وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

معاهدة الدفاع الأميركيّة السعوديّة: الشروط والهواجس المتبادلة

من المرتقب أن تؤدّي معاهدة الدفاع الأميركيّة السعوديّة إلى إعادة التقارب الاستراتيجي بين البلدين، بعد محطّات عدّة من توتّرات كبيرة بين الدولتين.

معاهدة الدفاع الأميركيّة السعوديّة
الرئيس الأمريكي جو بايدن (في الخلف) وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (في الأمام) يصلان لالتقاط الصورة العائلية خلال قمة جدة للأمن والتنمية (GCC+3) في أحد فنادق مدينة جدة الساحلية على البحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية في 16 يوليو. 2022. ماندل نجان / وكالة فرانس برس

علي نور الدين

باتت الولايات المتحدة الأميركيّة والمملكة العربيّة السعوديّة قاب قوسين أو أدنى من توقيع معاهدة الدفاع المشتركة بينهما، بعدما اتفق البلدان على 90% من بنود هذا الاتفاق.

وبمجرّد دخول المعاهدة حيّز التنفيذ، ستكون الرياض قد دخلت مظلّة الحماية الأمنيّة الأميركيّة، وفق نموذج شبيه للضمانات الدفاعيّة الأميركيّة الممنوحة لليابان وكوريا الجنوبيّة في شرق آسيا.

إلا أنّ توقيع الاتفاقيّة لا يزال معلّقًا بانتظار البت ببعض الشروط والهواجس المتبادلة. ومنها على سبيل المثال، إصرار واشنطن على أن تكون الاتفاقيّة جزءًا من صفقة إقليميّة شاملة، تفضي إلى التطبيع بين السعوديّة وإسرائيل.

وفي المقابل، يبدو أن الرياض تمكنت من فرض مطالبها، لجهة تضمين الاتفاقيّة ضمانات قانونيّة كافية، تُلزم الولايات المتحدة بالتدخّل لمصلحة المملكة عند تعرّضها لأيّ تهديدٍ أمني.

لكن بمجرّد توقيع هذا الاتفاق، من المتوقّع أن يكون الشرق الأوسط أمام توازنات سياسيّة مختلفة، سواء من ناحية العلاقة الدفاعيّة بين الولايات المتحدة بالمملكة والمملكة، أو من جهة الحضور الأميركي في المنطقة.

ومن المؤكد أن العديد من دول المنطقة، وفي مُقدّمها إيران، ستترقّب التحوّلات الناتجة عن هذا الاتفاق.

تأثير مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي

تُدرك إدارة بايدن مدى اهتمام القيادة السعوديّة بتوقيع هذه الاتفاقيّة. ولهذا السبب، تحاول إدارة بايدن اعتماد الاتفاق كورقة ضغط على المملكة، لتسهيل مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي.

وهكذا باتت الولايات المتحدة تربط علنًا ما بين التطبيع والاتفاقيّة الدفاعيّة، ضمن رزمة واحدة من “التفاهمات الإقليميّة”. وهذا الربط، يمثّل حاليًا الشرط الأميركي الرئيس، الذي يؤخّر توقيع الاتفاقيّة.

من ناحيته، لا يرفض ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان المضي بالتطبيع مع إسرائيل، بالتزامن مع توقيع المعاهدة الدفاعيّة مع الولايات المتحدة. غير أنّه يرفع شروط مضادة قبل الموافقة على التطبيع، ومنها تجميد الاستيطان في الضفّة الغربيّة وانسحاب إسرائيل من قطاع غزّة، ومن ثمّ بدء مسار يفضي إلى قيام دولة فلسطينيّة على حدود العام 1967. وتنفيذ هذه الشروط، يبدو متعذّرًا في الوقت الراهن، في ظل سيطرة اليمين المتطرّف على مقاليد الحكم في تل أبيب.

لذلك، تحاول القيادة السعوديّة إقناع الإدارة الأميركيّة بالإبقاء على “الخطّة ب”، المتمثّلة في إمكانيّة توقيع المعاهدة الدفاعيّة بشكل مستقل عن مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، في حال رفض رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو شروط التطبيع التي تصر عليها المملكة.

وفي حال فصل المسارين، وفق “الخطّة ب”، ستعد القيادة السعوديّة الأميركيين بعدم التخلّي عن مسار التطبيع في المستقبل، لكنّ هذا المسار سيبقى مربوطًا بمعالجة القضيّة الفلسطينيّة.

احتمالات قبول الإدارة الأميركيّة بـ “الخطّة ب”

في الوقت الراهن، تتوقّع معظم التحليلات والمصادر رضوخ الإدارة الأميركيّة لاحقًا للمقترح السعودي. وهو ما يعني المضي قدمًا بـ “الخطّة ب” وتوقيع الاتفاقيّة الدفاعيّة قبل استكمال التطبيع السعودي الإسرائيلي، إذا ما أصرّ نتنياهو على رفض الشروط السعوديّة.

لكنّ الإدارة الأميركيّة لن تُعلن السير بهذا الخيار، قبل استنفاد جميع الخيارات الأخرى المتاحة أمامها، لإقناع الجانب الإسرائيلي بتسوية تفتح المجال أمام التطبيع مع السعوديّة.

في النتيجة، تملك الولايات المتحدة مصلحة استراتيجيّة بتوقيع الاتفاق الدفاعي مع السعوديّة، إذ سيكفل الاتفاق بقاء السعوديّة تحت مظلّة الحماية الأميركيّة في المستقبل، والحد من تباين المصالح الأميركيّة السعوديّة. لكنّ إدارة بايدن تحاول استثمار الخطوة لتحقيق أهداف أخرى في الوقت عينيه، ومنها دمج إسرائيل في محيطها العربي، وتحقيق الرؤية الأميركيّة القائمة على حل الدولتين.

ومن الجدير الإشارة أيضًا إلى أن الولايات المتحدة وضعت بعض الشروط غير العسكريّة، للقبول بتوقيع الاتفاقيّة الدفاعيّة. ومنها على سبيل المثال التزام المملكة بتسعير وبيع النفط بالدولار في المستقبل، وتفادي أي تفاهمات مستقبليّة تتوسّع باستعمال العملات المحليّة الأخرى في تجارة النفط.

وبهذا الشكل، تحاول الإدارة الأميركيّة استباق تداعيات دخول السعوديّة في مجموعة “بريكس”، التي تستهدف تقليص الهيمنة الأميركيّة على النظام المالي العالمي.

الشروط والهواجس السعوديّة

على المقلب الآخر، ومنذ بداية المفاوضات، تركّزت الهواجس والشروط السعوديّة على مصداقيّة الاتفاق الدفاعي وجديّته. أي بمعنى أوضح، أرادت المملكة منذ البداية أن يكون الاتفاق ملزمًا وبشكل صريح للطرفين، بما يفرض تقديم المساعدة العاجلة لبعضهما في حال وقوع هجوم ضد أيّ منهما.

مع الإشارة إلى أنّ بعض الاتفاقيّات الدفاعيّة تفتقر إلى هذا النوع من الجديّة، وخصوصًا تلك التي تقتصر مفاعيلها على مشاريع مشتركة للتدريب والتسليح والمناورات.

الجانب الآخر من المطالب السعوديّة، اتصل بتمكين المملكة من الحصول على الأسلحة الأميركيّة المتطوّرة، وعلى تكنولوجيا تصنيع الأسلحة على الأراضي السعوديّة. كما تسعى السعوديّة –من خلال الاتفاق- إلى تصنيفها كحليف عسكري رئيس للولايات المتحدة، من خارج حلف “الناتو”، وهو ما سيفتح الباب أمام استضافة المملكة لكميّات أكبر من احتياطات السلاح الاستراتيجي الأميركي.

أخيرًا، ألحّت السعوديّة على تضمين الاتفاق دعمًا لبرنامجها النووي السلمي، المُعد لغايات مدنيّة. وقد مثّل هذا الجزء من المطالب السعوديّة الجانب الأكثر حساسيّة بالنسبة إلى واشنطن، التي تدرك جيّدًا أن بن سلمان سيحاول إنتاج الأسلحة النوويّة، بمجرّد تمكّن طهران من إنتاجها.

وعلى هذا الأساس، تركّز التفاوض بين الطرفين طوال المرحلة الماضية على حدود هذا البرنامج وسقفه، والضوابط التي سيخضع لها.

التوازنات السياسيّة الأميركيّة الداخليّة

لم تتسرّب بعد كافة تفاصيل الاتفاق، بعدما أنجز الطرفان صياغة معظم بنوده. غير أنّ المؤكد –بحسب المسؤولين في البلدين- هو أن الاتفاق الدفاعي سيتمتّع بالفعاليّة والمصداقيّة التي طلبتها المملكة منذ البداية، ما يعني أنّه سيتمتّع بالصفة المُلزمة للطرفين في المستقبل.

كما سيوفّر الاتفاق الضمانات الأمنيّة التي تكفل حماية السعوديّة، تحت المظلّة العسكريّة الأميركيّة، في وجه أي مخاطر إقليميّة محتملة.

لهذا السبب، ستضطر إدارة بايدن الحصول على موافقة الكونغرس على الاتفاقيّة الدفاعيّة، نظرًا لطابعها المُلزم، وهذا ما سيحتاج إلى أكثريّة عابرة للحزبين.

وهكذا، سيمثّل تمرير الاتفاق -بهذه الصيغة- تحديًا كبيرًا بالنسبة للإدارة الأميركيّة، إلا أن السعوديّة ستكون قد حصلت على إلتزام قانوني ثابت لا يتبدّل مع تبدّل الإدارات والرؤساء في البيت الأبيض.

هذا مع العلم أنّ تمرير الاتفاق في الكونغرس سيزداد صعوبة، إذا لم يترافق مع تطبيع إسرائيلي سعودي، خصوصًا إذا أبدت حكومة نتنياهو بعض التحفّظات على هذا الاتفاق.

ولاستباق الانشغال بالانتخابات الرئاسيّة، من المتوقّع أن تحاول إدارة بايدن إنجاز الاتفاق الدفاعي قبيل منتصف صيف العام 2024. أمّا في حال عدم توقيع الاتفاق بحلول هذا التاريخ، فسيكون على القيادة السعوديّة انتظار نتائج الانتخابات الرئاسيّة، مع احتمال تبدّل أولويّات وخطط الإدارة الأميركيّة المقبلة في حال فوز دونالد ترامب.

التأثير على التوازنات الجيوسياسيّة في المنطقة

توقيع اتفاقيّة دفاعيّة من هذا النوع، سيترك تداعيات كبيرة على التوازنات الجيوسياسيّة في المنطقة. فالنتيجة الأولى لهذا الاتفاق، ستكون زيادة الحضور العسكري الأميركيّة في الشرق الأوسط، خصوصًا إذا ما نصّت الاتفاقيّة على بنود تفرض بناء قواعد أميركيّة جديدة على أراضي المملكة، أو تزيد من حجم الاحتياطات العسكريّة الأميركيّة المُخزّنة هناك.

كما من المرتقب أن تؤدّي الاتفاقيّة إلى إعادة التقارب الاستراتيجي السعودي الأميركي، بعدما شهدت العلاقات بين الدولتين توتّرات كبيرة في محطّات عدّة.

أمام تطوّر من هذا النوع، سيكون من الطبيعي أن تثيرَ هذه التطوّرات حفيظة طهران، وهو ما سيطرح السؤال عن أثر الاتفاقيّة الدفاعيّة على مسار المصالحة السعوديّة الإيرانيّة.

لكن في المقابل، ستستفيد المملكة من الغطاء الأمني الأميركي المباشر، في حال تعرّضها لأي ضربات من خصومها في المنطقة، كتلك التي وجهها الحوثيون إلى المنشآت النفطيّة السعوديّة مرّات عدّة خلال السنوات الماضية.

في الخلاصة، وبعد توقيع الاتفاق، سيكون بن سلمان قد راهن على الحماية الأميركيّة الطويلة الأمد، لتحقيق أهداف رؤيته الاقتصاديّة والتنمويّة في المملكة.

لكنّه في الوقت عينيه، سيكون قد قلّص من هامش المرونة الذي تمتّع به سابقًا، والذي سمح لبلاده بالحفاظ على الحد الأدنى من التوازن في العلاقات مع الدول الغربيّة والصين وروسيا. فتعميق التعاون الدفاعي السعودي الأميركي، بما يشمل الاستثمارات العسكريّة، سيعني حتمًا تقييد مشاريع التعاون الدفاعيّة السعوديّة الصينيّة، التي شهدت تطوّرًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية.