وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

استراتيجية الصراع بين إسرائيل وغزّة تشارف على حافة الهاوية

Translation- Israel Gaza
فلسطينيون يبحثون عن مكانٍ يختبؤون فيه من الغاز المسيل للدموع أثناء الاشتباكات التي اندلعت مع القوى الأمنية الإسرائيلية شرقي جباليا بالقرب من الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة يوم ١٨ مايو ٢٠١٨، وذلك أثناء احتجاج الفلسطينيين على وضع حجر الأساس للسفارة الأمريكية بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثير للجدل بنقل السفارة إلى القدس. المصدر: AFP

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على التطورات الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة واعتماد الجانبين على سياسة “حافة الهاوية”. ويقوم مايكل أرمسترونغ، الأستاذ المساعد المختص ببحوث العمليات في جامعة بروك الكندية، بمناقشة هذه الاستراتيجية من الناحية التاريخية، محاولاً في الوقت نفسه تحليل الأحداث الأخيرة التي وقعت على الحدود بين الجانبين عبر الاستناد إلى هذه الاستراتيجية. كما يعرض أرمسترونغ الأسباب التي ستوقع بإسرائيل وقطاع غزة “في الهاوية” إذا استمرا في اتباع تلك الاستراتيجية.

وشهدت الآونة الأخيرة اندلاع صراع درامي بين إسرائيل وقطاع غزة عندما قام “مسلحو الفصائل الفلسطينية” المقيمون في قطاع غزة بإطلاق ما يزيد عن ٤٦٠ من الصواريخ وقذائف الهاون على إسرائيل. واستطاع نظام “القبة الحديدية” الإسرائيلي التصدي لنحو ١٠٠ من هذه القذائف، في الوقت الذي سقطت فيه أغلبية ما تبقى من القذائف في أراضٍ مفتوحة. إلا أن ذلك لم يحل دون سقوط ٣٠ صاروخاً على مناطق مأهولة بالسكان، ما أسفر عن مقتل مدني واحد وإصابة ٥٥ آخرين.

ويعد هذا الهجوم الأكبر من نوعه منذ عام ٢٠١٤، إذ وصل مجموع ما أطلقته غزة من القذائف والصواريخ خلال العام الجاري إلى ١١٢٤ صاروخاً.

ردت إسرائيل بقصف ١٧٢ هدفاً تابعاً لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في غزة، ما أسفر عما وصفه صاحب المقالة بـ “مقتل” ١٥ فلسطينياً، وتسوية عدد من المباني بالأرض.

وكانت نتائج تبادل الضربات مفاجئة من ناحية محدّدة، إذ بدا أن الطرفين على وشك التفاوض لعقد هدنة بفضل الوساطة المصرية. وجاء هذا الأمر على الرغم من مطالب الجانبين التي تبدو متناقضة على صعيد الجوانب المتعلقة بالأمن العسكري، والنشاط الاقتصادي وتبادل الأسرى.

يرى أرمسترونغ من ناحية أخرى أن العزوف المفاجئ عن الهدنة والانتقال إلى حالة الاشتباك كان أمراً متوقعاً، مستدلاً على ذلك باعتماد الجانبين على سياسة “حافة الهاوية” للتعامل مع بعضهما البعض. وتجدر الإشارة إلى أن استراتيجية المساومة هذه تطرح على الدوام مخاطر قابلة للخروج عن السيطرة.

حافة الهاوية بين النجاح والفشل

تُعتبر سياسة “حافة الهاوية” من الاستراتيجيات الفعالة لحل النزاعات، إلا أنها محفوفة بالمخاطر. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت باستخدام هذه السياسة بنجاح خلال أزمة الصواريخ الكوبية التي شهدها عام ١٩٦٢. وتمكنت واشنطن من إجبار الاتحاد السوفييتي على التراجع وتجنب الوقوع في شرك حرب نووية. إلا أن السوفييت لم يتراجعوا عن موقفهم قبل إسقاط طائرة تجسس أمريكية ونسف سفينة حربية.

إلا أن هذه الاستراتيجية لم تتمكن من تحقيق نفس المستوى من النجاح أثناء إضراب المراقبين الجويين الذي شهدته في أمريكا عام ١٩٨١، إذ لم يستسلم اتحاد المراقبين أو الرئيس رونالد ريغان أثناء هذا النزاع العمالي. واستمر هذا الوضع على حاله حتى قام ريغان بفصل المضربين في نهاية المطاف، ما أدى إلى خسارة 11 ألف موظف لوظائفهم بالتزامن مع تعطيل رحلات شركات الطيران لعدة أشهر.

تهديدات متبادلة

يرى أرمسترونغ أن الوضع القائم بين إسرائيل وقطاع غزة يشير إلى اعتماد الطرفين على سياسة “حافة الهاوية” للضغط على الطرف الآخر. وبصورةٍ مماثلة لما عليه الحال في الأمثلة التاريخية المذكورة أعلاه، فإن هذا الوضع يحمل في طياته بضعة خصائص أساسية.

وتكمن الخاصية الأولى في أن كلا الطرفين سيعاني من كارثة يرغب في تجنبها إذا لم يتم التوصّل في نهاية المطاف إلى اتفاق.

ويرغب الجانبان في تجنب الوقوع في حربٍ شاملة كما كان عليه الحال في عملية “الجرف الصامد” (العصف المأكول) التي اندلعت في عام ٢٠١٤. وبحسب صاحب المقالة، فإن دفاع إسرائيل الجوي والمدني سيحد، في حال وقوع حرب، من الخسائر الناتجة عن صواريخ وقذائف غزّة التي يقدّر عددها بنحو ٢٠ ألفاً. إلا أن وقوع مثل هذا الصراع سيكلف اقتصاد إسرائيل مليارات الدولارات كما حدث في “الجرف الصامد”.

أما على مستوى غزة، فإن وقوع مثل هذه الحرب سيؤدي إلى تدمير بنية غزّة التحتية الضعيفة أساساً عبر ما ستقوم إسرائيل بشنه من غارات جوية وضربات مدفعية. كما قد يؤدي الغزو البري إلى إسقاط حكومة “حماس“.

التقدم ببطء نحو الكارثة

Translation- hamas
فلسطينيون يبحثون عن مكانٍ يختبئون فيه بعد تصاعد الدخان في أعقاب غارةٍ جوية إسرائيلية على أحد النقاط التابعة لحركة “حماس” شمالي قطاع غزة يوم ٦ فبراير ٢٠١٧. المصدر: AFP.

تكمن الخاصية الثانية في أن الطرفين سيتجهان عمداً نحو كارثة مشتركة باعتمادهما على هذه الاستراتيجية، خاصةً وأن كلا الطرفين يعلن عن تصميمه ورغبته في الاقتراب من حافة الهاوية. ويرى أرمسترونغ أن كل طرف يأمل في تنازل الطرف الآخر أولاً.

وتتضح تلك المنهجية في حالة التصعيد العسكري التي شهدتها غزة. فقد بدأ من وصفهم صاحب المقالة بـ “المسلحين” باستخدام الطائرات الورقية المشتعلة لحرق المحاصيل الإسرائيلية في أبريل الماضي. كما قام هؤلاء في مايو الماضي بإطلاق ١٨٨ صاروخاً وقذيفة، وهو ما يُعتبر أول هجوم كبير يتم شنه على إسرائيل منذ عام ٢٠١٤.

وشهد شهر يونيو الماضي انضمام البالونات المحملة بالمواد المتفجرة إلى الطائرات الورقية المشتعلة. وفي يوليو، قُتل جندي إسرائيلي قنصاً بالقرب من الحدود، وهو الحدث الأول من نوعه منذ أربع سنوات. وتبع ذلك إطلاق المزيد من الصواريخ.

وبحسب صاحب المقالة، فإن هذا الوضع دفع إسرائيل إلى تعجيل استجاباتها لهذه التطورات. وبدأت هذه الأخيرة باعتراض الطائرات الورقية المشتعلة. وفي يونيو الماضي، بدأت إسرائيل بإطلاق طلقات تحذيرية بالقرب من فرق إطلاق الطائرات الورقية، لتبدأ منذ شهر يوليو باستهدافهم بصورةٍ مباشرة، ما أسفر في البداية عن وقوع الإصابات وبعد ذلك على مقتل أحدهم.

وشرعت إسرائيل باستخدام الضربات الجوية في ١٤ يوليو فقط بعد شن الهجمات الصاروخية، حيث قامت الطائرات بإلقاء نحو ٥٠ طناً من القنابل. إلا أنها باتت انتقاماً شائعاً من هجمات الطائرات الورقية أيضاً.

فقدان السيطرة

وتمكن الخاصية الثالثة لسياسة “حافة الهاوية” في تزايد خطر فقدان السيطرة. وقد ينوي كلا الطرفين بالتوقف تماماً عن الاقتراب من الوقوع في خضم كارثة وهما على شفا الوقوع فيها، إلا أنها على دراية بأن الانزلاق في الهاوية هو الاحتمال الأقرب.

وقد حدث ذلك عدة مرات في غزة. ففي الوقت الذي تقوم فيه حركة “حماس” بفرض سيطرتها على غزة، فإن سيطرتها كانت محدودة على حركة “الجهاد الإسلامي” وغيرها من الفصائل المسلحة. وتشير بعض التقارير إلى أن حركة “الجهاد الإسلامي” هي التي بدأت إطلاق الصواريخ في شهر مايو الماضي، علماً بان حركة “حماس” لم تتدخل في المعركة إلا في وقتٍ متأخر. وتجدر الإشارة إلى أن قناصاً تابعاً لما وصفه الكاتب بالمسلحين “المارقين” أصاب جندياً إسرائيلياً بالقرب من الحدود في يوليو الماضي بحسب بعض التقارير. وفي أكتوبر الماضي، تسبب صاروخ تم إطلاقه بالصدفة بتدمير منزل إسرائيلي.

وكان هذا النوع من المخاطر قد تضخّم بسبب العلاقات المتوترة للغاية والتي لا تتحمل وقوع أي خطأ. فبعد هجوم “القناص المارق” في يوليو الماضي، قامت القوات الإسرائيلية على الفور بمهاجمة منشآت تابعة لحركة “حماس”، ما أدى إلى مقتل ثلاثة فلسطينيين. ورد “مسلحو غزة” بإطلاق تسعة صواريخ، ليؤدي ذلك بدوره إلى سبع غارات جوية إسرائيلية أخرى. ولم يستغرق كل هذا التصعيد سوى يوم واحد فقط.

اكتشاف جواسيس إسرائيليين

في المقابل، فقد فقدت إسرائيل أيضاً شيئاً من قدرتها على السيطرة على نفسها. ففي أغسطس الماضي، أخطأت دورية تابعة للجيش الإسرائيلي في تحديد طبيعة أحد أنشطة حركة “حماس” واعتبرت أن هذا النشاط كان تدريباً على القنص. وقامت دورية حرس الحدود بقتل اثنين من المسلحين. أما حالة العنف التي شهدها الأسبوع الماضي فقد اندلعت بعد اكتشاف جواسيس إسرائيليين أثناء مهمة لهم في غزة، علماً بأن أحد هذين الجاسوسين لقي مصرعه هناك.

كما انزلق السياسيون الإسرائيليون على نفس المستوى، خاصةً وأن هؤلاء تنافسوا في إظهار تأييدهم للحرب في ظل ما تعيشه إسرائيل من إحباطٍ عام. ووصل الأمر إلى درجة دعوة وزير التعليم للحرب.

قد يبدو مثل هذا الحديث الحازم محض تظاهر. إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي استقال احتجاجاً على قرار الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على استئناف وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، وهو منح حركة “حماس” سبباً للاحتفال. ويعني هذا الأمر أن الحكومة الائتلافية في إسرائيل قد تنهار، وربما تُجرى انتخابات برلمانية مبكرة.

ويختم أرمسترونغ مقالته بالتالي: “قد تكون إسرائيل وغزة استأنفتا حالياً وقف إطلاق النار الهش بينهما، إلا أنه من المرجح استمرار حالة الاضطراب والعنف بين الجانبين إلا إذا وقعت معجزة. ومما لا شك فيه، فإن هذا الأمر يترك الجانبين على بعد حادثةٍ واحدة من الوقوع في الحرب”.