● في الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى تعزيز علاقاتها مع باكستان، فإن اهتمامها ينصب على جارتها إيران
● الاستثمار السعودي في باكستان قد يعقّد المحاولات الرامية لتعزيز العلاقات مع الهند.
نشر جيمس دورسي، الزميل الأول في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية بسنغافورة، على مدونته الخاصة مقالة سلّط فيها الضوء على التحديات التي تواجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على مستوى التعامل مع المصالح الجيوسياسية المتضاربة في القارة الآسيوية.
ولا تعدو جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ثلاث دول آسيوية “وهي باكستان والصين والهند” عن كونها محاولة لاستعراض ما يتمتع به من قوة – رغم ما واجهه من انتقاداتٍ غربية على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي وحرب اليمن – لا سيّما وأن الأمر يتعلق باستغلال فرصة جيوسياسية واقتصادية.
ويراهن الأمير محمد على أن تكون زيارته لباكستان والهند والصين بمثابةٍ رد على ما يدور من حديث في الولايات المتحدة وأوروبا حول حظر توريد الأسلحة وفرض العقوبات على السعودية.
وكان الأمير محمد قد غيّر من برنامج رحلته في اللحظة الأخيرة، إذ قام بتأخير موعد وصوله إلى باكستان بيوم، كما أنه أجل زيارتيه المرتقبتين إلى ماليزيا وإندونيسيا. وعلى الرغم من التغيير الحاصل على برنامج الجولة الآسيوية لولي العهد السعودي، فإن هذا الأخير يعوّل، بحسب ما يراه دورسي، بشكلٍ كبير على هذه الجولة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى تعزيز علاقاتها مع باكستان، فإنها اهتمامها ينصبّ على جارتها إيران. وتأتي زيارة ولي العهد السعودي إلى باكستان بالتزامن مع تزايد اعتماد هذه الدولة الآسيوية على المملكة، لا سيما في أعقاب توتر العلاقات مع الحليف الأقرب لها الصين.
ويتمثل الهدف الكامن وراء ما تقدمه السعودية من دعمٍ مالي لباكستان في مواجهة توسع علاقات هذه الأخيرة مع إيران. ويشمل هذا الدعم إيداعاً بقيمة ٣ مليار دولار أمريكي في مصرف باكستان المركزي لتعزيز ميزان المدفوعات، فضلاً عن تأجيل مدفوعاتٍ لاستيراد النفط بقيمة ٣ مليار دولار أخرى. ويضاف إلى ذلك ناهيك ضخ استثمارٍ من المتوقع أن تصل قيمته إلى ١٠ مليار دولار في إقليم بلوشستان المضطرب والمتاخم لإيران.
ويرى دورسي أن ولي العهد السعودي يتمتع أيضاً بالقدرة على استغلال الانتقادات التي وجهتها باكستان لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، والجهود الرامية إلى إعادة تركيز مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي تزيد قيمته عن ٤٥ مليار دولار على مستوى خلق فرص العمل والاستثمار بالزراعة والصناعة.
إلا أن الاستثمار السعودي في باكستان قد يعقد محاولات الأمير محمد بن سلمان لإقامة علاقاتٍ اقتصادية وأمنية أكثر صلابة مع الهند، وذلك في أعقاب هجوم كشمير الأخير الذي تم اتهام باكستان بتنفيذه وأودى بحياة ما لا يقل ٤٢ جندياً هندياً. وكانت الهند قد تعهدت بعزل باكستان على المستوى الدولي، لتشمل الجهود الهندية السعي لإدراج باكستان على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي التي تقوم بمراقبة تمويل الإرهاب.
ويرى دورسي أن مهارات ولي العهد الدبلوماسية ستكون موضع اختبار على وقع التوتر الشديد الذي تعيشه العلاقات بين الهند وباكستان. وتنظر المملكة إلى ميناء تشابهار الإيراني الذي يمتد في عمق بحر العرب ويحظى بدعمٍ هندي باعتباره تعدياً على الأمن القومي والمصالح الاقتصادية للمملكة.
وذكرت دراسة نشرها المعهد الدولي للدراسات الإيرانية بالرياض عام ٢٠١٧، والذي تدعمه الحكومة السعودية، أن ميناء تشابهار يمثل “تهديداً مباشراً لدول الخليج العربي”. وحذّرت الدراسة من أن تشابهار سيمكّن إيران من زيادة صادرات النفط إلى الهند على حساب السعودية، ناهيك عن زيادة الاستثمار الأجنبي في إيران.
وأشار مؤلف الدراسة محمد حسن حسينبور إلى مدى امتداد رقعة محافظة سيستان وبلوتشستان الإيرانية.
ويقول حسينبور في دراسته: “ستواجه الحكومة الإيرانية تحدياً هائلاً إن لم يكن مستحيلاً على مستوى حماية مثل هذه المسافات الطويلة وتأمين ميناء تشابهار نفسه في مواجهة المعارضة البلوشية المتنامية. وستزداد صعوبة هذا التحدي على وجه الخصوص إذا ما حظيت المعارضة بدعم خصوم إيران على المستوى الإقليمي وبدعم القوى العالمية”.
وكانت إيران قد وجهت أصابع الاتهام باتجاه مسلحين يقيمون في باكستان في أعقاب سلسلة الهجمات الأخيرة التي تم شنها على سيستان وبلوشستان. كما ادعت طهران أن هذه الجماعات تحظى بدعم السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل.
وسيشمل جدول أعمال محادثات ولي العهد السعودي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ استثمار السعودية الاقتصادي والجيوسياسي في باكستان.
وتجدر الإشارة إلى رفض الصين لخطة باكستان الأولية لضم الاستثمار السعودي إلى استثمار “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني” فيما يخص مصفاة لتكرير النفط بمدينة غوادر الباكستانية، حيث تعتبر هذه المدينة أهم المدن الواقعة على مسار مبادرة “الحزام والطريق”. ولا تبعد مدينة غوادر سوى بـ ٧٠ كيلومتراً عن ساحل ميناء تشابهار وعن أحد مناجم الذهب والنحاس الواقعة على الحدود الإيرانية.
وعلى الرغم من المخاوف التي تساور الصين بشأن نوايا المملكة، فقد استفادت بكين من الوجود السعودي في باكستان. وسمح الدعم المالي الذي قدمته السعودية والإمارات في خفض الحاجة باكستان الملحة لأن تتقدم بخطة إنقاذ إلى صندوق النقد الدولي. وأدى هذا الأمر بدوره إلى حماية الصين من الكشف عن الشروط المالية المخجلة للمشاريع المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، علماً بأن صندوق النقد الدولي كان يطالب بهذا النوع من عمليات الكشف في إطار خطة إنقاذه لباكستان.
وفي الوقت الذي لم يقدّم فيه ولي العهد السعودي أي سبب لتأجيل زيارته المقررة إلى ماليزيا، فإنه من المستبعد أن يكون المال والاستثمار كافيين لإصلاح مشاكل السعودية مع الدولة الواقعة في جنوب شرق القارة الآسيوية.
ومنذ انتصار مهاتير محمد في الانتخابات التي شهدتها ماليزيا في العام الماضي، فقد شاب التوتّر العلاقات بين الجانبين نتيجة ما بذلته السعودية من جهود لحماية نجيب عبد الرزاق أثناء توليه لمنصب رئيس الوزراء. ويواجه رئيس الوزراء الماليزي السابق تهماً بالفساد في أعقاب الانتصار الذي حققه مهاتير محمد وأطاح به. كما أعاد فوز مهاتير بالانتخابات محمد سابو إلى منصبه، وهو وزير الدفاع الذي يتمتع بسجل حافل في انتقاد المملكة.
وقال سابو محذراً في أحد تعليقاته: “يجب ألّا تكون ماليزيا على علاقة قوية ببلدٍ أصبحت سياساته الداخلية مؤذية لغيره. لا أجد وصفاً ملائماً لحال السعودية أكثر من أنها باتت مجروراً جرّاء التنافس المستمر بين الأمراء. وإذا ما أخذنا هذا الأمر بعين الاعتبار، فإن السعودية ستصبح دوامة قادرة على ابتلاع أي دولة في ثقبها الأسود إذا لم يكن المرء على حذر”.
ومنذ ذلك الحين، قام سابو بسحب القوات الماليزية من التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي ترعاه المملكة العربية السعودية ويتألف من ٤١ دولة. كما قام بإغلاق مركز الملك سلمان للسلام الدولي، وهو مركزٌ لمكافحة الإرهاب عملت السعودية على تمويله وخصصت له حكومة عبد الرزاق مساحة ١٦٠ ألف كم مربع في منطقة بوتراجاي المجاورة لمقر رئاسة الحكومة. وسبق للعاهل السعودي الملك سلمان، والد الأمير محمد، افتتاح هذا المركز في عام ٢٠١٧.
ويختم دورسي مقالته بالقول: “قد يخرج ولي العهد السعودي من جولته الآسيوية مطمئناً، وذلك في أعقاب الاستقبال الجيّد الذي حظي به فيما قام بزيارته من الدول الآسيوية، إلا أنه سيحظى بالتأكيد على ترحيبٍ أقل في واشنطن وعواصم أوروبا الغربية. بيد أن المعيار النهائي سيكمن في قدرة محمد بن سلمان على المناورة واتقان تجاوز حقل ألغامٍ من المصالح الجيوسياسية المتضاربة، وهو أمرٌ لم يظهر بعد أن ولي العهد السعودي يستطيع القيام به”.