وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سيطرة إردوغان على السلطة وتداعيات ذلك على مستقبل تركيا

تمكن إردوغان من الفوز بالانتخابات الرئاسية التركية بفضل الدعم القوي الذي قدمه له الناخبون المتدينون ولسيطرته على وسائل الإعلام.

سيطرة إردوغان على السلطة
أنصار رجب طيب إردوغان يحتفلون في شوارع إسطنبول بعد إعلان فوزه بالانتخابات يوم 28 مايو 2023. المصدر: Mert Can Bukulmez / Middle East Images via AFP.

محمد أوزالب أستاذ مساعد في الدراسات الإسلامية، ومدير مركز الدراسات والحضارة الإسلامية، وعضو قسم اللاهوت العام والسياقي بجامعة تشارلز ستورت.

تمكّن رجب طيب إردوغان من تمديد رئاسته لتركيا لخمس سنوات أخرى بعد فوزه يوم الأحد 28 مايو 2023 بجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية على منافسه كمال كيليتشدار أوغلو. وفي حال إتمامه المدة الرئاسية القادمة، فسيكون قد حكم تركيا 26 عاماً، أي منذ مطلع الألفية تقريباً.

لكن المدهش هو اختيار أغلبية الأتراك لإردوغان على الرغم من تدهور الأوضاع الاقتصادية والتضخم المفرط المزمن، وكلاهما كان يكفي لإسقاط الحكومة في أي بلد ديمقراطي.

كيف فاز إردوغان إذاً بالسباق الانتخابي؟ والأهم، ما المتوقع أن يحدث في تركيا في المستقبل المنظور؟

انتخابات حرة لكن غير نزيهة

كانت الانتخابات حرة من حيث قدرة الأحزاب السياسية على المشاركة بمرشحيها والقيام بحملاتها الانتخابية. كما كان للأحزاب الحق في مراقبة جميع مراكز الاقتراع من خلال ممثليها لضمان حرية تصويت الناخبين وسلامة فرز الأصوات.

إلا أنّ الانتخابات لم تكن نزيهة.

بدايةً، تم الحكم على أحد أبرز المنافسين المحتملين في الانتخابات – أكرم إمام أوغلو – في ديسمبر 2022 بالسجن لمدة تزيد على عامين بتهمة “الإساءة لأحد الشخصيات العامة”.

وكان إمام اوغلو، عمدة إسطنبول الذي يحظى بشعبية واسعة، قد ألحق هزيمة استثنائية بحزب إردوغان في الانتخابات البلدية بإسطنبول عام 2019. وتوقعت استطلاعات الرأي حينها فوزه أمام إردوغان في انتخابات الرئاسة بهامش كبير.

ويرى البعض أنّ حكم المحكمة كان بدافع سياسي. ومع خروج إمام أوغلو من الصورة، كان على المعارضة أن تصطف خلف كيليتشدار أوغلو، أضعف المرشحين البارزين.

يفرض إردوغان سيطرة شبه مطلقة على وسائل الإعلام التركية بتخطيط وإشراف فخر الدين ألتون رئيس وحدة الاتصالات بالرئاسة.

وتخضع وسائل الإعلام التركية للملكية المباشرة لأقارب إردوغان، مثل جريدة الصباح التي يديرها سرهات البيرق*، أو تخضع لسيطرة مديري التحرير الموالين الذين يعينهم ألتون. أما بعض المواقع الإلكترونية المستقلة مثل موقع T24، فتمارس رقابة ذاتية على نفسها كي تتجنب الحظر.

وفي ضوء هذه السيطرة الهائلة، حصل إردوغان ورجاله على النصيب الأكبر من التغطية التلفزيونية. وأخرجه الإعلام في صورة أحد أبرز قادة العالم وهو يقود تركيا نحو الأمام ببناء المطارات ومدّ الطرق والجسور. كما حاوره عديدٌ من الصحفيين على شاشة التلفاز. إلا أن جميع الأسئلة كانت معدّة سلفاً، وتلا إردوغان أجوبته المجهزة مسبقاً بمساعدة شاشة التلقين.

كما أشرف ألتون على حملة كبيرة لتشويه سمعة كيليتشدار أوغلو. ولم يحصل مرشح المعارضة سوى على تغطية ضئيلة، وأخرجته وسائل الإعلام في صورة المرشح العاجز غير المناسب لقيادة البلاد.

ولم تقتصر سيطرة ألتون على قنوات التلفاز التقليدية والصحافة المطبوعة، بل وصل الأمر إلى منصات التواصل الاجتماعي. وعلى تويتر، الذي يُعد من المنصات المؤثرة في تركيا، استعان ألتون ببرمجيات “bots” بجانب جيش من مرتزقة الحسابات المزيفة ومشاهير وسائل التواصل للسيطرة على المناقشات الدائرة حول الانتخابات.

وقد نجحت هذه الحيل في دفع عدد كاف من الناخبين لتغيير قرارهم نتيجة البلبلة والتخويف من وقوع البلاد في مأزق أكبر في حال انتخاب كيليتشدار أوغلو.

وأخيراً، توجد احتمالية وقوع تزوير في الانتخابات في ضوء عدم الشفافية التي أحاطت بعملية الفرز. فبمجرد الانتهاء من فرز كلّ صندوق، تتولى الشرطة في المدن والقوات المسلحة في المناطق الإقليمية عملية نقله إلى اللجنة العليا للانتخابات. وتخضع الشرطة والقوات المسلحة لسيطرة إردوغان.

بعد ذلك، تُعلن النتائج حصراً عن طريق وكالة الأناضول المملكة للدولة بعد أن كانت تُعلن عن طريق عدة وكالات مستقلة.

وحتى إن لم يتضح أي دليل على التزوير في هذه الانتخابات، يظل شبح التزوير حاضراً ليشكك في نزاهة العملية الانتخابية برمتها.

دعم جارف من الناخبين الإسلاميين

ثمة عاملان آخران ساهما في حسم الانتخابات.

الأول، هو الدعم الذي تلقاه إردوغان من سنان أوغان الذي حلّ ثالثاً في الجولة الأولى من التصويت قبل أسبوعين، حيث حصل على 5.2% من الأصوات. ونجح إردوغان في إقناع اوغان بدعمه في جولة الإعادة.

العامل الثاني والأهم هو أن الناخبين المحافظين والمتدينين يعتبرون إردوغان شخصيةً شبه أسطورية. وينظر هؤلاء إلى إردوغان باعتباره بطلاً دينياً ومنقذاً لهم.

ولطالما عانى المتدينون في تركيا من الاضطهاد باسم العلمانية. ويمثل كيليتشدار أوغلو وحزبه (حزب الشعب الجمهوري) رمزاً لهذا الاضطهاد. وعلى الرغم من تخلي كيليتشدار أوغلو عن سياسات حزبه العلمانية الصارمة، فإن الناخبين المتدينين لن يغفروا سياسات منع ارتداء المسلمات للحجاب داخل المباني الحكومية والمؤسسات التعليمية وإبعاد الدين من الحياة العامة والسياسة لعقود طويلة.

وينظر اليمين المتدين والمحافظ في تركيا لإردوغان على أنه قائد وبطل عالمي كافح وقاوم قوى خبيثة في الداخل والخارج ليعيد المجد لتركيا من جديد.

ما المتوقع بعد الانتخابات التركية؟

كانت تركيا في حاجة إلى استنشاق نسيم التغيير في حكومتها. أما الآن فمن المرجح أن تزداد وطأة الاختناق السياسي والاقتصادي الذي تتعرض له البلاد.

ووعد إردوغان بتحقيق انتعاشة بحلول عام 2023 الذي يوافق الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية. وكان من المفترض أن تدخل تركيا ضمن أكبر عشر اقتصادات على مستوى العالم بحلول هذا التاريخ. لكن تركيا تمكنت بالكاد من البقاء ضمن أكبر 20 اقتصاد حيث تحتل حالياً المركز التاسع عشر.

وعانى الاقتصاد التركي من تراجع حاد خلال السنوات الثلاثة الماضية. وانهارت قيمة الليرة التركية ليتحول الاقتصاد نحو الاعتماد على الدولار الأمريكي.

إلا أن من الصعب توفير الدولار الأمريكي، فقد اتجه البنك المركزي التركي لضخ احتياطياته الدولارية خلال الأشهر القليلة السابقة للانتخابات للحفاظ على الاقتصاد من الانهيار. ويعاني البنك المركزي من عجز في حسابه الجاري قدره ما بين 8 و10 مليارات دولار شهرياً، كما تحول الاحتياطي إلى السالب للمرة الأولى منذ 2002.

والآن على إردوغان أن يدبّر المبالغ المالية التي تحتاج إليها البلاد. وسيلجأ للقروض الأجنبية مرتفعة الفائدة ويبدأ في مناورات دبلوماسية لجذب بعض الأموال من الدول الإسلامية الغنية بالبترول إلى تركيا. في المقابل، قد يدخل الاقتصاد التركي في مرحلة ركود نتيجة ضبابية المشهد بشأن نجاح هذه السياسات ومردودها على المدى القصير.

وسينعكس ذلك على الشعب التركي في صورة زيادة كبيرة في معدلات البطالة وانخفاض مستوى المعيشة. وبلغ معدل التضخم أعلى مستوى له في آخر 24 عاماً ليسجل 85.5% العام الماضي. ومن المحتمل أن يواصل ارتفاعه في ضوء لجوء الحكومة لإصدار النقود الرقمية لتتمكن من دفع رواتب العاملين في جهازها الإداري الضخم.

أما على صعيد السياسة الدولية، فإنّ إردوغان سيواصل سعيه ليجعل من تركيا قوةً إقليميةً مستقلة عن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وسيواصل على الأرجح تعزيز العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يشكّل مصدر قلق لحلفاء تركيا في الغرب.

ماذا يحمل المستقبل لتركيا؟

ستكون هذه آخر مدة رئاسية لإردوغان وفقاً للدستور التركي. ومن المحتمل ألّا يكمل إردوغان مدته الأخيرة.

ويعاني الرئيس البالغ من العمر 69 عاماً من عدّة مشكلات صحية، في ظل التدهور المتزايد لحالته البدنية، وهو ما يؤثر على قدرته على المشي والحديث. وقد تتدهور حالته الصحية بصورة أكبر وربما يفوض مهامه الرئاسية لنائب يثق فيه.

ومن المحتمل أيضاً أن تحاول أبرز الشخصيات المؤثرة في حزبه الانقلاب عليه لعزله قبل انتهاء مدته، ليتمكنوا من كسب الدعم الجماهيري قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2028.

وفي نهاية المطاف، قد تنعم تركيا بعد الانتخابات ببعض الاستقرار السياسي في الوقت الراهن. بيد أنّ البلاد ستعاني أزمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المستقبل القريب.

* في المقالة الأصلية، ورد اسم سادات البيرق، علماً بأن اسم الرئيس التنفيذي هو سرهات البيرق. لذا اقتضى التنويه.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/global في 29 أيار 2023