبة الشعب المصري بأكمله، فإنهم يلجؤون إلى أنماط التواصل الرئيسية نفسها التي كانت تُستخدم قبل تولي مرسي للسلطة.

وجرت عادة وسائل الإعلام التابعة للجماعة قبل حظرها في عام ٢٠١٣، ومنها جريدة الحرية والعدالة وقناة مصر ٢٥ الفضائية، على مهاجمة خصوم الجماعة باتهامهم بممارسة العنف مدعين أنهم لا يمثلون الإسلام، وأنهم ممولون من الخارج، وبأنهم لا يراعوا المصالح الوطنية. وأكد هذا الإعلام أن الجماعة هي وحدها التي تمثل الإسلام كحركة سياسية في مصر، وأنها طورت فهم تعاليم الإسلام، وأن اتباعها واجب على كل مسلم. وما تزال وسائل الإعلام التابعة للجماعة في الخارج تستخدم الإطار الأيديولوجي نفسه.

وشهدت وفاة مرسي موجة حدادٍ في مصر والبلاد التي تتواجد فيها حركة الإخوان المسلمين كتركيا وقطر والمملكة المتحدة. وعلى الرغم من إبداء الكثير من المصريين استعدادهم لتجاوز الحدث – خاصة مع اهتمام المصريين بكأس الأمم الإفريقية التي تستضيفها مصر – يبدو من الواضح أن كثيراً من مؤيدي الجماعة كانوا على أملٍ بعودة مرسي إلى الحكم. ويختم طه مقالته بالتالي: “ما لم تقم الجماعة بإجراء تغييرات كبيرة على استراتيجياتها السياسية وسياساتها الداخلية، فإنه من المستبعد أن تلعب الحركة دوراً في السياسة المصرية في زمنٍ قريب”.